يتوجه ملايين الروس، الجمعة، إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابات عامة، تحظى بأهمية خاصة على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بسبب تداعيات تفشي وباء كورونا، والضغوط الاقتصادية التي سببتها العقوبات الغربية المفروضة على روسيا.
تجدر الإشارة إلى أن روسيا استكملت الاستعدادات الخاصة بالاستحقاق الانتخابي، الذي ينظم للمرة الأولى على مدى 3 أيام.
وكانت الانتخابات العامة تجرى عادةً في يوم واحد، لكن ضرورات تسهيل عمليات الاقتراع من بُعد بسبب الظروف الوبائية، مع الحاجة إلى ضمان أوسع مشاركة ممكنة، لعبت دوراً في إدخال هذا التعديل.
وتشمل العملية الانتخابية اختيار 450 نائباً لمجلس الدوما (النواب)، وأعضاء المجالس المحلية والبلدية في الأقاليم والمدن، فضلاً عن اختيار عدد من حكام المقاطعات.
وتتنافس 14 حزباً للفوز بمقاعد الهيئة التشريعية والمجالس البلدية، أبرزها الأحزاب الأربعة التقليدية الكبرى التي حافظت على تمثيل دائم في البرلمان خلال العقدين الماضيين؛ وهي: الحزب الحاكم "روسيا الموحدة"، و"الشيوعي الروسي"، و"الديمقراطي الليبرالي"، و"روسيا العادلة" الذي وسع صفوفه أخيراً بتحالف ضم بعض قوى اليسار الديمقراطي الصغيرة، ليغدو اسمه "روسيا العادلة.. الوطنيون من أجل العدالة".
إنقاذ الحزب
استطلاعات حديثة للرأي أشارت إلى عدم توقع مفاجآت أو اختراقات كبرى، لجهة أن الأحزاب الرئيسية ستحافظ على وجودها في البرلمان المقبل، بنسب لا تختلف كثيراً عن النسب التي حصلت عليها في الانتخابات السابقة.
وعلى الرغم من أن السباق الانتخابي بدأ في الربيع الماضي، بتسجيل 36 حزباً، أعربت عن استعدادها للمشاركة في العملية الانتخابية، إلا أن 14 حزباً منها نجحت في تلبية الشروط التي وضعتها لجنة الانتخابات المركزية.
واللافت أن بينها حزباً واحداً فقط يجاهر بمعارضته لسياسات الكرملين، وهو "يابلوكا" الذي يمثل التيار الليبرالي الديمقراطي؛ في حين أن كل القوى السياسية الأخرى، لا تخفي تأييدها للسياسات الداخلية والخارجية للرئيس فلاديمير بوتين، مع فروق محدودة تبرز عند التعامل مع ملفات أثارت سجالات داخلية واسعة، مثل قانون إصلاح نظام التقاعد، الذي أثار نقاشات واسعة عندما طرح في عام 2018، وأدى إلى تدهور شعبية الحزب الحاكم "روسيا الموحدة" بشكل ملحوظ.
بناء على ما تقدم، برز حرص الكرملين منذ انطلاق التحضيرات للعملية الانتخابية، على بذل جهود مضاعفة لترميم مواقع الحزب، وضمان استمرار هيمنته على المشهد السياسي في البلاد.
وفي هذا الإطار، اتخذت السلطات الروسية خطوات غير مسبوقة، برزت بشكل أساسي من خلال رمي الرئيس بوتين بثقله كاملاً خلف الحزب الحاكم، من خلال حرصه على حضور غالبية الاجتماعات العامة لأعضاء الحزب طوال مراحل الحملات الدعائية، والتحضير للانتخابات.
كما لعب القرار الذي أعلنه بوتين في يونيو الماضي بتسمية 5 شخصيات بارزة على رأس اللائحة الانتخابية للحزب دوراً أساسياً في ضمان عودة مؤشراته في استطلاعات الرأي إلى الصعود.
وتزعم اللائحة وزيرا الدفاع سيرجي شويجو، والخارجية سيرجي لافروف، يليهما دينيس بروتسينكوف كبير الأطباء في مستشفى متخصص بعلاج مرضى وباء كورونا، ثم مفوضة حقوق الطفل في روسيا آنا كوزنيتسوفا، وأخيراً الرئيسة المشاركة لمنظمة "الجبهة الشعبية الروسية" يلينا شميليوفا.
وكان واضحاً سعي الكرملين إلى توظيف الثقل الشعبي الواسع للوزيرين، والطبيب الذي برز اسمه بقوة خلال فترة تفشي الوباء، فضلاً عن أبرز وجهين نسائيين في روسيا في ملفي حقوق الطفل والرعاية الاجتماعية.
في المقابل، جاء استبعاد رئيس الوزراء السابق ديمتري مدفيديف من اللائحة الانتخابية، رغم كونه رسمياً ما زال رئيس الحزب، ليعكس رغبة الكرملين في التغطية على تداعيات قانون الإصلاح التقاعدي الذي ارتبط باسم مدفيديف.
ولم يسبق أن شاهد الروس وزيرَي الدفاع والخارجية، وهما يجوبان الأقاليم لتنظيم حملات دعاية انتخابية. وسرعان ما انعكس هذا المشهد على مؤشرات التأييد للحزب الحاكم، التي صعدت خلال الشهرين الماضيين من 29 في المئة، وهي أدنى نسبة تأييد في تاريخ الحزب، لتصل حالياً وفقاً لأحدث الاستطلاعات إلى 45 في المئة؛ علماً بأن "روسيا الموحدة" حصل في انتخابات عام 2016 على 54 في المئة من أصوات الناخبين.
5 أحزاب في البرلمان المقبل
بهذا المعنى، يبدو أن الحزب الحاكم ضَمن سلفاً هيمنة مطلقة على الهيئة الاشتراعية المقبلة، لأن هذه النسبة، إذا صحّت توقعات الاستطلاعات، ستُضاف إليها النسبة التي يحصل عليها الحزب من أصوات الأحزاب التي لم تنجح في تجاوز نسبة الحسم للتمثيل في البرلمان، فضلاً عن حصوله على أصوات إضافية في الدوائر الفردية.
لذلك تميل التوقعات إلى أن الحزب الحاكم سيحافظ على نفوذه الواسع بواقع أكثر من نصف مقاعد البرلمان الجديد، ما يضمن له الاستمرار في سن القوانين والتعديلات وإدارة شؤون الملف التشريعي في البلاد، من دون الحاجة إلى التحالف مع قوى أخرى.
ويأتي في المرتبة الثانية، وفقاً للاستطلاعات، "الحزب الشيوعي" بواقع 20 في المئة من الأصوات. يليه "الليبرالي الديمقراطي" بأصوات نحو 12 في المئة من الناخبين، ليحل "روسيا العادلة" رابعاً بواقع 8 في المئة من الأصوات.
وهنا تجدر ملاحظة أن عمليات الدمج والتوسيع التي قام بها هذا الحزب (روسيا العادلة)، لم تنعكس في توسيع حجم حضوره الشعبي، إذ منحته الاستطلاعات النسبة نفسها التي حصل عليها في الانتخابات السابقة.
لكن الجديد الوحيد على صعيد المشهد الحزبي المهيمن في البلاد، هو ظهور حزب "الشعب الجديد"، الذي يعدّ الوحيد بين الأحزاب الجديدة والصغيرة، المؤهل لتجاوز نسبة الحسم للتمثيل في البرلمان المقبل، وفقاً للاستطلاعات.
توقعات مرضية للإقبال
شكّل الجهد المبذول لضمان نسب إقبال مُرضية على صناديق الاقتراع، التحدي الأهم للكرملين، على خلفية تصاعد المزاج الاحتجاجي في البلاد خلال العامين الأخيرين، وتراجع الثقة قي قدرة النخب السياسية على تحسين الوضع المعيشي للمواطن، بحسب ما دلّت دراسات، فضلاً عن إسهام المعارضة في التشكيك بالحملة الانتخابية، بسبب استبعاد غالبية ممثليها منها.
لذلك، بذلت السلطات الروسية جهداً مضاعفاً خلال الشهرين الماضيين، لضمان عدم عزوف الناخبين عن المشاركة في الاستحقاق. ومع تمديد فترة التصويت لـ3 أيام، يُتوقع أن يكون ذلك عاملاً حاسماً لمصلحة الحزب الحاكم.
ولضمان أوسع مشاركة ممكنة، أطلقت سلطات المدن الكبرى برامج واسعة لتشجيع الناخبين على التصويت الإلكتروني عند بُعد، مثل إعلان جوائز قيّمة، بينها شقق سكنية ومكافآت مالية مجزية يتم توزيعها على الفائزين في سحب عام يشمل المشاركين في التصويت.
وومع أن الاستطلاعات كانت رجحت في البداية مشاركة نحو 45 في المئة من الناخبين في عمليات الاقتراع، لكن بدا أن السلطات الروسية ضمنت إقبال ما يزيد على نصف الناخبين في البلاد، مع توقعات بارتفاع النسبة لتصل إلى أكثر من 60 في المئة بفضل مدّ فترة التصويت إلى 3 أيام.
لكن تنشيط التصويت الإلكتروني عن بُعد لم يهدف فقط إلى ضمان إقبال أوسع على الصناديق، بل سيكون عاملاً حاسماً، وفقاً لخبراء في منح الحزب الحاكم أصواتاً إضافية. وقال المحلل السياسي ألكسندر أسافوف إن التصويت عبر الإنترنت ستكون له مع التأثير الإيجابي على الإقبال، فائدة كبرى للحزب الحاكم، خصوصاً على خلفية سعي أحزاب مهمة مثل الحزب "الشيوعي" إلى التشكيك بعمليات التصويت عن بُعد، وربطها بمحاولات الكرملين تعزيز فرص الحزب الحاكم.