"خطط الإنفاق الألمانية" تتصدر رهانات أوروبا لتحقيق انتعاش اقتصادي

أعلام الاتحاد الأوروبي وألمانيا أمام مقر "البوندستاج" (البرلمان) في برلين. 13 مارس 2025 - Reuters
أعلام الاتحاد الأوروبي وألمانيا أمام مقر "البوندستاج" (البرلمان) في برلين. 13 مارس 2025 - Reuters
دبي -الشرق

تعتمد آمال أوروبا في العودة إلى النمو في عام 2026 بشكل كبير، على حملة الإنفاق الألمانية الضخمة، الممولة بالديون، والتي تبلغ تريليون يورو، على البنية التحتية والدفاع، وفق استطلاع أجرته صحيفة "فاينانشيال تايمز".

ومع ذلك، ينقسم الخبراء الاقتصاديون الـ 88 الذين شاركوا في الاستطلاع حول ما إذا كانت الجهود المالية التي تبذلها برلين ستؤدي إلى "نهضة أوروبية" أم ستتلاشى، وسط نقاط الضعف الهيكلية الراسخة والغموض الجيوسياسي.

وفي ظل اقتصادها الأكبر العالق في حالة ركود منذ أواخر عام 2022، تحتاج أوروبا إلى عودة "الحيوية الاقتصادية" لدفع عجلة الانتعاش مدفوعة بالطلب المحلي، حسبما أشار نيك كونيس، كبير الاقتصاديين في ABN Amro.

ويتوقع الاستطلاع الذي أجرته صحيفة "فاينانشيال تايمز"، أن يتباطأ نمو منطقة اليورو بمقدار 0.2 نقطة مئوية العام المقبل ليصل إلى 1.2% في عام 2026، قبل أن يرتفع إلى 1.4% في عام 2027. ويتوافق هذا التوقع إلى حد كبير مع أحدث توقعات خبراء البنك المركزي الأوروبي.

وقد تبين أن توقعات العام الماضي بنمو قدره 0.9% لعام 2025 كانت متشائمة للغاية، بعد أن نما اقتصاد المنطقة بنسبة 1.4%. ويبدو الآن أن المخاوف التي أبداها الاقتصاديون في استطلاع "فاينانشيال تايمز"، العام الماضي، بشأن بطء البنك المركزي الأوروبي في خفض أسعار الفائدة، كانت في غير محلها. وقالت بيا فرومليه، الخبيرة الاقتصادية في بنك SEB: "بشكل عام، فوجئنا إيجاباً بمرونة النمو في عام 2025".

مرونة الاقتصاد

لكن الاقتصاديين لم يكونوا متأكدين "من قدرة الحافز المالي على التحول إلى زخم محلي مستدام بدلاً من مجرد تخفيف الصدمات الخارجية"، كما قالت ليا دوفاس، كبيرة الاقتصاديين في شركة TAC Economics. ويتوقع جيمس روسيتر، المحلل في شركة TD Securities، صراعاً بين عدم الاستقرار الجيوسياسي والسياسة المالية التوسعية.

ويتوقع المتفائلون أن يعزز التحفيز المالي العام المقبل من مرونة الاقتصاد. وقال يان فون جيريش، كبير الاستراتيجيين في بنك Nordea، والذي يُعدّ من أكثر المتفائلين بتوقعه نمواً بنسبة 1.5% في عام 2026، إن "الاستهلاك الخاص لديه إمكانات كبيرة لتحقيق نمو يفوق التوقعات".

ويبدو ريجو هيسكانين، كبير الاقتصاديين في بنك OP Pohjola الفنلندي، أكثر تفاؤلاً، إذ يتوقع "انتعاشاً لاقتصادات الشمال الأوروبي".

وبينما تتباين الآراء حول النمو، هناك إجماع واسع على أن البنك المركزي الأوروبي قد نجح في السيطرة على التضخم.

ويتوقع غالبية الاقتصاديين، أن يحقق البنك المركزي الأوروبي هدفه متوسط ​​الأجل البالغ 2% في عام 2027، بعد أن انخفض قليلاً إلى 1.9% في عام 2026.

ويتوقع ثلاثة أرباع المشاركين في الاستطلاع، أن يُبقي البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة الرئيسي على الودائع دون تغيير عند 2% حتى نهاية عام 2026. وبحلول نهاية عام 2027، يتوقع الاقتصاديون في المتوسط ​​رفعاً واحداً لسعر الفائدة إلى 2.25%.

شكوك في قدرات برلين

وبالنظر إلى المستقبل، فإن النمو "سيعتمد بشكل أقل على السياسة النقدية وأكثر على التنفيذ المالي، والثقة، والتقدم المحرز في الإصلاحات الهيكلية"، كما صرحت سابرينا خانيش، الخبيرة الاقتصادية في شركة Pictet لإدارة الأصول.

وتضيف "فاينانشيال تايمز" أن البعض يشككون بقدرة برلين على تحقيق ذلك. ويقول هنري كوك، الخبير الاقتصادي في بنك MUFG: "إن زيادة الإنفاق الحكومي سترفع النمو الألماني تلقائياً، لكن السؤال الأهم هو ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى انتعاش أوسع نطاقاً أم لا".

ويحذر المتشككون من أن مليارات اليورو من الاقتراض الجديد قد ينتهي بها المطاف إلى تمويل الرعاية الاجتماعية والإنفاق الجاري بدلاً من الاستثمار الجديد، في حين أن الأموال المخصصة للدفاع قد يكون لها تأثير محدود فقط على النمو.

وقال بن بلانشارد، المحلل في شركة أبحاث الاستراتيجية المطلقة: "تلاشى التفاؤل الذي رافق إعلان فريدريش ميرتس في وقت سابق من هذا العام خلال الأشهر الأخيرة".

وحذر فيليكس فيذر، الخبير الاقتصادي في جامعة أبردين، قائلاً: "من المرجح أن يصاب بخيبة أمل أي شخص يتوقع انتعاشاً كبيراً في الاقتصاد الألماني عام 2026".

وفي الوقت نفسه، تتعرض قطاعات واسعة من القاعدة الصناعية الأوروبية لضغوط متزايدة جراء فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب تعريفة جمركية بنسبة 15%، واشتداد المنافسة من المنافسين الصينيين، مما أثار قلق المستهلكين وجعلهم مترددين في الإنفاق.

أثر رسوم ترمب

وفي حين أن التعريفات الأميركية "لم يكن لها حتى الآن تأثير سلبي ملموس على نمو منطقة اليورو"، حسبما اعتبر فابيو بالبوني، الخبير الاقتصادي لمنطقة اليورو في بنك HSBC، "إلا أننا ربما لم نرَ سوى غيض من فيض". ويعتقد أغلبية ضئيلة من المشاركين في الاستطلاع أن أكثر من نصف الأثر السلبي الإجمالي للتعريفات الجمركية قد ظهر بالفعل.

وحذرت أبولين مينوت، الخبيرة الاقتصادية في شركة إدارة الأصول الفرنسية Carmignac، من المنافسة الشرسة من المصدرين الصينيين التي تهدد بـ"إضعاف" الصناعة الأوروبية بشكل أكبر. وقالت إن الاتحاد الأوروبي ككل، وحكوماته على حدة، يتبنى نهجاً "متأخراً وغير كافٍ" للتعامل مع "الصدمة الصينية" المتفاقمة.

كما أن انفجار ما يصفه بعض الاقتصاديين بـ"فقاعة الذكاء الاصطناعي" في أسواق الأسهم الأميركية قد يؤثر سلباً على النمو الأوروبي. وحذر كريستيان شولتز، كبير الاقتصاديين في شركة Allianz Global Investors، قائلاً: "لا يزال التصحيح الحاد في تقييمات شركات التكنولوجيا الأميركية يشكل أكبر خطر عالمي".

وأضاف أن الانخفاضات الحادة في أسعار الأسهم الأميركية والدولار "ستتردد أصداؤها في جميع أنحاء أوروبا"، مما قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض للحكومات والشركات. وتابع: "هناك خطر من حدوث أزمة مالية من نوع ما تمتد آثارها إلى الاقتصاد الأميركي والقطاع المالي".

وقال جون ليويلين، كبير الاقتصاديين السابق في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إن "خطر حدوث أزمة مالية من نوع ما، تمتد آثارها إلى الاقتصاد الأميركي والقطاعات المالية واقتصادات دول أخرى، مرتفع ويتزايد".

لكن بعض الاقتصاديين يرسمون سيناريوهات أكثر تفاؤلاً، بما في ذلك إنهاء الحرب في أوكرانيا، أو على الأقل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. ويرى كريستوف بوشيه، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة ABN AMRO لحلول الاستثمار، أنه إذا كانت اتفاقية السلام "ذات مصداقية ولا تضر بأوكرانيا"، فإنها قد "تقلل بشكل كبير من حالة عدم اليقين الجيوسياسي وتعزز الثقة".

وفي هذا السيناريو، قد تنخفض أسعار الطاقة بينما يرتفع الاستثمار والصادرات. ويضيف راينهارد كلوز، الخبير الاقتصادي في بنك UBS أن هذا، إلى جانب التحفيز المالي من برامج الإنفاق الحكومي، واحتمال انخفاض معدلات الادخار المرتفعة لدى الأسر، قد يؤدي إلى "دورة إيجابية" و"نهضة أوروبية".

تصنيفات

قصص قد تهمك