أعلنت روسيا أنها بدأت تزويد الهند بمنظومة دفاع جوي صاروخية روسية من طراز "إس-400"، في خطوة نبّهت الولايات المتحدة إلى "خطورتها"، وقد تؤدي إلى فرض عقوبات أميركية على الهند.
يأتي ذلك فيما يستعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة نيودلهي الشهر المقبل، في رحلة رجّحت وسائل إعلام هندية، أن تشهد نقاشاً بشأن تزويد نيودلهي بمنظومة دفاع جوي روسية من طرازَي "إس-500" و"إس-550".
ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية للأنباء عن ديمتري شوجاييف، رئيس الهيئة الاتحادية الروسية للتعاون العسكري، قوله على هامش معرض دبي للطيران: "بدأت الشحنات الأولى بالفعل". وأضاف أن الوحدة الأولى من منظومة "إس-400" ستصل إلى الهند بحلول نهاية العام.
عقوبات أميركية محتملة
وأفادت وكالة "رويترز" بأن الهند أبرمت مع روسيا في عام 2018، صفقة بقيمة 5.5 مليار دولار لشراء 5 منظومات من "إس-400"، معتبرة أنها تحتاجها لمواجهة تهديدات الصين.
وأضافت أن نيودلهي تواجه عقوبات مالية أميركية محتملة، بموجب قانون "مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات" (كاتسا)، الذي أُقرّ في عام 2017 ويستهدف إثناء الدول عن شراء معدات عسكرية روسية، إذ يعتبر موسكو خصماً، نتيجة سلوكها ضد أوكرانيا وتدخلها المزعوم في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، ومساعدتها نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وأعلنت نيودلهي أن لديها شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة وروسيا، فيما أبلغت واشنطن نيودلهي أن نيلها إعفاءً من قانون "كاتسا" مستبعد.
سابقة تركيا
وذكّرت "رويترز" بأن الولايات المتحدة استندت إلى القانون ذاته العام الماضي، لتفرض عقوبات على تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بعد شرائها منظومة "إس-400" من روسيا. واستهدفت العقوبات هيئة الصناعات الدفاعية التركية، ورئيسها إسماعيل ديمير.
كذلك، أقصت واشنطن أنقرة من برنامج مقاتلات "إف-35"، الأكثر تقدّماً في الترسانة الأميركية، والتي يستخدمها أعضاء "الناتو" وحلفاء آخرون للولايات المتحدة.
وأعلنت موسكو أنها عرضت على أنقرة مساعدتها في تطوير مقاتلات متقدّمة، مستدركة أن الجانبين لم يتوصلا إلى اتفاق حتى الآن.
ونقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية للأنباء عن شوجاييف قوله: "ما زلنا في مرحلة المفاوضات بشأن هذا المشروع".
الهند والصين
صحيفة "هندوستان تايمز" الهندية، أوردت أن منظومة "إس-400" ستمنح نيودلهي "دفعة ضخمة لقدراتها في القضاء على المقاتلات المعادية وصواريخ كروز بعيدة المدى"، من مسافة 400 كيلومتر.
وأضافت أن سلاح الجو الهندي سينشر الوحدة الأولى من هذه المنظومة، خلال صدام محتمل مع الصين في منطقة لاداخ بمرتفعات الهيمالايا.
وأشارت إلى أن الصين نشرت سربين من هذه المنظومة في التيبت، مقابل لاداخ، وولاية أروناتشال براديش في شمال شرقي الهند، وتعتبرها بكين جزءاً من جنوب التيبت.
شوجاييف كان أعلن في مطلع نوفمبر الجاري أن "الهند والصين وبعض حلفاء موسكو، قد تكون من أوائل الدول الأجنبية التي تشتري نظام إس-500"، معتبراً أن الهند "شريك استراتيجي قديم لروسيا".
وأوردت صحيفة "ذي إيكونوميك تايمز" الهندية أن زيارة بوتين للهند في ديسمبر المقبل، ستشهد "نقاشاً مفصّلاً" بشأن منظومتَي "إس-500" و"إس-550". وأضافت أن "إس-550" هي في مرحلة التخطيط، فيما خضعت "إس-500" لتجارب ناجحة.
"أولوية للعلاقات مع روسيا"
أُبرمت صفقة "إس-400" خلال زيارة لبوتين إلى نيودلهي، قال خلالها رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الذي عزز علاقات بلاده مع الولايات المتحدة: "الهند تعطي أولوية قصوى لعلاقاتها مع روسيا. في هذا العالم سريع التغيّر، باتت علاقاتنا أكثر أهمية".
وأوردت صحيفة "ستريتس تايمز" الصادرة في سنغافورة، أن الهند وروسيا كانتا حليفتين خلال الحرب الباردة، مضيفة أن نيودلهي اعتمدت طيلة سنوات على موسكو في تسلّحها. واستدركت أن تقارباً متزايداً للهند مع الولايات المتحدة، على خلفية سياسات صارمة تنتهجها الصين، مسّ علاقات نيودلهي بروسيا، التي طوّرت روابط مع باكستان.
ومع ذلك، تبقى العلاقات الدفاعية قوية بين نيودلهي وموسكو، إذ أن غالبية المعدات العسكرية للهند روسية الصنع، كما تعتمد على موسكو في الحصول على قطع الغيار، علماً بأن نيودلهي تسعى بشكل متزايد إلى شراء أسلحة من دول أخرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا.
"ليس في مصلحة أحد"
وخلال زيارة لنيودلهي الشهر الماضي، وصفت نائبة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان، استخدام أي دولة منظومة "إس-400" بأنه "خطر" و"ليس في المصلحة الأمنية لأحد"، مستدركة: "لدينا شراكة قوية مع الهند".
وأشارت إلى أن أي قرار بشأن عقوبات محتملة على نيودلهي، سيتخذه الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن. وتابعت: "نريد أن نفكّر بعمق شديد بشأن السبل المستقبلية، وتحاول المناقشات بين بلدينا تسوية المشكلات، وآمل بأن نتمكّن من ذلك في هذه الحالة أيضاً".
أما جون بولتون، مستشار الأمن القومي خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، فاعتبر أن صفقة "إس-400" تطرح "عراقيل خطرة أمام توثيق العلاقات السياسية العسكرية بين واشنطن ونيودلهي".
وكتب بولتون في موقع "ذي هيل": "يتطلّب الأمر تفكيراً استراتيجياً دقيقاً لتجنّب عرقلة العلاقات السياسية الأعمق داخل مجموعة الرباعية (كواد)"، التي تجمع الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، وتُعتبر محاولة لكبح نفوذ الصين في آسيا.
وأضاف: "لا شك أن الهند تحتاج إلى دفاعات جوية متقدّمة. ولديها حدود طويلة يصعب الدفاع عنها مع الصين. كما أن البحرية الصينية المتنامية تشكّل تهديداً متزايداً، وكذلك البرنامجين النووي والصاروخي لباكستان، برعاية الصين".
واستدرك أن شراء الهند منظومة "إس-400" كان "خطأً، حتى من منظورها الاستراتيجي الخاص"، وتابع: "لا يمكن فهم سبب حصول الهند على النظام ذاته الذي تشتريه الصين، مجازفةً بأن يستغلّ ذلك (قراصنة) سيبرانيون تابعون لبكين لشلّ دفاعاتها خلال أزمة، ربما عبر استغلال أبواب خلفية أتاحتها موسكو"، مذكّراً بتداعيات شراء تركيا المنظومة ذاتها.