كشفت مصادر دبلوماسية لوكالة "بلومبرغ"، أن بريطانيا تستعد لـ"انتقام"، ورد فرنسي قوي بعد خسارة باريس لصفقة الغواصات مع أستراليا، وسط تداعيات سلبية محتملة طويلة الأمد على التحالف بين الدول الغربية.
وقال أحد هؤلاء الدبلوماسيين الذين وصفتهم الوكالة بالمطلعين على الأوضاع في لندن، إن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، سعى لتهدئة التوترات عقب الإعلان عن الاتفاق الدفاعي الجديد الأسبوع الماضي، لكن الدبلوماسيين البريطانيين حذروا المسؤولين في لندن، من أن العلاقات مع باريس "قد تصبح معقدة".
وأشار الدبوماسي إلى أن باريس "قد تعيد تقييم علاقاتها مع حلف الناتو والصين، مع دفع الاتحاد الأوروبي في الوقت نفسه لتطوير القدرات، من أجل التحرك بشكل مستقل عن الولايات المتحدة"، لافتاً إلى أن فرنسا "لم تبد أي إشارة على استعدادها لمغادرة التحالف العسكري، لكن سبق لها أن شككت في صلاحية الناتو، للأهداف التي أسس من أجلها".
منعطف تاريخي
وتوقع الدبلوماسي في حديثه لـ"بلومبرغ"، أن تنظر فرنسا إلى هذه القضية باعتبارها "لحظة استراتيجية أساسية، شبيهة بأزمة السويس في عام 1956، عندما خسرت بريطانيا وفرنسا نفوذهما في الشرق الأوسط، خصوصاً أنها تأتي عقب انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من أفغانستان".
لكن الدبلوماسي توقع أيضاً أن تظل فرنسا على التزامها تجاه المحيطين الهادئ والهندي، نظراً لمصالحها في المنطقة.
وانسحبت فرنسا من اجتماعات مقررة مسبقاً مع الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة، كما استدعت سفيريها من واشنطن وكانبيرا، لكن بريطانيا ظلت إلى حد كبير بمنأى عن غضب باريس، مع اقتصار الرد الفرنسي حتى الآن على ما وصفته بلومبرغ بـ"الشتائم الحادة، وإلغاء زيارة وزارية إلى لندن".
وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ردَّ بشكل لاذع على سؤال بشأن السبب الذي دفع فرنسا إلى عدم استدعاء سفيرها من بريطانيا، المنضوية في الاتفاق الدفاعي الثلاثي.
وقال لودريان: "استدعينا سفيرينا من (كانبيرا وواشنطن) لإعادة تقييم الوضع. مع بريطانيا، لا حاجة إلى ذلك. نعلم انتهازيّتهم الدائمة، ولذا فلا حاجة إلى إعادة سفيرنا ليفسّر" الوضع.
وفي تعليقه على دور لندن في الاتفاقيّة، قال باستخفاف "بريطانيا ليست إلا طرفاً زائداً (أي بلا قيمة) في كلّ هذه" المعادلة، وذلك بحسب وكالة "فرانس برس".
حملة دبلوماسية
وعقب الاتفاق الدفاعي بين واشنطن ولندن وكانبيرا الذي أفقد الصناعة الفرنسية الدفاعية نحو 90 مليار دولار أميركي، أطلق كبير الدبلوماسيين الفرنسيين، حملة قدح ضد الرئيس الأميركي جو بايدن.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في تصريحات لمحطّة "فرانس 2" التلفزيونيّة إنه أحس بـ"طعنة في الظهر" بسبب الاتفاق الدفاعي الذي سيضر اقتصادياً بفرنسا، ويقصي جيشها عن مبادرة أساسية، ضمن الجهود الغربية لبناء حائط صد ضد الصين.
وأضاف لودريان: "حصل كذب، حصلت ازدواجيّة، حصل تقويض كبير للثقة، حصل ازدراء، لذا فإنّ الأمور بيننا ليست على ما يرام"، مشبهاً قرار بايدن بالدخول في هذا الاتفاق، بقرارات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
وأكد أنّ استدعاء السفيرَين الفرنسيَّين للمرّة الأولى في تاريخ العلاقة بين البلدان الثلاثة "له دلالة كبيرة"، وللتشديد على "أننا نشعر باستياء كبير"، وأنّ "هناك فعلاً أزمة خطرة بيننا".
فجوة بين باريس وواشنطن
وقال الرئيس الفرنسي إبمانويل ماكرون إنه سيناقش الوضع مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خلال مأدبة عشاء في باريس الخميس المقبل.
بدورها، أكدت المتحدثة الإعلامية باسم البيت الأبيض جين ساكي، الاثنين، أن بايدن يسعى لتأكيد التزام واشنطن بـ"الصداقة والشراكة" مع باريس، خلال الاتصال الهاتفي المرتقب مع ماكرون.
كما ذكرت ساكي في وقت سابق أن واشنطن "تقدر علاقتها وشراكتها مع فرنسا في مجموعة متنوعة من القضايا التي تواجه المجتمع الدولي، سواء تعلق ذلك بالنمو الاقتصادي، أو بمكافحة فيروس كورونا، أو معالجة الأمن في جميع أنحاء العالم".
ووفقاً لـ"بلومبرغ"، فقد كشفت الخلافات حول الغواصات الفجوة بين باريس وواشنطن منذ تولي بايدن منصبه، حيث انتقد ماكرون طريقة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وشكك في فعالية اقتراح بايدن بالتنازل عن براءات اختراع لقاحات كوفيد.