أطلقت مصر، السبت، "استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان"، يمتد إطارها الزمني لمدة خمس سنوات، وتستهدف تعزيز الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والسياسية، وحقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، وكذلك التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.
واعتبر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمته التي ألقاها خلال مؤتمر إطلاق الفعالية، أن الاستراتيجية الوطنية بمثابة "خطوة جادة على سبيل النهوض بحقوق الإنسان في مصر"، لافتاً إلى أنه "تم وضع وتحديث العديد من التشريعات التي تضمن للمواطن ممارسة حقوقه السياسية".
عام المجتمع المدني
وأكد السيسي، أن الاستراتيجية "تستند على عدد من المبادئ الأساسية"، أبرزها "كافة الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة"، مشيراً إلى أن "ثمة ارتباط وثيق بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع أهمية تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين حق الفرد والمجتمع، وضرورة مكافحة الفساد لضمان التجمع بين الحقوق والحريات".
ولفت السيسي، إلى أن "الالتزام بصون الحقوق والحريات وتعزيز احترامها، يتحقق من خلال التشريعات والسياسيات العامة من جانب، ومن خلال ما تقوم به مختلف المؤسسات والآليات الوطنية وما تقوم به لإنفاذ تلك التشريعات من جانب آخر".
وأعلن الرئيس السيسي في ختام كلمته، عام 2022 عاماً للمجتمع المدني الذي دعاه إلى مواصلة العمل بجد واجتهاد إلى جانب المؤسسات المصرية لتحقيق التنمية المستدامة وتحقيق طموحات الشعب المصري.
"تريليون دولار سنوياً"
وتحدث الرئيس السيسي، عن التحديات التي تواجه الدولة المصرية، خلال مداخلته في حلقة نقاشية بعنوان "حقوق الإنسان.. الحاضر والمستقبل"، على هامش مؤتمر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
واعتبر تحدّي النمو السكاني أبرز هذه التحديّات، متسائلاً: "من يستطيع توفير مليون فرصة عمل سنوياً في مصر؟"، و"من يستطيع توفير نظام تعليم جيد جداً لأكثر من 22 مليون نسمة؟"، "وما هو مستوى التعليم الذي سيخرج من هذا النظام؟".
وتابع الرئيس المصري، أن "من يستطيع عمل تأمين طبي حقيقي لـ100 مليون نسمة، حتى لو كان عدد مستشفياتنا 5000"، "دولة مثل مصر، تحتاج على الأقل إنفاقاً عاماً لا يقل عن تريليون دولار سنوياً".
ووجه السيسي حديثه للحضور قائلاً، "لو الرقم ده موجود حاسبوني، وحاسبوا الحكومة على الأداء والممارسات وحقوق الناس".
وعن تحدي الصحة، علّق الرئيس السيسي على "استجابته لاستغاثة الطفلة منّة الله هشام التي تعرضت لحادث، وطلبت العلاج في المجمع الطبي للقوات المسلحة بالمعادي، بدلاً من مستشفى أسيوط الجامعي"، بسبب تطور حالتها.
وقال السيسي: "لما ألاقي منّة بتطلب علاجها، أمال هي كانت فين؟"، متابعاً: "إحنا مش قادرين نقدم علاج، لذلك نقدم علاجاً تمييزياً، يعني في أسيوط البنت ما تتعالجش كويس ويبقى فيه استغاثة، ومطلوب إن إحنا نتدخل علشان البنت تتعالج".
وأضاف الرئيس المصري: "العلاج يتقدم لأي إنسان وأي مستوى، لأنه حق، وبعد 7 سنوات، لم أقدمه، ومش قادر أقدمه".
وأشار إلى أنه استهدف التدّخل بمبادرات صحيّة لحل قضايا بعينها مثل القضاء على فيروس سي، مضيفاً: "استهدفت الكشف عن الأمراض المزمنة وغير المزمنة، كما استهدفت القضاء على قوائم الانتظار، رغم أنه المفروض النظام يحل مسائل الدولة المصرية".
وبشأن قضية الإنجاب في مصر، قال الرئيس السيسي إنه "يأمل أن يصل عدد المواليد الجدد إلى 400 ألف سنوياً، لتحقيق الكثير من الإنجازات، وذلك حتى تتشكل ثقافة لدى المجتمع بالاكتفاء بطفل أو اثنين".
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد المواليد في مصر عام 2020، بلغ 2.23 مليون نسمة، بانخفاض 72 ألف مولود عن عامين سابقين عليه، وفقاً لصحيفة (المصري اليوم)".
وقال الرئيس المصري، إنه في عام 2011 كان يعتبر الثورة (ثورة 25 يناير)، في تقديره "شهادة وفاة للدولة المصرية"، نتيجة التحديات التي كانت تواجهها الدولة، وبينها تحديات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية ودينية وإعلامية.
لا صدام مع الأزهر
وجدد الرئيس السيسي، الحديث حول قضية "توثيق الطلاق الشفوي"، إذ دعا في 2017 إلى إصدار قانون يقضي "بألا يتم الطلاق إلّا أمام مأذون" أي حظر الطلاق شفوياً، وسط معارضة من مؤسسة الأزهر.
واعتبر السيسي، في حديثه خلال الجلسة النقاشية، أن المجتمع المصري لم يكن مهيئاً لتنفيذ "توثيق الطلاق الشفوي"، لافتاً إلى أنه لم يدخل في صدام مع المؤسسة الدينية "احتراماً لمنطق الزمن وتغيير الناس"، مشيراً في الوقت نفسه إلى احترامه لحرية الاعتقاد.
وأشار إلى أن قانون الأحوال الشخصية يتيح للدولة تنفيذ توثيق الطلاق، لأنه يقام عليه حقوق وواجبات، لافتاً إلى أنه "ليس في مواجهة مع أحد".
وتابع: "لما قُلت على موضوع توثيق الطلاق، هل أنا نشّفت دماغي مع المؤسسة الدينية اللى رفضت ده. أنا سيبت الموضوع يتفاعل مع المجتمع، ومع المؤسسة دي، ولم أصطدم معها".
وفسّر حديثه: "ممكن نعمل إجراء ونظن إنه إيجابي، ونفاجئ بأن عوامل الزمن والثقافة والممارسات على الأرض، ما حققتش الهدف ده".
وكان السيسي دعا في كلمة ألقاها في 24 يناير 2017، إلى إصدار قانون يقضي "بألا يتم الطلاق إلّا أمام مأذون" أي حظر الطلاق شفوياً، مضيفاً أن "مثل هذا القانون سيكون الهدف منه إعطاء الناس فرصة لمراجعة نفسها بدلاً من يتم الطلاق بكلمة يقولها (الزوج) هكذا، في أي لحظة".
وقالت هيئة كبار العلماء بالأزهر في بيان آنذاك، إن "وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانه وشروطه والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، هو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ .. دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق"، حسبما ورد في البيان.
"الجمهورية الجديدة"
وقالت الرئاسة المصرية في بيان على فيسبوك، إن إطلاق الاستراتيجية "يأتي بالتكامل مع المسار التنموي القومي لمصر، الذي يرسخ مبادئ تأسيس الجمهورية الجديدة، ويحقق أهداف رؤية مصر 2030".
وأضاف المتحدث باسم الرئاسة المصرية، السفير بسام راضي، أن "الاستراتيجية الوطنية، تعتبر أول استراتيجية ذاتية متكاملة وطويلة الأمد في مجال حقوق الإنسان في مصر، إذ تتضمن تطوير سياسات وتوجهات الدولة، في التعامل مع عدد من الملفات ذات الصلة، والبناء على التقدم الفعلي المحرز خلال السنوات الماضية، في مجال تعظيم الحقوق والحريات والتغلب على التحديات في هذا الإطار".
ولفت المتحدث، إلى أن "الاستراتيجية الوطنية، تهدف إلى تعزيز واحترام جميع الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وترسيخاً لما تقوم به الدولة في مجالات دعم حقوق المرأة والطفل والشباب وكبار السن، وأصحاب الهمم وجميع فئات المجتمع".
الاستفادة من تجارب الدول
وقال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، والذي يشغل أيضاً منصب رئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، إن اللجنة حرصت على تبني نهج علمي في هذه الاستراتيجية، وعلى مدار عام كامل تم التنسيق مع أكثر من 30 وزارة. وبدأت اللجنة العليا، التي أعدت تلك الاستراتيجية، أعمالها في عام 2020.
وأشار شكري خلال المؤتمر، إلى أنه تم عقد جلسات استماع من لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب واللجان المختلفة والمواطنين في عدد من المحافظات، ومراجعة الاستراتيجيات الخاصة بحقوق الإنسان في 30 دولة للاستفادة منها.
وأوضح وزير الخارجية المصري، أن الاستراتيجية الوطنية تعمل على 4 محاور، الأول يشمل الحقوق المدنية والسياسية، والمحور الثاني، الحقوق الاقتصادية والسياسية، والمحور الثالث حقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، والمحور الرابع، التثقيف وبناء القدرات في مجال حقوق الإنسان.
وتابع شكري قائلاً: "لدينا عزيمة صادقة على إعلاء كرامة المواطن المصري، وتحقيق تكافؤ الفرص".
تطوير تشريعي ومؤسسي
بدوره، استعرض المندوب الدائم لمصر في الأمم المتحدة بجنيف، السفير أحمد إيهاب جمال الدين، الأمين العام المؤسس للجنة العليا لحقوق الإنسان، أبرز محاور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
وقال جمال الدين، إن اللجنة ستحدد نقاط القوة والفرص بالاستراتيجية، للعمل عليها، من خلال التطوير التشريعي والمؤسسي وبناء القدرات، مشيراً إلى أن الإطار الزمني للاستراتيجية 5 سنوات، منذ إطلاقها وحتى سبتمبر 2026.
ولفت إلى أن الاستراتيجية تؤكد على الحق في المشاركة في الحياة السياسية والعامة، وتكوين الأحزاب السياسية، ضمن محور الحقوق المدنية والسياسية، وذلك اتساقاً مع التشريعات الوطنية، خاصة الصادرة بعد 2014، وصولاً لبناء الدولة المدنية الحديثة ودولة القانون.
وقال إن الاستراتيجية تهدف إلى زيادة التواصل بين الحكومة، ومنظمات المجتمع المدني العاملة في حقوق الإنسان، كما ستعمل على دعم عمل النقابات المهنية.
وفي مجال حرية الرأي والتعبير، أشار المصري، إلى أن الاستراتيجية تستهدف إصدار قانون حق الحصول على المعلومات والبيانات وتداولها، وتعزيز مناخ وثقافة التعددية والمراجعة الدورية للقوانين المنظمة لممارسة حرية التعبير، لضمان كفالة ممارسة هذا الحق، ومواصلة جهود الدولة لحماية الصحفيين والإعلاميين.
وبشأن حرية التجمع السلمي، قال جمال الدين إن الاستراتيجية "تسعى إلى تعزيز وتنمية الوعي العام، بثقافة ممارسة التجمع السلمي بكافة صوره".