رئيس الأركان الأميركي يحذر من "لحظة سبوتنيك" صينية

رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي (يمين) لدى استقباله من قبل قائد أركان الجيش الصيني الجنرال لي ونشينج (يسار) في بكين، أغسطس 2016 - REUTERS
رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي (يمين) لدى استقباله من قبل قائد أركان الجيش الصيني الجنرال لي ونشينج (يسار) في بكين، أغسطس 2016 - REUTERS
دبي-الشرق

أقر رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارك ميلي، الأربعاء، بأن التقارير عن اختبار الصين أسلحة أسرع من الصوت تشكل "تطوراً مُقلقاً جداً"، في ظل التنافس المحتدم بين واشنطن بكين.

وقال ميلي في مقابلة مع وكالة "بلومبرغ" الأميركية، إن "ما شاهدناه كان حدثاً مهماً جداً لاختبار نظام أسلحة أسرع من الصوت. هذا أمر مقلق جداً".

وتابع الجنرال ميلي: "لا أعلم إن كانت هذه بمثابة لحظة سبوتنيك، لكن أعتقد أنها قريبة جداً من ذلك. لقد حصلت على كل اهتمامنا".

وظهر مصطلح "لحظة سبوتنيك" لأول مرة، عندما أطلق الاتحاد السوفيتي أول قمر صناعي إلى المدار حول الأرض، في وقت كانت القوى الغربية تفترض تفوقها التكنولوجي الكبير على السوفيت. وتعني "لحظة سبوتنيك" الوقت الذي تُدرك فيه الدول أنها تواجه تهديداً أو تحدياً، وأن عليها مضاعفة جهودها للحاق بالركب.

ووفقاً لوكالة "بلومبرغ"، فإن تصريحات الجنرال ميلي هي أبرز تأكيد من مسؤول أميركي لتقارير عن قيام الصين باختبار سلاحين أسرع من الصوت خلال الصيف.

نظام مسلح نووياً

وأفادت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، في وقت سابق من الشهر الجاري، بأن الصين اختبرت في أغسطس الماضي صاروخاً تفوق سرعته سرعة الصوت، ويستطيع حمل رؤوس نووية، مشيرة في تقرير إلى أن هذا الصاروخ المتطور يُعد مؤشراً على قدرة متقدمة فاجأت الاستخبارات الأميركية.

ونقلت الصحيفة عن 5 أشخاص مطلعين على الاختبار، قولهم إن الجيش الصيني أطلق صاروخاً يحمل مركبة انزلاقية حلّقت عبر فضاء مدار منخفض، قبل أن تنطلق نحو هدفها، ولكن الصاروخ، وفق 3 مصادر مطلعة على المعلومات الاستخباراتية، أخطأ هدفه بنحو 20 ميلاً.

وقال مصدران إن الاختبار أظهر أن الصين أحرزت تقدماً مذهلاً في الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وأنه أكثر تقدماً بكثير مما أدركه المسؤولون الأميركيون.

مركبات عسكرية تحمل صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت من طراز DF-17 خلال عرض عسكري في بكين، الصين، 1 أكتوبر 2019  - REUTERS
مركبات عسكرية تحمل صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت من طراز DF-17 خلال عرض عسكري في بكين، الصين، 1 أكتوبر 2019 - REUTERS

ولفتت الصحيفة إلى أن الاختبار الثاني أجري في 27 يوليو الماضي، وخلاله أطلقت الصين صاروخ "لونج مارش" الذي يستخدم نظاماً لدفع مركبة انزلاق نووية ذات قدرة عالية على المناورة، إلى المدار، ما يسمح لها بالتوجه نحو هدفها بسرعة تزيد على 5 أضعاف سرعة الصوت. 

في المقابل، يتعرّض برنامج وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" لتطوير أسلحة تفوق سرعة الصوت، لانتكاسات، رغم ازدياد تمويله خلال السنوات الأخيرة.

وحسب الصحيفة، فإن الطلب الأخير الذي أصدره البنتاجون لميزانية البحث على الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت في عام 2022 بلغ 3.8 مليار دولار، بزيادة قدرها 3.2 مليار دولار عن الطلب عام 2021، كما أن وكالة الدفاع الصاروخي طلبت 247.9 مليون دولار للدفاع فوق الصوتي. 

ونفت الصين صحة التقارير عن إجراء الاختبارين، قائلة إنها أطلقت ببساطة مركبة فضائية قابلة لإعادة الاستخدام.

تداعيات سلبية

وأفادت وكالة "بلومبرغ" بأنه في حال أنهت الصين تطوير الأسلحة الأسرع من الصوت، فإنها ستكون قادرة على حمل رؤوس نووية إلى القطب الجنوبي وتجاوز الأنظمة المدارية الأميركية المضادة للصواريخ في نصف الكرة الشمالي.

ويتم تعريف الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت عادةً على أنها أسلحة سريعة وذات تحليق منخفض وذات قدرة عالية على المناورة، إذ تُصمم لتكون سريعة وقادرة على خرق أنظمة الدفاع الصاروخي التقليدية.

وقال الجنرال ميلي لـ"بلومبرغ"، إن اختبارات الأسلحة الأسرع من الصوت كانت جزءاً من تطوير أوسع لقدرات الجيش الصيني، قد تكون له تداعيات واسعة على أميركا.

مركبة عسكرية تحمل طائرة بدون طيار تمر بميدان تيانانمن خلال احتفالات وطنية في العاصمة بكين، 1 أكتوبر 2019 - REUTERS
مركبة عسكرية تحمل طائرة بدون طيار تمر بميدان تيانانمن خلال احتفالات وطنية في العاصمة بكين، 1 أكتوبر 2019 - REUTERS

وتابع: "إنهم (الجيش الصيني) يتوسعون بسرعة في الفضاء، وفي الفضاء الإلكتروني، ثم في المجالات التقليدية مثل البر والبحر والجو"، مشيراً إلى أن الجيش الصيني "تحول من جيش مشاة قائم على الفلاحين في عام 1979 إلى جيش بقدرات كبيرة جداً تغطي جميع المجالات وله طموحات عالمية".

ولفت رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة إلى أنه بينما تمضي الولايات المتحدة قدماً في تطوير قدراتها الدفاعية "على مدى السنوات العشر أو العشرين القادمة ، فإنه ليس هناك شك في ذهني أن أكبر تحدٍّ جيوستراتيجي للولايات المتحدة سيكون الصين".

انتكاسة أميركية

وكانت وكالة رويترز نقلت عن مصادر، لم تكشف هويتها الأسبوع الماضي، أن برامج وزارة الدفاع الأميركية "البنتاجون" لتطوير أسلحة تفوق سرعة الصوت تعرّضت لانتكاسة بعد فشل أحد الصواريخ الدافعة التي كانت تحمل سلاحاً أسرع من الصوت في الانطلاق.

وقال شخصان مطلعان على نتيجة التجربة، إن الاختبار كان يهدف إلى التحقق من سلامة جوانب إحدى المركبات الانزلاقية قيد التطوير التي تفوق سرعتها سرعة الصوت.

ويتم إطلاق المركبات الانزلاقية التي تفوق سرعة الصوت من صاروخ يشق طريقه في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، قبل الانزلاق إلى هدف بسرعات تزيد 5 أضعاف على سرعة الصوت، أو نحو 6200 كيلومتر في الساعة.

وفي سلسلة منفصلة من التجارب أجريت في وقت سابق من الشهر الجاري، اختبرت البحرية والجيش الأميركيان نماذج أولية لمكوّنات أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت.

وقال البنتاجون في بيان، إن هذه الاختبارات "استعرضت (بنجاح) التقنيات والقدرات والأنظمة الأولية المتطورة لأسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت في بيئة عمل واقعية".

وتعمل شركات مثل "لوكهيد مارتن" و"رايثيون تكنولوجيز" على تطوير قدرة الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت لصالح الولايات المتحدة.

ما هي التكنولوجيا وراء الاختبار الصيني؟

بحسب "فاينانشال تايمز"، طوّر الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة نظام قصف مداري يمكنه حمل سلاح نووي إلى مدار بمسار أقل من صاروخ باليستي تقليدي. ويتم إرسال الجهاز التقليدي إلى الفضاء الخارجي، حيث لا يمكن اكتشافه واعتراضه. 

وأطلقت عليه موسكو اسم "نظام القصف المداري الجزئي"، وتم تصميمه للتهرب من أنظمة الدفاع الصاروخي. وتم استخدام مصطلح "جزئي" لدعم ادعاء روسيا بأن السلاح لم ينتهك معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، التي تحظر نشر الأسلحة النووية في الفضاء. 

وقالت الصحيفة، إن الإصدار الصيني من النظام الذي تم اختباره في الصيف يأتي مع تطور جديد: مركبة انزلاق فرط صوتية يمكن أن تنتقل بسرعة تزيد على 5 أضعاف سرعة الصوت، وتذهب أبعد من صاروخ باليستي بمجرد انفصالها عن الصاروخ. 

وأوضحت الصحيفة أن المسار المنخفض لمركبة الانزلاق وسرعتها وقدرتها على المناورة مع اقترابها من هدفها يجعل من الصعب اعتراضها. وهي تختلف عن صواريخ "كروز" التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي تعمل بمحركات عالية السرعة تستخدم الأكسجين في الغلاف الجوي للدفع أثناء الطيران، فيما يسمى بمحركات تنفس الهواء.

ونقلت الصحيفة عن جيفري لويس، خبير الأسلحة النووية في معهد "ميدلبري" الدولي للدراسات في كاليفورنيا: "أن أسهل طريقة للتفكير في (مركبات الانزلاق المدمجة بنظام القصف المداري الجزئي) هي تخيل مكوك الفضاء، ووضع سلاح نووي في حجرة الشحن، ونسيان معدات الهبوط".