الانتخابات الألمانية.. هل يعيق فيديو قديم فوز شولتز بالمستشارية؟

مرشح "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" أولاف شولتز يقف لالتقاط صورة خلال حدث انتخابي في لايبزيج - ألمانيا - 5 سبتمبر 2021 - REUTERS
مرشح "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" أولاف شولتز يقف لالتقاط صورة خلال حدث انتخابي في لايبزيج - ألمانيا - 5 سبتمبر 2021 - REUTERS
برلين-مصطفى السعيد*

يتداول خصوم مرشح "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" أولاف شولتز، الذي يتقدم استطلاعات الرأي بفارق شاسع، مقطع فيديو قصيراً (54 ثانية)، يظهر فيه رئيسا حزبه ساسكيا إيسكن ونوربرت ـ فالتر بوريان، وهما ينتقصان من شأنه، والتزامه بمبادئ الحزب التي يدعو إليها.

انتشار هذا الفيديو في وسائل التواصل الاجتماعي، ليصل إلى قطاعات واسعة من الناخبين، قد يشكل "طعنة في الظهر"، وقد يعوق سعي شولتز للمستشارية، ولربما يترك التنافس مفتوحاً لخصميه، أرمين لاشيت وأنالينا بيربوك.

الحملة الانتخابية "تستعر"!

تستعر الحملة الانتخابية في ألمانيا بقوة، خصوصاً أن نحو 50% من الناخبين الألمان، طلبوا أوراق التصويت بالبريد، وهو ما يجعل كل يوم هو يوم اقتراع فعلي، يمنح فيه الناخبون أصواتهم لمن يرونه الأفضل، من بين الأحزاب أو المرشحين في الدوائر.

وحملة هذا العام تبدو أكثر اختلافاً وتشويقاً من الحملات السابقة، خصوصاً على صعيد مرشحي الأحزاب لمنصب المستشارية، فلا يكاد يمر يوم دون تهمة توجه من هذا لذاك، على وجه حق أو من غير حق.

بعض هذه التهم لا يصلح لإعادة تموقع المرشحين، ولا لإعادة تموقع الأحزاب في السباق، خصوصاً أن برامجها ثابتة وواضحة للناخب، الذي هو أمام اختيار الاتجاه، بسبب الفروق الكبيرة بينها.

سبب تفوق شولتز

مرشح الحزبين المسيحيين الشقيقين، الديمقراطي والاجتماعي، أرمين لاشيت، عانى منذ أسابيع من انتشار فيديو يظهره في خلفية خطاب للرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير (له مهمة تمثيلية للبلاد وليست تنفيذية).

وكان شتاينماير يواسي ضحايا الفيضانات التي عمّت غرب ألمانيا، ويعد بأن الدولة ستساعدهم على تعويض الخسائر، فيما التقطت عدسات الكاميرات المرشح أرمين لاشيت وهو يضحك، ويتمازح مع مجموعة من أنصاره، ما اعتبره كثيرون سوء تقدير للموقف، لا يتناسب مع شخصية المستشار المقبل.

وبالفعل تراجع تأييد لاشيت وحزبه بعد ذلك بسبب هذه الصورة، من ضمن عوامل أخرى، لها علاقة بالثقة بقدرة المرشح وببرنامجه.

ومرشحة "حزب الخضر" أنالينا بيربوك، التي صعدت كالصاروخ بعد انتدابها من حزبها، وكادت تعانق سماء المستشارية، سقطت بسرعة صعودها، عندما أظهرت بعض خطاباتها قلة الخبرة، وتم انتقاد تجميلها لسيرتها الذاتية، واعتمادها في كتاب نشرته أخيراً على أقوال لم تنسبها إلى مصادرها.

واستفاد أولاف شولتز الذي كان ثالثاً في بداية السباق، من هفوات خصومه، ومن حملة دعائية ناجحة، وتصدر المشهد بهامش كبير، جعل الخبراء والمحللين يقولون إنه "لا مجال للحاق به"، خصوصاً أنه لم يتبقَّ إلا 12 يوماً على قرار الحسم.

وبدا وكأن كل ما أثير من لغط حول شخصه يمر عنه مرور الكرام. وتعلل خصومه بمسؤوليته عن فضائح مالية وقعت في عهده كرئيس لحكومة ولاية هامبورغ، ومن بعد تحت مسؤوليته كوزير للمالية في الحكومة الاتحادية.

وهناك مثلاً "فضيحة كوم ـ إكس"، والتي تتعلق بالتهرب الضريبي (قبل 2012)، و"فضيحة واير ـ كارد"، التي خسر من خلالها كثير من المساهمين البسطاء استثماراتهم في عملية خداع مالي (2020)، وأخيراً المداهمة التي نفذتها النيابة العامة (أوسنابروك) في مقر وزارته.

وتمكن شولتز من التملص منها، لكونه أولاً ليس متمهاً في الضلوع فيها، بل فقط من منطلق مسؤوليته في الإشراف الوزاري والحيلولة دون أن تقع، ومن جهة أخرى لتعقيداتها وصعوبة الفهم للناخب.

فيديو قديم ولكن

الفيديو القصير لرئاسة "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" العائد لعام 2019، يظهر نقطة ضعف حقيقية بالنسبة لشولتز، إذ شهد عام 2019 انتخابات شرسة للظفر برئاسة الحزب العريق، وصوت أعضاؤه في مؤتمرات محلية على الرئاسة.

آنذاك خسر أولاف شولتز أمام الثنائي المكون من عضوة الحزب المعروفة بيساريتها، ساسكيا إيسكن، ووزير المالية على مستوى الولايات نوربرت ــ فالتر بوريان.

وتمت استضافة الاثنين في أحد أنجح البرنامج التلفزيونية (ماركوس لانز)، وعندما سأل المذيع عن رأي رئيسي الحزب بأولاف شولتز، وإن كان ملتزماً بمبادئ الديمقراطية الاشتراكية (في إيحاء لالتزامه بالعدالة الاجتماعية، والدفاع عن حقوق ذوي الدخول المتدنية)، أجابت إيسكن، أن "شغل شولتز لمناصب وزارية على مدى سنين طويلة، أظهر أنه قبل بالكثير من التسويات، والتي لا تتفق مع مبادئ الحزب"، نازعة عنه شرعية تمثيل الحزب ومبادئه، وأضاف بوريان أنه "رشح في مواجهة شولتز لهذا السبب".

مستشار واجهة أم حاكم فعلي؟

من الممكن أن يصبّ ذلك في مصلح شولتز، وهو من يمين الحزب، واعتباره ضمانة بأن تبقى سياسة حكومته وسطية معتدلة، ومن ثم تعزيز قدرته على كسب أصوات من خارج حزبه، كما كانت تفعل أنجيلا ميركل على مدى 16 عاماً.

لكن خصومه في الحزبين المسيحيين، قد ينجحون في توظيف هذا الفيديو لإثبات واحدة من نظرياتهم السابقة، إذ كانوا يدّعون دوماً بأن أولاف شولتز المعتدل، ليس إلا "واجهة انتخابية من ورق، يختبئ من ورائها قادة الحزب الأكثر تشدداً"، والبعض يشبه هؤلاء القادة بجيريمي كوربن، رئيس "حزب العمال" البريطاني السابق، وأن قادة الأحزاب المتشددة، من سيتصدرون المشهد بعد يوم الاقتراع، ليستوزروا ويحددوا سياسة ألمانيا، بدءاً من الائتلاف مع الفزّاعة الانتخابية (بالنسبة لهم)  حزب اليسار، الحزب الشيوعي سابقاً في ألمانيا الشرقية، وانتهاء بتكبيل جماح الاقتصاد.

واليوم ومع امتناع ساسكيا إيسكن عن تصحيح موقفها تجاه شولتز علناً، قد يؤدي توظيف هذا الفيديو، إلى التشكيك في سيادة شولتز لموقفه، وفي حريته باتخاذ قرارات الحكم، بعيداً عن قيود حزبه، وهي حرية يطلبها الدستور الألماني من أي مستشار مقبل.

أرمين لاشيت هو الآخر يواجه معارضة داخلية، كانت تود أن تُرشح بدلاً عنه ماركوس زودر، رئيس وزراء بافاريا، وتتكرر مطالباتها بتغيير المرشح كلما أظهرت الاستطلاعات ضعف لاشيت. وفي "حزب الخضر" نادى كثيرون بانتداب وزير ولاية شليسفيغ ــ هولشتاين الكاريزماتي روبرت هابيك، بدلاً من بيربوك، بعد ظهور ملابسات سيرتها، وكتابها وتخبطها بداية الحملة الانتخابية.

الاستطلاعات المقبلة

إلا أن إظهار خلافات في التوجه السياسي داخل "الديمقراطي الاشتراكي"، قد يكون لها صدى أكبر، رغم وضوح البرنامج الانتخابي وجاذبيته للناخب، كما تُبين استطلاعات الرأي.

وهي تذكر بالخلافات التي نشبت داخل "الحزب الديمقراطي الاشتراكي"، بسبب قرار نشر صواريخ حلف "الناتو" على الحدود مع المعسكر الاشتراكي بداية الثمانينيات، وأسقطت مستشاره التاريخي الناجح والمحبوب آنذاك، هيلموت شميدت، لمصلحة هيلوت كول في عام 1982.

لا يمكن الحسم بعد في التأثير الذي سيكون لنشر هذا الفيديو، والذي قد يعيد الفضائح المالية إلى الواجهة، على تقدم شولتز. هل سيتآكل كلية وتعود المنافسة على منصب المستشارية مفتوحة أمام المرشحين الثلاثة، أم سيتقلص الفارق شيئاً ما، مع إبقاء حظوظ شولتز الأكبر؟

الاستطلاعات المقبلة ستبين ما إذا كان الناخب سيأبه بهذا الفيديو الجديد أساساً، وما إذا كان خصوم شولتز سينجحون في تحويله إلى سلاح فعال، لخدمة أجنداتهم.

* كاتب صحافي ومدير مركز برلين للإعلام