كيف تدعم باكستان حركة طالبان في معركتها ضد داعش؟

وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي يُحيّي وزير الخارجية لحكومة حركة طالبان أمير خان متقي عند وصوله إلى العاصمة الأفغانية كابول، 21 أكتوبر 2021 - REUTERS
وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي يُحيّي وزير الخارجية لحكومة حركة طالبان أمير خان متقي عند وصوله إلى العاصمة الأفغانية كابول، 21 أكتوبر 2021 - REUTERS
دبي-الشرق

في الوقت الذي يكثف فيه تنظيم "داعش-خراسان" هجماته في أفغانستان، تستخدم باكستان شبكة من القنوات "غير الرسمية" لتزويد حركة طالبان بالمعلومات الاستخباراتية والدعم الفني لمواجه تهديدات التنظيم المتطرف، وفقاً لما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عن قائدين بالحركة الأفغانية.

وأضافت الصحيفة، في تقرير مطول نشرته الاثنين، أنه بجانب تزويد إسلام أباد لـ"طالبان" بالمعلومات، فإنها تساعدها في مراقبة الاتصالات الهاتفية والإنترنت لتحديد أماكن أعضاء تنظيم داعش ومراكز عملياتهم، حسب ما نقلته عن قيادي بارز في الحركة تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.

ووصف مسؤول باكستاني، لم يذكر التقرير اسمه، الاتصال بين الجانبين بأنه مجرد مناقشات غير رسمية وليس شراكة استخباراتية راسخة.

ووفقاً لمسؤولين أميركيين حاليين وسابقين، فإن باكستان تعد واحدة من الحكومات الأجنبية القليلة التي تساعد حركة طالبان بشكل مباشر في معركتها ضد تنظيم داعش، وذلك على الرغم من مخاوف الولايات المتحدة ودول أخرى من أن تصبح كابول مرة أخرى ملاذاً للمسلّحين لتنفيذ هجمات ضد أهداف دولية إذا لم تتمكن طالبان من احتوائهم.

وذكرت الصحيفة أن التنافس الإقليمي، وانعدام الثقة العميق، وعدم قدرة طالبان على مكافحة الإرهاب، أدّت إلى تعقيد تبادل المعلومات الاستخباراتية مع الحركة المتشددة.

وقال القيادي البارز في طالبان الذي تحدثت معه "واشنطن بوست": "باكستان شقيقة لنا، فهي تدعمنا من خلال طرق عدّة، بما في ذلك تبادل المعلومات والاستخبارات حول داعش، ولكن إذا شاركتنا الولايات المتحدة وبقية دول العالم المعلومات أيضاً، فإنه سيكون بإمكاننا هزيمة داعش في غضون أيام فقط".

من جانبه، رفض المتحدث باسم طالبان، بلال كريمي، الاعتراف بما جاء في التقرير، حول أن الحركة بحاجة إلى تعاون دولي لمواجهة المسلحين الآخرين، قائلاً إن "داعش لا يشكل تهديداً خطيراً للإمارة الإسلامية، ونحن لا نراه يمثل تحدياً كبيراً، ولذلك فإننا لسنا بحاجة إلى أي دعم خارجي لمعالجة هذه المشكلة".

"تحديات استخباراتية"

وأشارت الصحيفة إلى أن حجم المعلومات الاستخباراتية التي يمكن أن تشاركها دول مثل الولايات المتحدة مع طالبان في ظل عدم وجود سفارة أو وجود عسكري في أفغانستان لا يزال غير واضح، إذ أدّى عدم التواجد هذا لشل قدرات جمع المعلومات الاستخباراتية الأميركية، كما يقول المسؤولون الأميركيون الحاليون والسابقون الذين تحدثت معهم الصحيفة، مؤكدين أن هناك تحديات مستمرة في إعادة إنشاء شبكة استخبارات فعَالة في المنطقة.

ووفقاً للصحيفة، على الرغم من أن وكالات استخبارات حافظت على روابط رسمية وغير رسمية مع طالبان منذ رحيل القوات الأميركية في أغسطس، كما سعى الأميركيون بشكل روتيني لتبادل المعلومات حول عمليات داعش مع نظرائهم في الحركة، ولكن في كثير من الحالات، بدت الأخيرة غير مهتمة، وذلك لأنه يبدو أنها لا تثق في البيانات أو أنها غير متأكدة من كيفية اتخاذ إجراء بشأنها، وذلك وفقاً لمسؤول أميركي مطلع على الاتصالات مع الحركة الأفغانية.

من جانبه، قال مسؤول بوزارة الخارجية الباكستانية، لم تذكر الصحيفة اسمه، إن "باكستان قد ناقشت بالفعل التعاون في مجال مكافحة الإرهاب مع حركة طالبان خلال زيارة قام بها مؤخراً رئيس المخابرات الباكستانية ووزير الخارجية إلى كابول، ولكن من المبكر القول إن تبادل المعلومات أو التعاون الاستخباراتي سيستمر".

وأشار المسؤول الباكستاني إلى أنه "لا يمكن استبعاد أي تعاون مع كابول، إذ أن باكستان ليست وحدها التي تشعر بالقلق بشأن داعش بل هناك دولاً إقليمية أخرى مثل روسيا وإيران تشاركها نفس الشعور، ولذلك يمكن أن يكون هناك تفاهم حول مكافحة الإرهاب على المستوى الإقليمي".

وعلى الرغم من هذه المخاوف الإقليمية، فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تكافح من أجل إقامة شراكات عسكرية واستخباراتية أقوى مع جيران أفغانستان المقربين، إذ رفضت باكستان وطاجيكستان حتى الآن استضافة القواعد الأميركية التي قد تسمح للولايات المتحدة بمواصلة التعامل "عبر الأفق" مع التهديدات الإرهابية في أفغانستان، وذلك وفقاً للمسؤولين الأميركيين الذين تحدثت معهم الصحيفة.

"قلق" من طالبان

من جانبها، قالت المستشارة السابقة لشؤون جنوب آسيا في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، ليزا كورتيس، إنه "لا يزال في الوقت الحالي الجزء الأكبر من الأصول العسكرية الأميركية المتاحة لأي ضربة محتملة في أفغانستان متواجدة في قطر، على بُعد نحو 1200 ميل، ما يجعل استخدامها مكلفاً ومحفوفاً بالمخاطر".

فيما قال رئيس القيادة المركزية الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي في شهادته أمام الكونجرس الشهر الماضي إنه "لم يتضح بعد ما إذا كان بإمكان طالبان منع تنظيمي داعش أو القاعدة من استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات إرهابية دولية أم لا".

ولفتت الصحيفة إلى أن جيران كابول المقربين يشعرون بالقلق أيضاً بشأن صعود داعش في أفغانستان، وذلك على الرغم من إحجامهم عن العمل مع الولايات المتحدة بسبب العديد من الصراعات والمنافسات.

وذكرت الصحيفة أنه في اجتماع عُقد الأسبوع الماضي في موسكو، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن "أصدقاء روسيا من آسيا الوسطى أكدوا له أنهم لا يريدون وحدات عسكرية أميركية متمركزة في بلادهم"، وهو ما اعتبرته نرجس كاسينوفا، الباحثة في مركز ديفيس للدراسات الروسية والأوروآسيوية، في حلقة نقاش عقدها فرع مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي" في موسكو، سيمنح روسيا نفوذاً أكبر بكثير على دول آسيا الوسطى.

وقالت كاسينوفا: "في المرة الأخيرة التي تواجد فيها الجيش الأميركي في آسيا الوسطى، كانت العلاقات بين أكبر قوى العالم، روسيا والولايات المتحدة والآن الصين، أفضل بكثير، ولكن اليوم تعتبر موسكو أي محاولة من الجانب الأميركي للاقتراب من حدودها علامة على مهاجمة مصالحها الأساسية، ولذا فإنه بالنسبة لآسيا الوسطى، سيكون من المكلّف للغاية الموافقة على وجود شيء من هذا القبيل على أراضيها".

وتابعت الصحيفة: "بعد سقوط كابول، شن تنظيم داعش حملة من الهجمات المباشرة على عناصر تابعة لحركة طالبان، إضافة إلى تصعيد عمليات العنف ضد الأقلية الشيعية في أفغانستان، ولكن قدرة طالبان على الحفاظ على الأمن في المناطق الريفية من البلاد والتي كانت تحت سيطرتها لسنوات تمثل عنصراً أساسياً في شعبيتها في أفغانستان، فقد تعهدت قيادة الحركة مراراً وتكراراً بنشر مستوى عالٍ من الأمن ​​على مستوى البلاد، ولكن بعض أعضائها يعترفون بأن القيام بذلك يتطلب مهارات لا يمتلكونها".

"صراع أيدولوجي"

القيادي البارز في طالبان، قال لـ"واشنطن بوست": "عندما دخلنا كابول، لم يكن لدينا قوات شرطة محترفة، ولكن التدريبات قد بدأت بالفعل، ونحن نعمل على بناء هذه القوات الآن، ولكننا حتى الآن نتعامل بشدة مع داعش، إذ إننا لا نعتقلهم، ولكن نقتلهم فوراً".

وحسب تقرير الصحيفة الأميركية، فإن تنظيم داعش العالمي يصور أفغانستان الآن على أنها بؤرة صراعه الأيديولوجي، إذ احتفت أجهزة الدعاية الرئيسية للتنظيم بنجاحات فرعه الأفغاني، ووصفت حملته المناهضة لطالبان في بيان رسمي بأنها "مرحلة جديدة من الجهاد المبارك".

ونقلت الصحيفة عن العضو البارز في استخبارات طالبان في كابول عزيز أحمد توكل، قوله إن قواته تستعد للقتال من خلال توسيع شبكات الاستخبارات وتجديد معدّات المراقبة الأميركية التي خلفتها الحكومة الأفغانية السابقة، لكنه نفى تلقي مساعدة خارجية للقيام بذلك، مؤكداً أن مثل هذا التبادل للمعلومات يحدث فقط على أعلى المستويات في الحركة.

وأضاف توكل: "أي شخص بيننا يعرف اللغة الإنجليزية يمكنه استخدام الإنترنت الذي من خلاله يمكننا تعلم كيفية استخدام أي معدّات، لقد هزمنا الولايات المتحدة بالفعل، ولذلك فإننا نعتقد أنه يمكننا هزيمة داعش أيضاً، وفي وقت أقل، وقريباً لن يتذكر أحد حتى اسمهم".

اقرأ أيضاً: