تشير تقديرات إسرائيلية إلى أن إيران "غير مستعدة" للعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، ما أثار نقاشاً في تل أبيب بشأن التدابير التي يفترض اتخاذها، مع اقتراب طهران من هدفها المتمثل في أن تصبح دولة "عتبة نووية"، بحسب ما أفادت به هيئة البث الإسرائيلية "كان".
وقالت الهيئة إن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، عقد اجتماعاً مطولاً، الأحد، لمناقشة ملف إيران والتطورات الأخيرة.
وكشف مصدر مطلع على تفاصيل الاجتماع للهيئة، إن إسرائيل تستعد لأن تصبح إيران دولة "عتبة نووية"، في ظل تعثر المفاوضات مع واشنطن والقوى الكبرى في فيينا بشأن إحياء اتفاق عام 2015، الذي يُقيد برنامج طهران النووي، حسبما ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
وأضاف المصدر أن المحادثات وصلت إلى "طريق مسدود"، وبعض الدول التي شاركت في محادثات فيينا تتفهم ذلك أيضاً.
"عتبة نووية"
مع تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، في الآونة الأخيرة، تواتر الحديث عن مخاوف بشأن حيازة إيران سلاحاً نووياً، وأنها على مشارف أن تصبح "دولة عتبة نووية"، فماذا يعني ذلك المصطلح الغامض؟
المعنى المقصود من عبارة "دولة عتبة نووية"، هو دولة يُشتبه في امتلاكها أو أنها تتطلع إلى حيازة أسلحة نووية، ولا تندرج ضمن "الدول الحائزة للأسلحة النووية"، أي الدول التي قامت ببناء وتفجير سلاح نووي، قبل دخول معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية حيز التنفيذ في الأول من يناير 1967.
ظهر مفهوم "عتبة نووية" للمرة الأولى، للإشارة إلى دول من خارج مجموعة الدول الخمس التي تمتلك أسلحة نووية، وهي الدول المعترف بها في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والتي حصلت على أسلحة نووية أو كانت في سبيلها لحيازتها، بحسب النظام الدولي للمعلومات النووية (إينيس).
ومن الناحية التاريخية، فإن الدول الأولى التي أُطلق عليها اسم "دول عتبة"، هي: إسرائيل والهند وباكستان. لكن المصطلح المذكور اتسع نطاقه منذ ذلك الحين، على الأقل بين المحللين والخبراء، وفي بعض البيانات الرسمية، ليشمل دولاً أخرى، سواء دول الأطراف أو غير الأطراف في معاهدة حظر الانتشار النووي، مثل جنوب إفريقيا والعراق وكوريا الشمالية وفي الآونة الأخيرة إيران.
وبغض النظر عن حقيقة أن الدول المذكورة أعلاه، تُشكل أو شكلت سيناريو لانتشار نووي متقدم للغاية، إلا أن لديها القليل من القواسم المشتركة، نظراً لسياقات جيوسياسية فردية، إذ أثارت التطورات السياسية أو الاستراتيجية الخاصة بكل بلد في الغالب، أزمات نووية انتهج المجتمع الدولي استراتيجيات دبلوماسية مناسبة لمعالجتها، ما أدى إلى نتائج متضاربة، مع بقاء استخدام القوة استثناء لهذه القاعدة.
فضلاً عن ذلك، لا يزال النطاق الدقيق للتطوير التقني والتشغيلي للقدرات النووية العسكرية لهذه الدول غير معروف، وهي نقطة توضح بجلاء الطبيعة الغامضة لمعنى "عتبة نووية".
غطاء المحادثات
في تقرير كتبه مايكل هيرش المحلل في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في سبتمبر الماضي، أشار إلى أن وزير الخارجية الإيراني الجديد، حسين أمير عبد اللهيان، الذي ظهر لأول مرة على المسرح الدولي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفاجأت تصريحاته المراقبين "بدا واثقاً من نفسه إلى درجة الغرور".
وقال هيرش إن مصادر أميركية ودولية تشير إلى أن السبب في ما ظهر عليه عبد اللهيان، هو اعتقاد ناشئ لدى الحكومة الإيرانية، بأنها، ولأول مرة منذ سنوات، تملك "اليد العليا" في الشرق الأوسط، وأنها عازمة على جعل إيران ما يسمى بـ"دولة عتبة نووية" تحت غطاء استمرار المحادثات مع الغرب.
وبينما تقول إدارة الرئيس جو بايدن إنها لا تزال تأمل في العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 مع طهران، يخشى كبار المسؤولين الأميركيين، بشكل شخصي، من أن إيران تمضي قدماً بالفعل إلى "الخطة ب"، وهي المماطلة في المفاوضات بينما تهيئ نفسها لتحقيق "اختراق سريع" لحيازة سلاح نووي.
وأوضح هيرش أنه "سواء كانت طهران ستصل إلى النقطة التي تمتلك فيها سلاحاً نووياً بشكل علني أم لا، فإن ما يبعث على قلق أكبر هو أنها إلى حد ما مثل اليابان، ستمتلك المعرفة الفنية واليورانيوم المخصب لبناء سلاح بسرعة كبيرة".
وأضاف: "حتى هذه النتيجة، المعروفة باسم دولة عتبة، من شأنها أن تغير ميزان القوى في المنطقة بشكل كبير".
وقال: "على الرغم من التصريحات المنتظمة للمرشد الإيراني علي خامنئي بأن إيران لا تسعى لامتلاك سلاح نووي، يعتقد العديد من الخبراء أن وضع العتبة هو أقل ما يقبله".
"سلاح نووي"
وفي تقرير نشره المؤرخ الإسرائيلي أفنير كوهين، في صحيفة "هآرتس"، قال كوهين إن الأسابيع الأخيرة شهدت نقاشاً مفتوحاً حول القضية النووية من نوع لم يسبق له مثيل في إسرائيل.
وأضاف كوهين، الذي يشغل أيضاً منصب أستاذ الانتشار النووي في "معهد ميدلبري للدراسات الدولية" في مونتيري بولاية كاليفورنيا، ومؤلف كتاب "إسرائيل والقنبلة": "ناقش رئيسا وزراء سابقان (إيهود باراك وإيهود أولمرت)، ووزيرا دفاع سابقان (باراك وموشيه يعلون)، ومؤرخ بارز (بيني موريس) ورئيس تحرير الصحيفة (ألوف بن)، القضية النووية الإيرانية الإسرائيلية، وأشاروا إلى أن إيران تجاوزت بالفعل على ما يبدو نقطة اللاعودة إلى وضع دولة عتبة نووية".
وأشار المؤرخ الإسرائيلي إلى أن الجدل بدأ، بتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، نقل عن بيان صادر عن مركز أبحاث في واشنطن ما مفاده أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية في عام 2018، سمح لإيران بترويج أنها تبعد شهراً واحداً عن امتلاك ما يكفي من المواد الانشطارية (اليورانيوم المخصب المستخدم في صنع الأسلحة) لبناء قنبلة واحدة.
تجدر الإشارة إلى أنه في عام 1968، تحدث وزير الخارجية الأميركي (في حينه) دين راسك عن إسرائيل باعتبار أنها في أواخر الشهر الثامن من الحمل النووي أي أنها "دولة عتبة". في الوقت ذاته تقريباً، في خضم المفاوضات حول بيع طائرات فانتوم لتل أبيب، تحدث سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، إسحق رابين، مع بول وارنك، الذي كان يقود المفاوضات مع إسرائيل في ما يتعلق بالإشراف النووي، حول مسألة ما إذا كانت إسرائيل باتت في الواقع دولة نووية.
ادعى وارنك حينها، أنه إذا كانت جميع مكونات السلاح النووي موجودة، حتى في أماكن منفصلة، فمن الواضح أن إسرائيل كانت "دولة عتبة". ولم يرد رابين بالحقائق، لكنه اقترح بديلاً، وهو أن إجراء التجارب فقط وإصدار إعلان عام، كما فعلت الدول النووية في الماضي، سيظهر أن العتبة النووية قد تم تجاوزها.
دولة "لف برغي"
تظهر وثائق أميركية تعود للفترة الممتدة بين عامي 1969 و1970 أن المسؤولين الأميركيين تحدثوا عن إسرائيل في أحد تقاريرهم، كدولة أقرب ما تكون إلى "لف برغي" لصنع قنبلة. ومن وجهة نظر هؤلاء المسؤولين، فإن آخر لفة لهذا البرغي ستكون عملية "تجاوز العتبة".
وأوضح التقرير الأميركي، أن عبارة "دولة عتبة نووية" نشأت بين الأكاديميين الذين يبحثون في موضوع الانتشار النووي، لتوصيف نمط سلوك أربع دول نووية من نوع جديد؛ وهي دول الجيل الثاني في الحقبة النووية. ووفقاً للوثائق الأميركية، كانت إسرائيل هي الأولى بين تلك الدول، تليها الهند وجنوب إفريقيا ثم باكستان.
الدول السابقة الذكر جميعاً، طورت قدرة حقيقية على إنتاج سلاح نووي؛ أي أنها كانت تمتلك كمية كبيرة جداً من المواد الانشطارية لإنتاج سلاح، وكان يمكنها إجراء تجربة نووية في غضون أيام أو أسابيع إذا قررت القيام بذلك. لكن كل واحدة منها، لأسبابها الخاصة، قررت عدم تجاوز العتبة النووية، على الرغم من اعترافها بأنها موجودة على تلك العتبة. وقد عرف العالم بأسره بالأمر وتقبّل حالة العتبة الخاصة بتلك الدول بصمت.
وبحسب التقرير، ثمة إجماع على أن إيران ليست دولة "عتبة نووية" حالياً، لا بل إنها ليست قريبة حتى من العتبة، ذلك أنها تفتقر إلى العديد من العناصر الإضافية التي لا تمتلكها حالياً قبل أن يمكن تسميتها "دولة عتبة".
فضلاً عن ذلك، فإن الفترة الزمنية بين إيران وحالة "العتبة النووية" ليست مجرد مسألة تقنية، ولكنها مسألة سياسية بشكل أساسي. إذ تعلم طهران أن أنظار العالم مثبتة عليها، ما يردعها عن بلوغ "العتبة"، على الأقل في الوقت الراهن، وفقاً لما أفاد به التقرير.
تأقلم تل أبيب
ويبدو أن إسرائيل كانت على استعداد لتقبل فكرة أن تصبح إيران دولة "عتبة نووية"، حتى قبل توقيع الاتفاق النووي. فبحسب تحليل نشره مركز "راند" للأبحاث عام 2014، رأى بعض المراقبين أن إسرائيل "تأقلمت مع فكرة اعتبار إيران دولة عتبة نووية وتستعد للاستفادة قدر الإمكان من هذا الوضع. أي أنها قد تستعد لقبول فكرة أن إيران سوف تحافظ على بعض القدرة على الاختراق في الإطار المحدد للاتفاق النهائي".
عند عودته من مؤتمر أمني في إسرائيل أواخر عام 2013، قال مستشار الأمن القومي الأميركي السابق ستيفن هادلي: "في نهاية المطاف، إذا استطعنا التوصل إلى قدرة محدودة للتخصيب تكبح حقاً الإيرانيين إلى الوراء، بحيث يكون الانخفاض على مدى عام إلى 18 شهراً، وإذا كان البديل هو توجيه ضربة عسكرية وما قد يتبع ذلك من عزلة دولية لإسرائيل، فتخميني هو أن الإسرائيليين سوف يبتلعون الاتفاق".
ووفقاً للدراسة، رأى خبراء حظر الانتشار النووي أن إيران "ستحتاج ما بين أشهر قليلة وسنة ونصف السنة، للبروز كقوة نووية، إن تخلت عن الاتفاقية وسعت لامتلاك أسلحة نووية".
وفي 4 فبراير 2014، في شهادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي بشأن مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، قال ديفيد أولبرايت، من "معهد العلوم والأمن الدولي"، إنه إذا سمح الاتفاق النووي النهائي لإيران بتشغيل 4 آلاف جهاز طرد مركزي من طراز1-IR، فإن ذلك سيعطي طهران فترة ستة أشهر لتجاوز العتبة النووية".