تسعى السلطات الأوغندية إلى تعديل اتفاق لقرض وقّعته مع الصين في عام 2015، لضمان ألا تفقد الحكومة سيطرتها على المطار الدولي الوحيد في البلاد، وفق ما أوردته تقارير صحافية في أوغندا، لكن هيئة تنظيم الطيران في أوغندا نفت سيطرة بكين على المطار، فيما قالت الصين إنه إنه "تعاون تنموي".
يأتي ذلك بعد أيام على جولة إفريقية أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أكد خلالها أن بلاده تستثمر في القارة "من دون فرض مستويات لا يمكن تحمّلها من الديون"، في تلميح إلى الصين، التي تواجه اتهامات بأنها تستخدم مشاريع "مبادرة الحزام والطريق" للبنية التحتية، لإسقاط دول في "فخ ديون".
صحيفة "ديلي مونيتور" الأوغندية أوردت أن أوغندا، الواقعة في شرق إفريقيا، اقترضت 200 مليون دولار من "بنك الصين للتصدير والاستيراد"، المعروف باسم "إكسيم"، لتوسيع مطار عنتيبي الدولي. واعتبرت أن مسؤولين أوغنديين بارزين باتوا "في مأزق"، بعدما رفض المقرضون في الصين طلبهم بإعادة التفاوض بشأن "بنود سامة" يتضمنّها القرض، المُبرم في 31 مارس 2015.
وأشا التقرير إلى 13 بنداً في الاتفاق، اعتبرت أنها "جائرة وتؤدي إلى تآكل سيادة أوغندا".
ونقلت الصحيفة عن مصدر قوله: "واضح أن هيئة الطيران المدني الأوغندية ستفقد حقوقها في استخدام إيراداتها، والتحكّم بها بوصفها مؤسسة ذاتية التمويل تتمتع بموارد مالية محدودة. وهذه البنود ستعرّض المنظمة لخطر التقصير في تقديم الخدمات والإفلاس".
وأضافت الصحيفة أن من بين البنود "المثيرة للجدل" التي تريد الحكومة تغييرها، ضرورة أن تحصل هيئة الطيران المدني الأوغندية على موافقة من المقرِض الصيني، لموازنتها وخططها الاستراتيجية، والتي عادة ما تكون من صلاحيات هيئة تنظيم الطيران في أوغندا.
وتابعت أن ثمة قاعدة أخرى تنصّ على وجوب أن تسوّي "لجنة التحكيم الاقتصادي والتجاري الدولية الصينية"، أي نزاع ينشب بين الطرفين.
وكتب البروفيسور ديفيد كاكوبا، المدير العام السابق لهيئة الطيران المدني الأوغندية، الذي تقاعد في يونيو 2020: "يعرّض ذلك الهيئة أيضاً لخطر الفشل في تنفيذ تفويضها، وينتهك سيطرة الدولة الفعالة عليها. ثمة حاجة ملحّة لبدء مراجعة وإعادة التفاوض بشأن الاتفاق" حول مطار عنتيبي.
"تقويض سيادة الدولة"
وأضافت "ديلي مونيتور" أن أي إجراءات يتخذها المقرِض، وتستهدف أصول هيئة الطيران المدني الأوغندية، لن تكون محمية بالحصانة السيادية، لأن الحكومة الأوغندية تنازلت عن الحصانة على أصول المطار، في الاتفاق المُبرم عام 2015.
وأشارت إلى أن المصرف الصيني مخوّل أيضاً بفحص دفاتر الحسابات لهيئة الطيران المدني الأوغندية والحكومة، معتبرة أن ذلك "يقوّض سيادة الدولة".
وتابعت أن أوغندا أرسلت وفداً ضمّ 11 عضواً إلى بكين، لمناشدة "بنك الصين للتصدير والاستيراد" بإعادة التفاوض على البنود التي تطعن بها كمبالا الآن. لكن المصرف رفض أي تعديلات على بنود "اتفاقية التمويل"، الموقّعة في عام 2019، وأبلغ الوفد الأوغندي أن أي محاولة في هذا الصدد ستشكّل سابقة سيئة. كما شدد على أنه لا يرى سبباً لتبرير التعديل.
وزير أوغندي يعتذر
وذكرت الصحيفة أن وزير المال الأوغندي، ماتيا كاسايجا، اعتذر أمام لجنة برلمانية، في 28 أكتوبر الماضي، عن تدقيق غير مرضٍ في "اتفاقية تمويل" تحديث مطار عنتيبي. وقال لصحافيين: "في حالة فشل هيئة الطيران المدني الأوغندية، وهذا أمر غير مرجّح، في تحقيق إيرادات كافية لخدمة القرض (من مصرف إكسيم)، فستتدخل الحكومة المركزية". وأبلغ كاسايجا نواباً أن السلطات اعتبرت في عام 2015 أن عرض القرض الصيني كان "أفضل بديل ممكن واستفادت منه".
في السياق ذاته أقرّ وزير التخطيط الأوغندي، عاموس لوجولوبي، بأن التفاوض بشأن القرض كان سيئاً، مستدركاً أن الوزارة اتخذت إجراءات صارمة، بما في ذلك إنشاء إدارة كاملة لضمان مراقبة القروض عن كثب، لئلا تنزلق البلاد إلى أزمة ديون.
وقال: "فرضنا قيوداً على الاقتراض، بحيث يقتصر على المشاريع الحيوية فقط، ونضمن ألا تتجاوز نسبة القروض 50% من الناتج المحلي الإجمالي"، علماً أن نسبة الدين الحالي لأوغندا إلى الناتج المحلي الإجمالي، تبلغ نحو 45.7%.
رد صيني
في المقابل، قالت السفارة الصينية في كمبالا، الأحد، رداً على هذه التقارير، إن بكين تساهم في مشاريع البنية التحتية الأوغندية "وفقاً لاحتياجات أوغندا التنموية والأولويات التي تضعها الحكومة الأوغندية"، مؤكدة أن "الصين أصبحت أحد أكبر الشركاء التنمويين لأوغندا خلال العقد الماضي".
وبشأن القرض الصيني المقدم لتطوير مطار عنتيبي، قالت السفارة إن "القرض بقيمة 200 مليون دولار أميركي، ممول من بنك التصدير والاستيراد الصيني، وتم ضمانه من الصندوق السيادي الأوغندي، ووقع عام 2015، وبدأ العمل في المشروع عام 2016، وأنجز المقاول 75.1% من المشروع، رغم الصعوبات المتعلقة بجائحة كورونا، ومن المتوقع تسليم المشروع بالكامل في ديسمبر 2022.
وأكدت أن "أي مساهمة تمويلية صينية في مشاريع البنية التحتية بأي بلد، تخضع للقوانين الدولية وكذلك المحلية في الدولة التي تتلقى التمويل".
ولفتت السفارة إلى أن "التعاون التنموي بين الصين وأوغندا، تلتزم بمعايير الشفافية والانفتاح والمنفعة المتبادلة للبلدين"، وأن ذلك يتم "دون بنود خفية أو شروط سياسية"، مضيفة أن بكين "تدعم تخفف أعباء الديون عن الدول الإفريقية".
كما نفى الناطق باسم هيئة الطيران المدني في أوغندا، فياني لوجا، أن يكون "بنك التصدير والاستيراد" الصيني استولى على المطار.
كذلك، فنّد المدير العام للشؤون الإفريقية في وزارة الخارجية الصينية، وو بينج، التقارير عن استحواذ بلاده على مطار عنتيبي، مندداً بالحديث عن "فخ الديون" الصيني في إفريقيا.
وقلّل المدعي العام الأوغندي، كيوانوكا كيريوا، من المخاوف بشأن استيلاء بكين على المطار، مؤكداً أن لا سبب للقلق، إذ أن بلاده لم ترهن أياً من ممتلكاتها. وأضاف أن القرض هو عقد تجاري ملزم بالنسبة إلى الطرفين.
وتابع: "عندما تقترض المال، فإنك تلتزم بالدفع. إن لم تدفع، يمكن للطرف الآخر أن يقاضيك، وفي هذه الحالة سيحدث ذلك أمام لجنة التحكيم الاقتصادي والتجاري الدولية الصينية... المطار يجني مالاً وسيفي بالتزاماته".
صحيفة "ذي جارديان" الصادرة في نيجيريا، أوردت أن 75.2% من العمل أُنجز في المطار، مع استكمال مدرجين بنسبة 100%، علماً أنه يبعد 43 كيلومتراً جنوب العاصمة كمبالا.
الحزام والطريق
مطار عنتيبي هو المطار الدولي الوحيد في أوغندا، وشُيّد في عام 1972 ويستقبل أكثر من 1.9 مليون مسافر سنوياً. واعتبرت الصحيفة أن استيلاء الصين عليه سيمسّ بشكل كبير إرث الرئيس يويري موسيفيني (77 سنة)، الذي تسلّم السلطة في عام 1986، وقد يعرّضه لهزيمة انتخابية.
وبحسب وكالة "بلومبرغ"، فإن مشاريع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، أثارت جدلاً في كل أنحاء العالم، رغم أن الصين تؤكد في كل مرة أنها مشاريع تنموية. وأشارت الوكالة الأميركية إلى سريلانكا التي وافقت الحكومة في عام 2017 على تأجير ميناء لشركة صينية تتخذ هونج كونج مقراً، لمدة 99 سنة في مقابل 1.1 مليار دولار. وفي باكستان، لم تُنفَذ بعد خطط لتشييد ميناء بحري، وطرق، وشبكات سكك حديد، وخطوط أنابيب، وعشرات المصانع، وأضخم مطار في البلاد.
وأوردت صحيفة "ذي سيتيزن" التنزانية أن زامبيا أيضاً خسرت مطار كينيث كاوندا الدولي لمصلحة الصين، في سبتمبر 2018، بسبب الديون. وأضافت أن المقرضين الصينيين يسيطرون بالفعل على "هيئة الإذاعة الوطنية في زامبيا".