أظهرت تعاملات وراء الكواليس أدت إلى إطلاق سراح المديرة المالية لشركة "هواوي" الصينية، مينج وانتشو، التي احتُجزت في كندا بطلب أميركي، وإفراج الصين عن كنديَّين اعتقلتهما بتهمة تجسّس، "بُعداً براغماتياً" في علاقات بكين وواشنطن، كما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".
وأشارت الصحيفة إلى خلاف بين الولايات المتحدة والصين على جبهات عدة، بما في ذلك قطاع التكنولوجيا وحقوق الإنسان ومطالب إقليمية لبكين، ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش العلاقات بين البلدين بأنها "مختلّة تماماً".
ومع ذلك، تشير لائحة متزايدة من الإجراءات، بما في ذلك تعاون الجانبين في ملفَي الاحتباس الحراري ومنح التأشيرات، منذ تنصيب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، إلى أن البلدين مستعدان للاستفادة من هذا التحسّن.
علماً أن لا مؤشرات على ذوبان الجليد في خلافاتهما الرئيسة، مثل مزاعم الصين بشأن تايوان أو بحر الصين الجنوبي، والتي يخشى بعضهم أن تضع واشنطن وبكين على مسار صدام عسكري.
"زخم إيجابي"
ومع ذلك، ظهر أكبر مؤشر على "دينامية براجماتية" الجمعة الماضي، في ما بدا كأنه "تبادل سجناء مصمّم بعناية"، بحسب الصحيفة.
وأقرّت مينج وانتشو بموجب اتفاق مع وزارة العدل الأميركية، بأنها أدلت بتصريحات غير صحيحة تتعلّق بأعمال شركة الاتصالات الصينية العملاقة في إيران.
في المقابل، وافقت الولايات المتحدة على تأجيل التهم الجنائية الموجّهة إليها، وإسقاطها لاحقاً، ما مكّنها من مغادرة كندا والعودة إلى الصين، بعدما واجهت محاولة لتسليمها إلى واشنطن.
وتزامنت مغادرة مينج مع إفراج السلطات الصينية عن الكنديَين مايكل سبافور ومايكل كوفريج، وعودتهما إلى بلدهما، علماً أنهما اعتُقلا بعد 9 أيام على احتجاز مينج في عام 2018.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن شخص مطلع على تفكير إدارة بايدن، أن التطورات المتصلة بملف "هواوي" ليست مرتبطة بجهود دبلوماسية أوسع لتخفيف التوتر بين بكين وواشنطن.
وأضاف أن وزارة العدل الأميركية تتخذ قراراتها بشكل مستقلّ عن البيت الأبيض. وفي الصين، أوردت وسائل الإعلام الرسمية أن الكنديَين أُطلِقا لأسباب صحية.
صفقة إخراج الكنديَين أقلقت أجانب في الصين، معتبرين أن بكين قد تتجرأ على احتجاز أجانب آخرين، في خلافات مستقبلية.
لكن آخرين رأوا جوانب إشكالية في القضية الأميركية المرفوعة ضد مينج، رغم أن رجال أعمال ومنظمات أعربوا عن ارتياحهم، لأن المواجهة تبدو منتهية.
وقال ستيفن أورلينز، رئيس "اللجنة الوطنية للعلاقات بين الولايات المتحدة والصين" (مقرها نيويورك): "أرى كل الأشياء التي لا تسير كما يرام. رأيت بعض الأشياء الجيدة، لكنها محدودة... آمل بأن يؤدي ذلك إلى زخم إيجابي".
تدابير إيجابية
في الأشهر الأخيرة، سوّت واشنطن وبكين مسائل مزعجة في علاقاتهما، إذ وافقت القنصليات الأميركية في الصين على منح تأشيرات لعشرات الآلاف من الطلاب الصينيين.
كما سحبت وزارة العدل الأميركية، في يوليو الماضي، تهماً موجّهة إلى 5 باحثين زائرين، اتُهموا بإخفاء ارتباطهم بالجيش الصيني.
كذلك أوقفت وكالات أميركية إجراءات تستهدف منتجات تكنولوجية صينية، اعتبرت إدارة الرئيس السابق، دونالد ترمب، أنها تشكّل خطراً على الأمن القومي للولايات المتحدة، بما في ذلك تطبيقا "وي تشات" و"تيك توك".
في الوقت ذاته، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينج، أن بلاده لن تشيّد بعد الآن محطات طاقة تعمل بالفحم في الخارج، وذلك تلبية لواحد من الأهداف المناخية التي تسعى إدارة بايدن إلى تحقيقها.
وزادت الصين هذا العام وارداتها من الذرة والشعير ودقيق الذرة، من الولايات المتحدة، بحسب "مجلس الحبوب الأميركي". وعيّنت بكين أخيراً سفيراً جديداً في واشنطن، يشدد على أهمية التواصل بين الجانبين.
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن صفقة إطلاق مينج تأتي فيما يسعى بايدن إلى دعم من الصين لاتفاق عالمي بشأن المناخ، خلال قمة جلاسكو المرتقبة في نوفمبر المقبل، بينما يتطلّع شي جين بينج إلى تجنّب أي مقاطعة لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين.
قنوات اتصال مفتوحة
وأضافت الصحيفة الأميركية أن بايدن سعى، منذ تولّيه منصبه، إلى تخفيف التوترات مع الصين، بالتزامن مع مواجهة نفوذها العالمي المتزايد، بما في ذلك من خلال العمل مع حلفاء الولايات المتحدة، للضغط على بكين.
وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء الماضي، طرح بايدن نظرة عالمية للسياسة الخارجية، تستند إلى بناء التحالفات والدبلوماسية، مؤكداً أنه غير مهتم بحرب باردة أخرى.
كذلك أبقى الرئيسان، الصيني والأميركي، قنوات الاتصال مفتوحة، وتحدثا مطوّلاً عبر الهاتف مرتين هذا العام.
وعلى الرغم من تأكيد الزعيمين عدم رغبة أيّ منهما في صراع، فإن مسؤولين من البلدين "اشتبكوا" علناً، مثل اجتماع ألاسكا في مارس الماضي، شهد سجالاً عنيفاً، كما يعبر جيشا الدولتين بانتظام في المياه المتنازع عليها في بحرَي الصين، الشرقي والجنوبي.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن الشخص المطلع على تفكير إدارة بايدن، إن الإدارة تعتبر أن أغلبية تصرّفات بكين تدريجية، وتعكس ضغوطاً تواجهها، بدلاً من روح تعاون جديدة.
وأضاف أن العلاقات بين الجانبين معقدة جداً، وفي كل تطوّر إيجابي ثمة ملفات شائكة لم تُسوَّ بعد.
"مجرد خطوة أولى"
وفيما سعت إدارة بايدن إلى التعاون في مسائل محددة، حاولت بكين إجراء محادثات مع واشنطن تتناول علاقاتهما الشاملة.
وأوضح وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، هذه النقطة خلال استقباله جون كيري، الموفد الأميركي المكلّف بملف المناخ، بقوله: "لا يمكن فصل التعاون بشأن الاحتباس الحراري، عن الوضع العام للعلاقات بين الصين والولايات المتحدة".
واعتبر مات بوتينغر، الذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي في إدارة ترمب، ويرأس الآن برنامج الصين في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، وهي معهد أبحاث محافظ في واشنطن، أن بكين "تتجه نحو سياسة أكثر تشدداً وعدوانية وغطرسة".
لكن جيروم كوهين، وهو محامٍ في نيويورك عمِل في ملفات قانونية بارزة تتعلّق بالبلدين، رأى أن إفراج الصين عن الكنديَين "يثير أملاً أكبر في أن هذه مجرد خطوة أولى في جهود مشتركة لاستعادة علاقات أفضل إلى مسار أكثر سلاسة إلى حد ما، وعلى الأقلّ أقلّ خطورة".
اقرأ أيضاً: