كيف يمكن أن تكون الولايات المتحدة بلا مهاجرين؟

احتجاجات ضد هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) خارج محكمة الهجرة الأميركية في مانهاتن بمدينة نيويورك. 18 سبتمبر 2025 - Reuters
احتجاجات ضد هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك (ICE) خارج محكمة الهجرة الأميركية في مانهاتن بمدينة نيويورك. 18 سبتمبر 2025 - Reuters
دبي-الشرق

تواجه الولايات المتحدة تحديات متزايدة نتيجة سياسات الهجرة الصارمة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعد مرور عام على حملته لتقليص عدد المهاجرين، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز". 

وقالت الصحيفة في تقرير نشرته، الأحد، إن شركات البناء في ولاية لويزيانا تواجه صعوبة بالغة في العثور على نجارين، فيما خسرت المستشفيات بولاية ويست فرجينيا أطباء وممرضين كان من المفترض أن يأتوا من الخارج.

وأضافت الصحيفة أن "أميركا باتت تغلق أبوابها أمام العالم، بعد أن أغلقت حدودها وضيّقت السبل القانونية لدخول البلاد، في حين تُجبر الوافدين الجدد والمقيمين منذ فترة طويلة على مغادرة البلاد". 

وتابعت الصحيفة: "لقد ارتفعت رسوم التأشيرات بشكل كبير، بينما انخفضت أعداد اللاجئين المقبولين إلى مستويات شبه معدومة، وتراجعت أعداد الطلاب الدوليين". 

وأوضحت أن التراجع في الوضعيات القانونية المؤقتة التي منحها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لمئات الآلاف من الأشخاص جعل الكثيرين معرضين للطرد في أي وقت، مشيرة إلى أن الإدارة أعلنت طرد أكثر من 600 ألف شخص بالفعل.

ورغم ذلك، لفت التقرير إلى أن تقليص عدد السكان المولودين في الخارج لن يحدث بين ليلة وضحاها، إذ تشير تقديرات Oxford Economics إلى أن صافي الهجرة يبلغ نحو 450 ألف شخص سنوياً وفق السياسات الحالية، وهو أقل بكثير من مليوني إلى 3 ملايين شخص كانوا يدخلون البلاد سنوياً في عهد بايدن. وبلغت نسبة السكان المولودين في الخارج 14.8% في عام 2024، وهي نسبة لم تُسجَّل منذ عام 1890. 

لكن مسؤولو البيت الأبيض يقولون إنهم يهدفون إلى سياسة أقرب إلى ما شهدته فترة إغلاق الهجرة في عشرينيات القرن الماضي، عندما منع الكونجرس دخول الأفراد من نصف دول العالم، وخفّض صافي الهجرة إلى الصفر في ذروة تصاعد النزعة القومية في البلاد. 

وأشارت الصحيفة إلى أن نسبة السكان المولودين في الخارج بلغت أدنى مستوياتها عند 4.7% في عام 1970.

وأشاد ستيفن ميلر، كبير مستشاري ترمب، بتلك العقود التي شهدت انخفاضاً في معدل الهجرة، واصفاً إياها بأنها "آخر مرة كانت فيها الولايات المتحدة قوة عظمى لا جدال فيها". 

وقالت الصحيفة إن "الهجرة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية في الولايات المتحدة، من المدارس والمستشفيات والمتنزهات إلى أماكن العمل، محذرة من أن إغلاق البلاد سيكون له تأثير عميق على ملايين الأشخاص".

وأضاف التقرير أن "المتاجر والكنائس أصبحت أكثر هدوءًا في أحياء المهاجرين، فيما انخفضت أعداد الطلاب في المدارس، وأُلغي العديد من الفعاليات الثقافية". 

"صدى الماضي" 

وترى "نيويورك تايمز" أنه من المبكر الحكم على النتائج الدقيقة لهذه السياسات، لكنها أشارت إلى أن فترات تشديد الهجرة السابقة توفر بعض الدروس. 

وأضافت الصحيفة: "خلال القرن الأول لتأسيس الولايات المتحدة، كانت الهجرة غير مقيدة على المستوى الفيدرالي تقريباً، إلا أن ذلك بدأ يتغير في أواخر القرن التاسع عشر مع وصول موجة كبيرة من المهاجرين الفارين من الاضطهاد السياسي أو الباحثين عن فرص عمل".

وبدأ الكونجرس منذ سبعينيات القرن التاسع عشر في حظر دخول "المجرمين والفوضويين والفقراء والعمال الصينيين".

علما الصين والولايات المتحدة متجاورين في شنغهاي، الصين
علما الصين والولايات المتحدة متجاورين في شنغهاي، الصين - REUTERS

وأوضحت أنه مع حلول القرن العشرين، كانت المشاعر المعادية للهجرة منتشرة على نطاق واسع، فقد كتب المحامي وعالم الأنثروبولوجيا الأميركي ماديسون جرانت عام 1916 أن "الدول الأجنبية تستغل انفتاح أميركا لتفريغ نفايات سجونها ومصحاتها العقلية، وقد تدهورت وتدنّست النواحي الاجتماعية والأخلاقية والسياسية للحياة الأميركية نتيجة وجودهم". 

وذكرت الصحيفة أن جرانت استُشير كخبير عند صياغة قانون الهجرة لعام 1924، الذي حظر دخول معظم المهاجرين من آسيا، وأنشأ حرس الحدود الأميركي، وحدد حصصاً لدول أوروبا الشرقية والجنوبية، ما أدى إلى انخفاض كبير في صافي الهجرة. 

وقالت "نيويورك تايمز" إن خطاب الرئيس ترمب الأخير يعكس تلك الحقبة، إذ يصف أشخاصاً من الصومال وهايتي وأفغانستان بأنهم قادمون من "مناطق بائسة"، ويتهم دولاً أخرى بـ"إفراغ سجونها ومصحاتها العقلية في الولايات المتحدة".

"الحد من دخول المهاجرين" 

ولفتت إلى أن بعض مؤيدي الحد من دخول المهاجرين الجدد، بمن فيهم نائب الرئيس جي دي فانس، يرون أن ذلك سيساعد الولايات المتحدة على استيعاب المهاجرين الذين يعيشون فيها بالفعل، ويقلل المنافسة على الموارد، ويعزز فرص العمل للشباب الذين خرجوا من سوق العمل.

وتابعت الصحيفة أن قيود الهجرة التي فُرضت في عشرينيات القرن الماضي ظلت تحكم سياسة الولايات المتحدة حتى أُلغي نظام الحصص العرقية، الذي كان يحدد أعداد المهاجرين بناءً على الأصل القومي، في عام 1965، بفعل المنافسة الدولية خلال الحرب الباردة، وحركة الحقوق المدنية، وتغير موقف النقابات العمالية. 

اقرأ أيضاً

الهجرة والاقتصاد والحروب.. تعهدات ورسائل في خطاب ترمب بعد 11 شهراً بالبيت الأبيض

وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطاباً، الخميس، ركز فيه على ما حققته إدارته في قضايا أبرزها الهجرة والاقتصاد والحروب، خلال 11 شهراً منذ عودته للبيت الأبيض.

ووفقاً لـ"نيويورك تايمز"، فإن نسبة السكان المولودين خارج الولايات المتحدة قبل تولي ترمب الرئاسة كانت تتطابق مع أعلى مستوى تاريخي سُجل منذ عام 1890. 

وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من صعوبة فصل آثار قيود الهجرة لعام 1924 عن أحداث أخرى مثل الحروب، والتقدم التكنولوجي، وموجة المواليد بعد الحرب، إلا أن الأجور ارتفعت لفترة وجيزة للعمال المولودين في الولايات المتحدة في المناطق المتأثرة بهذه القيود.

"تعويض نقص اليد العاملة" 

وأوضح التقرير أن أصحاب العمل لجأوا إلى توظيف عمال من المكسيك وكندا لتجنب دفع أجور أعلى، بينما هاجر العمال الأميركيون من المدن الصغيرة إلى المدن الكبرى لسد النقص.

كما اعتمدت المزارع على الأتمتة لتعويض نقص اليد العاملة، وتقلّص قطاع تعدين الفحم الذي كان يعتمد على المهاجرين الذين تم منعهم من دخول البلاد. 

وأكد التقرير أنه رغم قدرة الذكاء الاصطناعي والأتمتة على استبدال بعض الوظائف، إلا أن العديد من الأعمال لا تزال تتطلب مهارات بشرية، مثل عمليات الولادة، وحصاد المحاصيل الدقيقة، والعمل الزراعي الذي يعتمد بشكل كبير على المهاجرين.

وأشارت الصحيفة إلى أن أجور البناء ارتفعت حالياً حتى مع تباطؤ وتيرة بناء المنازل، وهو ما قد يُعتبر مؤشراً محتملاً على أن عمليات الترحيل في الصناعات التي يغلب عليها المهاجرون قد تدفع الرواتب للارتفاع.

البيت الأبيض يعلن بدء رحلات ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة. 24 يناير 2025
البيت الأبيض يعلن بدء رحلات ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة. 24 يناير 2025 - x/PressSec

كما لفتت إلى أن ولاية ويست فرجينيا، كانت تعاني من نقص حاد في عدد الأطباء، وكان الحل يتمثل في البحث عن الكفاءات من الخارج، لكن هذا الخيار أصبح محدوداً في الوقت الحالي. 

وأوضح التقرير أن الموجة الكبيرة من المهاجرين التي دخلت الولايات المتحدة في عهد بايدن، والتي تجاوزت 8 ملايين شخص، ساهمت في توفير عمالة مولودة خارج البلاد، لكنها في الوقت نفسه أثارت ردود فعل معارضة للهجرة وأدت إلى مخاوف بشأن الجريمة وفرص العمل.

كما شعر بعض المهاجرين الذين واجهوا صعوبات أكبر بعدم المساواة مقارنة بالجدد القادمين من دول مثل فنزويلا، ما دفع بعضهم إلى التحول نحو دعم ترمب في عام 2024. 

أرض الفرص؟ 

وأوضحت الصحيفة، أن الطلاب الدوليين يدفعون الرسوم الكاملة التي تموّل برامج جديدة وتغطّي التكاليف الأساسية في العديد من الجامعات الأميركية، إلا أن تراجع أعدادهم يترك الكثير من المؤسسات التعليمية تواجه عجزاً في ميزانيتها.  

وأضاف التقرير أن نحو نصف المهاجرين الذين وصلوا إلى البلاد بشكل قانوني بين 2018 و2022 حاصلون على تعليم جامعي، وفق معهد سياسة الهجرة، وهو مركز أبحاث مستقل، مشيراً إلى أن المهاجرين أكثر ميلاً من المواطنين الأميركيين لتأسيس شركاتهم الخاصة، حيث تم تأسيس نحو نصف شركات Fortune 500 هذا العام على يد مهاجرين أو أبناء مهاجرين. 

وأظهرت عدة دراسات انخفاضاً في عدد براءات الاختراع الأميركية بعد قوانين الهجرة في عشرينيات القرن الماضي.

اقرأ أيضاً

التبادل الطلابي بين أميركا والصين.. كيف تحول من دبلوماسية القوة الناعمة لخطر التجسس؟

بدأت حقبة التبادل الأكاديمي بين الصين وأميركا في عهد جيمي كارتر كشكل من أشكال دبلوماسية القوة الناعمة، إلا أنها الآن تتناقض مع موقف إدارة الرئيس دونالد ترمب.

وحذرت الصحيفة من أن انخفاض الهجرة سيتصادم مع شيخوخة السكان الذين يحتاجون للرعاية، موضحة أن نصف العاملين في مرافق كبار السن في فلوريدا من المهاجرين، وقد يضطر بعضهم لمغادرة البلاد بسبب انتهاء وضعهم القانوني المؤقت. 

وأضاف التقرير أن المناطق الريفية والمدن الصناعية السابقة تعتمد على المهاجرين لدعم النمو، إلا أن المهاجرين العالقين قد ينتقلون إلى المدن الكبرى أو يبحثون عن عمل غير رسمي، ما يثير مخاوف من عواقب طويلة الأمد تشمل نقص العمال، وتراجع الابتكار، واضطراب الخدمات، وتباطؤ النمو الاقتصادي. 

ونقل التقرير عن أحمد أحمد، عضو أحد المجالس المحلية، قوله: "هذه السنة الأولى فقط. كيف سيكون الوضع في المستقبل؟".

تصنيفات

قصص قد تهمك