لم يتصور وزير الدفاع المصري الراحل، المشير محمد حسين طنطاوي، عندما تولى منصبه في مايو 1991 أنه سيكون بعد عقدين من الزمان قائداً لمصر في واحدة من أصعب لحظات تاريخها بعد ثورة أطاحت بالرئيس الراحل حسني مبارك.
وعلى الرغم من طول المدة التي شغل فيها طنطاوي الذي توفي الثلاثاء عن عمر 85 عاماً، منصب وزير الدفاع، فإن الفترة التي قضاها حاكماً للبلاد بحكم منصبه وقتها، كانت العنوان الأبرز في إرثه السياسي، رغم أن تاريخه العسكري أطول زمناً، إذ خاض حروب 1956 و1967 و1973.
في تلك الفترة أشاد المصريون بالجيش وقائده المشير، جراء استجابته لمطالب المتظاهرين وانحيازه للجماهير التي خرجت للشوارع، إذ رفض الجيش فض الاعتصام في ميدان التحرير بالقوة، ليتردد هتاف "الجيش والشعب إيد واحدة" قبل تنحي مبارك في 11 فبراير 2011.
ومع تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد، تعقد المشهد السياسي ووقعت سلسلة من الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين طالبوا بسرعة تسليم السلطة لقيادة منتخبة، ومحاكمة مبارك وأفراد أسرته، وظلت الأمور بين شد وجذب حتى أجريت الانتخابات الرئاسية عام 2012 والتي فاز بها مرشح جماعة الإخوان محمد مرسي.
جنازة عسكرية وحداد رسمي
حظي المشير طنطاوي بثقة مبارك، إذ شارك الرجلان في حرب أكتوبر، واختاره الرئيس الراحل وزيراً للدفاع طوال نحو 20 عاماً، لكن طنطاوي اتخذ مواقف أقرب إلى الشارع الغاضب في 2011.
وكان الراحل مقرباً من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي شغل عدة مناصب عسكرية تحت قيادة طنطاوي من بينها إدارة المخابرات الحربية.
ووصف السيسي طنطاوي بأنه "أب ومعلم"، إذ قال في بيان: "فقدت اليوم أباً ومعلماً وإنساناً غيوراً على وطنه، كثيراً ما تعلمت منه القدوة والتفاني في خدمة الوطن".
وأعلن السيسي الحداد الرسمي لمدة 3 أيام، وقرر إطلاق اسم طنطاوي على قاعدة الهايكستب العسكرية، شرق القاهرة، قبل أن يتقدم جنازته العسكرية.
رئاسة الجمهورية نعت المشير الراحل في بيان قائلة إن مصر "فقدت رجلاً من أخلص أبنائها وأحد رموزها العسكرية الذي وهب حياته لخدمة وطنه لأكثر من نصف قرن.. المغفور له المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع والإنتاج الحربي الأسبق"، كما نعته القوات المسلحة، وبثت فيلماً وثائقياً قصيراً عن حياته.
3 حروب
وُلد طنطاوي في أكتوبر 1935 لأسرة نوبية، وتخرج في الكلية الحربية عام 1956 ثم كلية القادة والأركان، وشارك في مواجهة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وحرب 1967، وحرب أكتوبر 1973 والتي لعب فيها دوراً بارزاً إذ كان يتولى قيادة الكتيبة 16 مشاة.
كانت الكتيبة 16 من أوائل الكتائب العسكرية التي عبرت قناة السويس إلى الضفة الشرقية التي كانت تحتلها إسرائيل، وكان عبورها قبل العبور الكبير للجيش.
معركة المزرعة الصينية
ولعبت كتيبة طنطاوي دوراً بارزاً في الحرب، إذ استطاعت إيقاف محاولة إسرائيلية لاختراق المنطقة بين الجيشين الثاني والثالث، في 15 أكتوبر بعد 9 أيام من بدء الحرب.
وروى طنطاوي تفاصيل المعركة في فيديو بثه التلفزيون المصري في الذكرى الـ40 للحرب، بقوله إن المعركة دارت داخل "المزرعة الصينية"، وهي موقع شرق مدينة الإسماعيلية، حيث تعثرت القوات الإسرائيلية بعد 48 ساعة من مهاجمة الموقع، ومُنيت بخسائر فادحة اضطرت إسرائيل للدفع بعناصر مظلية ومشاة إضافية.
واستشهد طنطاوي برواية قائد إسرائيلي عن المعركة، أكد فيها أنهم فوجئوا بالدفاع المصري المستميت عن الموقع.
وقال طنطاوي: "ذلك اليوم لم أكن نمت منذ 48 ساعة، وشعرت بالهدوء ولم أكد أنام حتى فوجئت بمن يوقظني ويقول إنني سمعت أزيز طائرات هليكوبتر، وطلبت منهم تزويد المراقبة وإذا بعناصر من القوات الإسرائيلية تحاول عبور حقول الألغام، ونظرت في مركز القيادة وأيقنت أن هؤلاء عناصر كبيرة من المشاة تحاول عبور ثغرة في اتجاه مواقع الكتيبة".
وأضاف: "وجهت كل أسلحة الكتيبة والمدفعية والهاون وحتى الأسلحة المضادة للطائرات في اتجاه الثغرة، وعند اقتراب العدو أعطيت إشارة بالضرب ففتحت أسلحة الكتيبة على القوات المظلية للعدو واستمرت المعركة ساعتين ونصف، ومن حسن حظ الإسرائيليين أنه في الصباح خفض الضباب من تركيز النيران عليهم، وهو ما مكنهم من تقليل خسائرهم وسحب الأحياء منهم.. كان هدفي ألا يعود أي منهم حياً".
وزير الدفاع الأطول بقاءً
شغل طنطاوي منصب قائد الحرس الجمهوري عام 1988 في عهد مبارك، ورأس هيئة عمليات الجيش المصري خلال حرب تحرير الكويت 1990-1991، ثم عين وزيراً للدفاع في مايو 1991 من العام نفسه، ورقي لرتبة مشير عام 1993، قبل أن يتولى قيادة البلاد رئيساً للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد تنحي مبارك.
واستمر طنطاوي في وزارة الدفاع حتى 12 أغسطس 2012، ليصبح أطول وزراء الدفاع في مصر بقاءً في المنصب.
السيسي يبرئ طنطاوي
وشهدت فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة طنطاوي التي استمرت منذ 11 فبراير 2011 وحتى 30 يونيو 2012، العديد من الاشتباكات التي أوقعت ضحايا، أبرزها أحداث ماسبيرو، وشارع محمد محمود، ومجلس الوزراء.
تلك الوقائع أشار إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمة له، الثلاثاء، برأ فيها المشير الراحل من الدماء التي سالت، بقوله: "والله إن هذا الرجل بريء من أي دم وقع في أحداث محمد محمود، وماسبيرو، وأحداث المجمع العلمي (المعروفة باسم مجلس الوزراء)".
تسليم السلطة
في مايو 2012 أجريت أول انتخابات رئاسية بعد 25 يناير، وفاز فيها الرئيس الراحل محمد مرسي، بعد منافسة شديدة مع الفريق أحمد شفيق، الذي كان وزيراً للطيران في عهد مبارك، ثم رئيساً للوزراء مع بدء احتجاجات يناير.
وأدى مرسي اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية في 30 يونيو، ليتسلم السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وجاءت كلمات طنطاوي خلال حفل تسليم السلطة لتؤكد أنه آن الأوان "لنضع الماضي خلفنا"، لكنه حذر في الوقت نفسه من أن "الطريق لا يزال صعباً وطويلاً".
إقالة المشير
وفي 12 أغسطس من العام نفسه، أعلن مرسي إقالة طنطاوي من منصبه كوزير للدفاع، وإقالة رئيس الأركان سامي عنان، وتعيينهما مستشارين لرئاسة الجمهورية، كما قرر تعيين الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع. وعقب الإقالة، منح مرسي طنطاوي قلادة النيل أرفع وسام مصري.
حضور لافت
عاد المشير طنطاوي إلى الظهور في أعقاب الإطاحة بجماعة الإخوان من الحكم في 30 يونيو، وظهر إلى جوار الرئيس عبد الفتاح السيسي في الكثير من المناسبات الرسمية، منها الاحتفالات بذكرى انتصارات أكتوبر، وافتتاح عدد من المشروعات الكبرى، كما حرص الرئيس في أكثر من مناسبة على الإشادة بدوره خلال فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وأُطلق اسم المشير طنطاوي على أحد أبرز الطرق التي تربط بين مناطق شرق القاهرة، وكذلك على أحد أكبر المساجد بمنطقة التجمع الخامس، وهو المسجد الذي تخرج منه أغلب الجنازات الرسمية والعسكرية، ومنه خرجت جنازة طنطاوي نفسه لترسم المشهد الأخير في حياة رجل ترك بصمته على الحياة العامة المصرية في ساحات القتال كما في ميدان السياسة.