يرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أزمة ارتفاع أسعار الغاز التي تشهدها أوروبا فرصة يمكن الاستفادة منها لتعديل قواعد السوق في القارة. في الوقت ذاته، دعت منظمة أعمال أوروبية الصين إلى تحسين تعاملها مع أزمة الطاقة التي تعانيها، مشيرة إلى أن شركات تشكو تلقّيها رسائل نصية في منتصف الليل تبلّغها بوجوب وقف الإنتاج في اليوم التالي، كما أفادت وكالة "بلومبرغ".
وأشارت الوكالة إلى أن بوتين يريد الضغط على الاتحاد الأوروبي لإعادة صوغ بعض قواعد سوقها للغاز، بعد سنوات على تجاهل مخاوف موسكو، من أجل إبعادها عن التسعير الفوري، نحو العقود بعيدة المدى التي تفضّلها شركة "غازبروم"، المملوكة للدولة الروسية. ونقلت عن مصادر أن موسكو تسعى أيضاً إلى الحصول على مصادقة سريعة على خط أنابيب "نورد ستريم 2" المثير للجدل إلى ألمانيا، لتعزيز شحنات الغاز.
وفي ظل تقلبات يومية قياسية تبلغ 40% في أسعار الغاز الأوروبية، اعتبرت "بلومبرغ" أن بوتين أجرى تدخلاً محسوباً لتهدئة السوق، بقوله الأسبوع الماضي إن "غازبروم" قادرة على زيادة الإمدادات للمساهمة في تخفيف النقص.
لكن الوكالة نقلت عن مسؤول حكومي روسي ومستشار سياسي مقرّب من الرئاسة الروسية، أن لا أوهام لدى موسكو بنيلها تنازلات سياسية من الاتحاد الأوروبي، أو تحسين علاقاتهما المتوترة نتيجة للأزمة، ولو أن الكرملين يعتبر بوتين منقذاً لأوروبا في قطاع الطاقة.
وقال أندريه كورتونوف، رئيس "المجلس الروسي للشؤون الدولية" الذي أسّسه الكرملين: "يشعر بوتين بفرصة من الأزمة. تريد روسيا منع الاتحاد الأوروبي من التباطؤ في المصادقة على "نورد ستريم 2"، وبدء محادثات بشأن أسعار مستقرة بعيدة المدى للغاز".
وكان بوتين حمّل مسؤولين ومستشارين "مغرورين" في الاتحاد الأوروبي مسؤولية جزئية عن أزمة الطاقة، معتبراً أنهم سعوا إلى التحوّل إلى التسعير الفوري للعقود "ولا يريدون سماع أي شيء آخر".
أزمة إمدادات
وتعتمد أوروبا على "غازبروم" في نحو ثلث إمداداتها من الغاز الطبيعي. وفيما يُعاد بناء مخزون الغاز في القارة من مستويات منخفضة قياسية لهذا الوقت من العام، ثمة خيارات محدودة للتسليم من مصادر أخرى، مثل الغاز الطبيعي المسال. ومع اقتراب فصل الشتاء بسرعة، يُحتمل أن يجعل ذلك القارة أكثر اعتماداً على روسيا للحصول على إمدادات إضافية، من أجل تجنّب النقص عندما يصبح الطقس بارداً، بحسب "بلومبرغ".
واعتبر نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، الذي يشرف على سياسة الطاقة في روسيا، أن الانتقال السريع من مصادر الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة ساهم بأزمة الإمدادات في أوروبا.
أما إيلينا بورميستروفا، نائبة الرئيس التنفيذي لشركة "غازبروم"، فرأت أن السوق الفورية الأوروبية "ليست أداة تسعير تؤمّن توازناً بعيد المدى لمصالح المشترين والبائعين". وأضافت: "شراء الغاز بأسعار معقولة أمر جيد طبعاً، ولكن من الأفضل أن تعرف مسبقاً كمْ سيكلّف، في خلال شهر أو 3 أشهر أو سنة".
"نصر ضخم لغازبروم"
ويأمل الاتحاد الأوروبي أن تكون أزمة الغاز ظاهرة محدودة، ويركز على مساعدة الدول الأعضاء في اجتياز فصل الشتاء القاسي، إذ يُرجَّح أن تبقى الأسعار مرتفعة، كما أن "نورد ستريم 2" قد لا يكون جاهزاً قبل شهور. وقالت مفوّضة الطاقة الأوروبية، كادري سيمسون، إن تخزين الغاز تحت الأرض في القارة بلغ نحو 75% من طاقته، وهو أقلّ بكثير من العقد الماضي، ولكنه كاف لتغطية الطلب.
ويُرجّح أن يستكشف الاتحاد إمكان إجراء دوله عمليات شراء مشتركة للغاز، لتعزيز وضعها مع أطراف ثالثة. ورأت "بلومبرغ" أن ذلك يعني استبعاد أن يتخذ التكتل إجراءات وشيكة للاستجابة لأي مبادرات يطرحها بوتين، لا سيّما في ظل توتر مستمرّ بين الجانبين، بشأن ملفات مثل بيلاروسيا وأوكرانيا.
وأشارت الوكالة إلى أن موسكو حريصة على استعادة الارتباط بأسعار النفط في عقود الغاز، والنأي عن التسعير الفوري الذي أصرّ عليه الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد في السنوات الأخيرة. وأضافت أن "غازبروم" بدأت بملء "نورد ستريم 2" بالغاز، وتريد من الهيئات المنظمة في أوروبا تشغيله في أقرب وقت.
واقتربت صادرات "غازبروم" إلى أوروبا من مستوى قياسي، في النصف الأول من هذا العام، ولكنها تراجعت في سبتمبر، فيما كان الاتحاد الأوروبي يكافح لإعادة ملء مخزوناته. وملأت روسيا مخزوناتها، مما أثار شكوكاً بأنها تحجب الإمدادات. لكن الكرملين رفض هذه المزاعم، وأصرّ على أن موسكو تفي بكل التزاماتها التعاقدية، بوصفها شريكاً موثوقاً في الطاقة.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، إن "غازبروم" بدأت بضخ الغاز من مخزونها لكبح الأسعار المرتفعة، وتريد العمل مع الدول الأوروبية لتهدئة السوق.
أما ستانيسلاف تسيغانكوف، الرئيس السابق لقسم الأعمال الدولية في الشركة، فاعتبر أن "غازبروم تحتفل بنصر ضخم"، وزاد: "هذا هو الوقت المثالي للاستفادة من الوضع".
شكوى أوروبية من الصين
إلى ذلك، شكا ممثلون لـ"غرفة التجارة في الاتحاد الأوروبي"، خلال مؤتمر افتراضي مع الصين التي تشهد أزمة طاقة، من أن شركات تتلقّى أحياناً إشعاراً قبل ساعة من بدء العمل، لإعادة جدولة نوبات العمل في مصانع تشغّل ألف موظف.
وقال رئيس الغرفة يورغ فوتكي: "نحتاج إلى تواصل أفضل بكثير من الحكومة لمساعدة شركاتنا على التأقلم. لا نطلب امتيازات، بل الوضوح فقط".
وطلبت الغرفة من السلطات الصينية مراجعة كيفية تحديد الشركات التي يجب أن تخفّض الإنتاج أو توقفه، داعية إلى "نهج علمي وشفاف" وتواصل أفضل للقرارات.
واعتبرت "بلومبرغ" أن الشكاوى تعكس مشكلات تواجهها الشركات مع أزمة الطاقة في الصين، وطاولت مصانع ومنازل، إذ إن منتجي الكهرباء، المشغّلة بواسطة الفحم، يعجزون عن شراء ما يكفي من الوقود.
واتخذت الحكومة الصينية الأسبوع الماضي أكثر خطواتها دراماتيكية حتى الآن لمعالجة المشكلة، إذ أتاحت ارتفاع أسعار الكهرباء بنسبة 20%، مقارنة بالسقف السابق البالغ 10%.
ورجّح فوتكي أن يستمر النقص حتى مارس المقبل "على الأقل"، وحضّ الحكومة على تكثيف جهودها حتى ذلك الحين لتمكين الشركات من إعداد خططها.