سادت حالة من الهدوء الممزوج بالقلق في المناطق التي شهدت اشتباكات مسلّحة دامية في العاصمة اللبنانية بيروت، الخميس، أسفرت عن سقوط 6 ضحايا وإصابة 32 شخصاً في حصيلة أوّلية.
وعزز الجيش اللبناني انتشاره في الأحياء والشوارع التي حصلت فيها الاشتباكات، فيما اشتدت حدّة التراشق الإعلامي وتبادل الاتهامات بين الأطراف السياسية. وتحدثت وكالة الأنباء اللبنانية عن تسجيل حالات نزوح من مناطق الاشتباكات.
وأعلن الرئيس اللبناني ميشال عون أن "الرجوع إلى السلاح كلغة للتخاطب بين اللبنانيين أمر غير مقبول"، لافتاً إلى أن "عقارب الساعة لن ترجع للوراء، والذي حدث اليوم سيكون رهن متابعة أمنية وقضائية للوصول لحقيقة ما حدث". وقال: "لن نسمح لأحد أن يأخذ البلد رهينة مصالحه الخاصة أو حساباته".
بدوره، قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن "الحكومة باقية"، لافتاً إلى أن "ما جرى أمر محزن". وأعلن أن يوم الجمعة "سيكون يوم إقفال عام، حداداً على أرواح ضحايا إطلاق النار".
وأفادت "وكالة الأنباء الوطنية" اللبنانية بأن العديد من الشوارع في مناطق متاخمة لنقاط الاشتباكات تشهد نزوحاً كثيفاً للسكان من منازلهم خوفاً من تصاعد حدة التوتر مجدداً، وسط خسائر مادية في المنازل والمحال التجارية والسيارات التي تحطم العديد منها بفعل الاشتباكات.
وكانت محكمة التمييز اللبنانية، رفضت صباح الخميس، أحدث شكوى لكف يد المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، الذي أجّل تحقيقه للمرة الثانية، بعد شكاوى قدمت من قبل وزراء سابقين بحقه. علماً بأنه سبق أن تم كفّ يد سلفه القاضي فادي صوان عن التحقيق في الملف المذكور أيضاً.
توقيف 9 أشخاص
وأعلن الجيش اللبناني في بيان أنه فور وقوع الاشتباك عزز انتشاره في المنطقة، وسيّر دوريات، كما دهم عدداً من الأماكن، بحثاً عن مطلقي النار، وأوقف 9 أشخاص "من كلا الطرفين بينهما مواطن سوري"، موضحاً أن التحقيقات بدأت مع الموقوفين بإشراف القضاء المختص.
وأوضحت قيادة الجيش أنها أجرت اتصالات مع "المعنيين من الجانبين لاحتواء الوضع ومنع الانزلاق نحو الفتنة". وجددت تأكيدها عدم التهاون مع أي مسلح، فيما تستمر وحدات الجيش بالإنتشار في المنطقة لمنع تجدد الاشتباكات.
اتهام بالقتل
واتهمت قيادتا "حركة أمل" و"حزب الله" مجموعات من حزب "القوات اللبنانية" بالضلوع في "الاعتداء المسلح" على ما وصفتاه بـ"الاحتجاج السلمي" الذي شهدته محلّة الطيّونة في بيروت.
وأفاد بيان مشترك صدر عن "أمل" و"حزب الله" بأن المشاركين في التجمع الرمزي أمام قصر العدل في بيروت، احتجاجاً على المحقق في قضية مرفأ بيروت طارق بيطار، تعرضوا إلى "اعتداء مسلح من قبل مجموعات من حزب القوات اللبنانية التي انتشرت في الأحياء المجاورة وعلى أسطح البنايات، ومارست عمليات القنص المباشر للقتل المتعمد، ما أوقع هذا العدد من الشهداء والجرحى"، وفقاً للبيان.
وأضاف البيان أن "حزب الله وحركه أمل، إذ يدينان ويستنكران هذا العمل الإجرامي والمقصود والذي يستهدف الاستقرار والسلم الأهلي، يدعوان إلى تحمّل الجيش والقوى الأمنية مسؤولياتهم في إعادة الأمور إلى نصابها وتوقيف المتسببين بعمليات القتل، والمعروفين بالأسماء، والمحرضين الذين أداروا هذه العملية المقصودة من الغرف السوداء، ومحاكمتهم وإنزال أشد العقوبات بهم".
جعجع يستنكر
في المقابل، استنكر رئيس حزب "القوات" سمير جعجع، أحداث الطيونة، واعتبر أن السبب الرئيسي فيها هو "السلاح المنفلت".
ودعا جعجع رئيس الجمهورية اللبنانية، ورئيس الحكومة ووزيري الدفاع والداخلية، إلى "إجراء تحقيقات كاملة ودقيقة لتحديد المسؤوليات" عما جرى في بيروت.
وقال جعجع على "تويتر"، إن السلم الأهلي هو "الثروة الوحيدة المتبقية لنا في لبنان، ما يتحتِّم علينا المحافظة عليه برمش العيون، ولكن ذلك يتطلب منا جميعاً التعاون للوصول إليه".
ووصف الرئيس اللبناني ميشال عون ما حدث في بيروت، بأنه "مشهد مؤلم وغير مقبول بصرف النظر عن السبب والمسببات".
عون: السلاح غير مقبول
وقال عون، في كلمة للبنانيين بعد أحداث منطقة الطيونة في بيروت: "ليس مقبولاً رجوع السلاح في التخاطب بين الفرقاء اللبنانيين". وأشار إلى أن "حرية التعبير عن الرأي يجب أن تكون من خلال المؤسسات"، لافتاً إلى أن "معالجة أي اعتراض لا تكون بالشارع". ودعا الرئيس اللبناني إلى اجتماع مجلس الوزراء "وبسرعة"، وقال: "لن نسمح لأحد أن يأخذ البلد رهينة مصالحه الخاصة أو حساباته".
وأضاف: "عقارب الساعة لن ترجع للوراء، والذي حدث اليوم سيكون رهن متابعة أمنية وقضائية للوصول لحقيقة ما حدث".
ميقاتي: الحكومة باقية
بدوره، قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، لصحيفة "النهار" المحلية، إن ما حدث في بيروت "أمر محزن". وأكد أن حكومته "باقية في مكانها".
وتابع ميقاتي أن "المعالجة الهادئة لقضية التحقيق في حادث انفجار مرفأ بيروت العام الماضي "جارية". ووصف حكومته بأنها "سلطة تنفيذية"، ولا تستطيع التدخل في القضاء، مشيراً إلى أنه "لا دولة من دون قضاء عادل ونزيه".
ورأى ميقاتي أن هناك "مخرجاً للأزمة"، لكنه طالب بـ"وقت لحلها". ولفت إلى أن حكومته تشكلت "حين وصل البلد إلى الحضيض"، ووصفها بأنها "اسفنجة لتخفيف أثر الارتطام". وأضاف: "نحن ملتزمون بإجراء الانتخابات وفق المواعيد الدستورية، على الرغم من أنّ ما حصل اليوم غير مشجع".
وأعلن ميقاتي، أن يوم الجمعة "سيكون يوم إقفال عام، حداداً على أرواح ضحايا إطلاق النار في منطقة الطيونة بالعاصمة بيروت".
وبحسب بيان لرئاسة مجلس الوزراء اللبناني، فإنه سيتم إغلاق المدارس الرسمية والخاصة والمؤسسات الرسمية والإدارات الرسمية.
وزير الداخلية
وكان وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي دعا، الخميس، إلى "ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي واتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة الوضع على الأرض".
وأوضح مولوي في مؤتمر صحافي، بعد انتهاء الاجتماع الاستثنائي لمجلس الأمن الداخلي المركزي، أن "من نظّم التظاهرة في الطيونة أكد لنا أنها سلمية ويجب أن تكون كذلك"، مشيراً إلى أنه "لم تكن لدى الاستخبارات أي معلومات حول ما يحصل حالياً بوجود إطلاق نار وقنص، حيث تفاجأنا بأمر خطر هو إطلاق النار على الرؤوس، وهذا أمر غير مقبول".
وأضاف: "تعودنا أن تحصل تجمعات، ولكن إطلاق النار على الرؤوس أمر جديد خطير، لا يمكن أن يتحمله أحد"، محذراً من أن "تفلت الوضع ليس لمصلحة أحد وهذا ينذر بأمور خطيرة".
وأكد مولوي أنه سيطلب من السياسيين "اتخاذ الاجراءات اللازمة لضبط الوضع، لأن تفلته ليس من مصلحة أحد".
تحقيق عسكري
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام (الرسمية)، بأن مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، باشرت بتكليف وإشراف مباشر من مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، بإجراء تحقيقات ميدانية بشأن الاشتباكات التي تشهدها منطقة الطيونة، وتحديد هوية المسلحين الذين شاركوا بإطلاق النار.
"عدالة ناقصة"
وردّ النائب عن حزب "القوات" في البرلمان اللبناني، وهبي قاطيشا، على اتهامات قيادتي "حركة أمل" و"حزب الله". وقال قاطيشا لـ"الشرق" إن "حزب الله وحركة أمل يريدان محققاً عدلياً من جماعتهما، ليخفي الحقيقة بتحقيقات انفجار مرفأ بيروت".
واعتبر قاطيشا أنه "إذا أخفى أحد العدالة في أي بلد كان، لن يبقى هناك وطن"، لافتاً إلى أن "حزب الله وحركة أمل أسّسا لإلغاء هذا الوطن (لبنان)، سواء بالسيطرة على الحدود والمرفأ والمالية العامة والاقتصاد".
وتابع قائلاً: "بالنسبة للقوات لم تعط أي أمر بإطلاق النار أو الرد على مصدر النيران، كما أن كتلة نواب القوات تطالب بالحقيقة والعدالة من دون مشاكل، لا نعلم أجندة القاضي طارق بيطار ولا أين وصلت تحقيقاته نترك الأمر له".
وتابع قاطيشا قائلاً إن "حزب الله وأمل افتعلا المشكلة من خلال إطلاق النار في هذه المنطقة التي يقطن على تخومها مواطنون مدنيون هم أبناء المنطقة، فماذا ينتظرون من هؤلاء المواطنين أن يفعلوا؟". وزاد: "على أبناء المنطقة أن يدافعوا عن أنفسهم، وهم وبغالبيتهم من المسيحيين من القواتيين والتيار الوطني الحر والكتائبيين والمردة والمستقلين، هم مواطنون يعيشون مع بعضهم البعض. وعندما يأتي أحد ويطلق النار أمام منزلي علي أن أدافع عن نفسي".
وختم: "هذه كانت ردة فعل الشباب في المنطقة التي شهدت المشكلة، بعدما استفزتهم مجموعات مسلّحة"، مجدداً تأكيده أن "القوات اللبنانية لم تعط أي أمر كحركة منظّمة وعلى العكس كان موقفنا هادئاً".
اشتباكات عنيفة
الاشتباكات المسلحة التي شهدتها محلة الطيّونة، التي تقع على مشارف ضاحية بيروت الجنوبية، اندلعت بالتزامن مع تظاهرة دعا إليها "حزب الله" و"حركة أمل" و"تيار المردة" ضد المحقق العدلي طارق بيطار الذي يحقق في قضية انفجار مرفأ بيروت.
وتحول مكان التجمع (في الطيونة) للانطلاق إلى المظاهرة، والذي يقع على بعد عشرات الأمتار من "قصر العدل"، حيث مكتب بيطار، إلى ساحة حرب شهدت إطلاق رصاص كثيف وقذائف صاروخية وانتشار قناصة على أسطح أبنية، على الرغم من تواجد وحدات الجيش وتنفيذها انتشاراً سريعاً في المنطقة.
وحذّر الجيش اللبناني نهاراً، من أن وحداته سوف تقوم بإطلاق النار باتجاه أي مسلح يتواجد على الطرقات، وباتجاه أي شخص يقدم على إطلاق النار، مطالباً المدنيين بـ"إخلاء الشوارع".
ذاكرة الحرب
وأحيت اشتباكات الخميس، مشاهد الحرب الأهلية البشعة التي شهدها لبنان (1975-1990)، كون المنطقة التي حصلت فيها، كانت واحدة من أبرز خطوط التماس السابقة خلال الحرب، التي قسمت العاصمة اللبنانية بيروت إلى منطقتين: شرقية كانت تسيطر عليها فصائل مسيحية (أبرزها حزب الكتائب والقوات اللبنانية وحزب الوطنيين الأحرار وغيرهم مما كان يسمى أحزاب الجبهة اللبنانية، وغربية تحت سيطرة ما كان يسمى بـ"الحركة الوطنية اللبنانية"، التي كانت تضم أحزاباً يسارية وفصائل فلسطينية، وتحوّلت لاحقاً إلى سيطرة "أمل" و"حزب الله" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" (برئاسة النائب السابق وليد جنبلاط) ومنظمات صغيرة أخرى.
علماً أن الجيش اللبناني كان في حينه مقسوماً إلى شقين، الأول تمركزت ألويته في المنطقة الشرقية، حيث يقع مقر وزارة الدفاع الوطني، وكان لفترة طويلة بقيادة الرئيس الحالي للجمهورية العماد ميشال عون، فيما تمركزت ألوية الشق الثاني في المنطقة الغربية والجنوب والبقاع وبعض مناطق الشمال.
الجدير ذكره، أن "الطيونة"، تقع بمحاذاة منطقتي الشياح وعين الرمانة، والأخيرة اشتهرت بأن شرارة الحرب الأهلية اللبنانية اندلعت منها، إثر تعرض باص كان يقلّ مقاتلين فلسطينيين لاعتداء من قبل مسلحين، في 13إبريل عام 1975، أسفر عن عشرات الضحايا، لتتدحرج الأحداث بعدها وينزلق لبنان في دوامة من العنف استمرت طيلة 16 عاماً.