"المُسيّرة الانتحارية".. وزنها 2.5 كيلو وتقتل بالتعرف على الوجه

طائرة من دون طيار من طراز "RQ-4 Global Hawk" فوق نهر باتوكسينت في المحطة الجوية البحرية، ماريلاند، الولايات المتحدة. - REUTERS
طائرة من دون طيار من طراز "RQ-4 Global Hawk" فوق نهر باتوكسينت في المحطة الجوية البحرية، ماريلاند، الولايات المتحدة. - REUTERS
دبي -أ ف ب

يعتقد بعض الخبراء أن انتشار "المسيّرات القاتلة" منخفضة التكلفة وخفيفة الوزن سيغير طبيعة الحرب البرية بذات العمق الذي غيرته بها المدافع الرشاشة.

شبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، سافرت إلى مركز اختبار عسكري للوصول "حصرياً" إلى "أول عرض علني" للطائرة "سويتشبليد 300"، وهي مسيرة "انتحارية" صغيرة ومنخفضة التكلفة من إنتاج شركة "إيروفيرونمينت"، التي "استخدمها الجيش الأميركي سراً لسنوات في عمليات قتل محددة الهدف بأفغانستان والعراق وسوريا، وحكى العرض قصة حافلة بالوعود ومحفوفة بالمخاطر".

وأظهر فيديو بثته الشبكة، طواف الروبوت الذي يعمل بالبطارية حول صحراء يوتا أثناء تحليقه بسرعة تفوق قدرة العين المجردة على تعقبه، باحثاً عن الهدف الذي تمت برمجته لضربه، وبعد لحظات، مر من خلال النافذة الجانبية لسائق شاحنة صغيرة فارغة، وانفجر ككرة نار.  

وربما اعتاد الأميركيون على صور صواريخ "هيلفاير" التي تمطرها مسيرات "بريديتور وريبر" لإصابة الأهداف في باكستان أو اليمن، لكن "كانت تلك حرب المسيرات بالأمس"، حيث اندلعت ثورة المركبات الجوية من دون طيار، وخسرت الولايات المتحدة احتكارها لهذه التكنولوجيا.  

سلاح رخيص الثمن

ويعتقد بعض الخبراء أن انتشار الأسلحة شبه ذاتية التشغيل "سيغير طبيعة الحرب البرية بنفس العمق الذي غيرتها به المدافع الرشاشة". 

وهذه الأسلحة تستطيع القفز على الدفاعات التقليدية لضرب قوات المشاة في كل مكان من ميدان المعركة، ولا تتكلف القطعة الواحدة منها سوى 6 آلاف دولار، مقارنة بـ150 ألف دولار مقابل صاروخ "هيلفاير"، الذي تطلقه عادة "مسيرات "بريديتور" أو "ريبر".  

ويمكن أن تساعد هذه الإمكانية في إنقاذ حياة الجنود الأميركيين، لكنها قد تضعهم أيضاً، إلى جانب الأميركيين داخل الولايات المتحدة، في خطر كبير من "إرهابيين" أو دول لم يسبق لها الوصول إلى مثل هذه التكنولوجيا الفتاكة وتلك الأسعار المعقولة. 

وقال شان شيخ، خبير الصواريخ بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لـ "إن بي سي نيوز": "أعتقد أن هذه الآلية ستكون العبوة الناسفة الجديدة، مضيفاً أنها "شيء نستطيع أن نراه وسيصبح مشكلة، ولدينا بعض الدفاعات ولكنها ليست كافية".  

وهذه الطائرات المسيّرة التي تسمى "انتحارية" لا تطلق الصواريخ، بل هي "الصواريخ ذاتها"، ولكن، على عكس الصواريخ التقليدية، يمكنها الدوران فوق الهدف، وانتظار اللحظة المثالية، والضرب بدقة بالغة.  

"تكنولوجيا مضادة للمسيرات"

ولم يكن بوسع الجيش الأميركي القتال بالطريقة التي خاض بها حربه في العراق وأفغانستان لو كان لدى عدوه مسيرات قاتلة، والتي من المرجح أن يمتلكها الخصم في ميدان القتال التالي. 

وقال بول شار، ضابط القوات الخاصة السابق، الذي يعمل الآن باحثاً بمركز "نيو أميركان سيكيوريتي"، ومؤلف كتاب "Army of None" عن الأسلحة ذاتية التشغيل، لـ "إن بي سي نيوز"، إنه "توجد اليوم أكثر من 100 دولة، وجماعة غير تابعة لدولة تمتلك المسيرات، ومن ثم فهذه التكنولوجيا تنتشر على نطاق واسع". 

وأضاف: "هذه المسيرات تجعل الملعب متكافئاً بين الولايات المتحدة والجماعات الإرهابية أو الجماعات المتمردة بطريقة ليست في صالح الولايات المتحدة على الإطلاق".   

واليوم يصعب اكتشاف المسيرات القاتلة الصغيرة على أجهزة الرادار، كما يمكن برمجتها لإصابة أهداف من دون تدخل بشري، من خلال تكنولوجيا التعرف على الوجه، أو غيرها من التكنولوجيات الحاسوبية.

وبينما تنفق وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون)، ووزارة الأمن الداخلي مليارات الدولارات للوصول إلى تكنولوجيا "مضادة للمسيرات"، إلا أن الخبراء أكدوا لـ"إن بي سي نيوز"، أنه "لا توجد حتى الآن نسخة مضمونة منها".  

معركة في حقيبة ظهر 

ونظراً لأن وزنها 5.5 باوندات فقط (نحو 2.5 كيلوجرام)، بما في ذلك رأسها الحربي الصغير، يمكن للطائرة من دون طيار "سويتشبليد" أن تدخل المعركة في حقيبة ظهر، وأن تطير حتى مسافة 7 أميال لإصابة الهدف.  

وأضافت "إن بي سي نيوز" أنه "تم تصميم الطراز 300 من هذه المسيرة لقتل الأفراد"، فيما تستطيع النسخة الأكبر، "600"، "تدمير المركبات المدرعة. ولم يُسمح بعد لـ "إيروفيرونمينت" بعرض النسخة الأكبر للجمهور. 

وتحمل الطائرة "سويتشبليد" هذا الاسم "لأن أجنحتها الشبيهة بالشفرة تبرز عند الإطلاق".  

وقال وحيد نوابي، المدير التنفيذي، الأفغاني المولد، لشركة "إيروفيرونمينت" لـ "إن بي سي نيوز": "تسمح هذه الطائرة لمقاتلينا بالتفوق في ميدان المعركة، حيث لا يستطيع أعداؤنا رؤيتها، أو سماعها، أو التنبؤ بقدومها، كما أنها تحقق النتيجة المحددة لمهمتها بدقة عالية".

وتظهر بيانات المشتريات العامة أن الطائرة "سويتشبليد 300" لا تتكلف سوى هامش ضئيل من ثمن الصاروخ "هيلفاير"، ناهيك عن التكلفة الإجمالية لإبقاء الطائرات المسيرة "ريبر" في الجو، حيث كان يقودها الطيارون في نيفادا.  

"تنحية السلاح"

وتتميز الطائرة "سويتشبليد" بخاصية تسمح للمشغل بضبط نصف قطر الانفجار، ما يسمح لها بقتل قائد المركبة وحده، دون أحد من الركاب، من بين مميزات أخرى كثيرة، كما يمكن "تنحية السلاح" حتى مدة ثانيتين قبل الاصطدام، وفقاً لما نقلته "إن بي سي نيوز" عن شركة "إيروإنفيرونمينت"، في حالة وجود خطأ أو خطر على مدنيين.  

وتعد خاصية "تنحية السلاح" مهمة في ضوء الكارثة التي وقعت في، سبتمبر الماضي، عندما قتل الجيش الأميركي 10 مدنيين، من بينهم 7 أطفال، في غارة بالطائرات المسيرة بأفغانستان، ما يصفه المسؤولون الآن بأنه كان "خطأ مأساوياً".  

ووفقاً لمراجعة البنتاجون، فإن الفريق الذي نفذ الضربة "لم يكن على علم بوجود أطفال عندما قرر إطلاق النار".

ونقلت "إن بي سي نيوز" عن مسؤولين قولهم إنه "لُوحظ وجود طفل من خلال تغذية فيديو للمنطقة المستهدفة بعد إطلاق الصاروخ "هيلفاير" لكن بعد فوات الأوان"، إذ لم يكن ممكناً آنئذ استدعاء الصاروخ. 

وتتوافر في الطائرة "سويتشبليد" كاميرات تظهر الهدف قبيل ثوانٍ من إصابته، ولكن، من أجل رؤية أفضل لساحة المعركة، يتم استخدامها غالباً مع مسيرة مراقبة صغيرة.

وفي العرض التوضيحي لـ "إن بي سي نيوز" استخدمت "إيروفيرونمينت" الطائرة "بوما"، التي يتم إطلاقها يدوياً مثل نموذج طائرة ضخمة، وتوفر صوراً ملونة عالية الدقة للأرض. 

وأوضحت الصور التي تم بثها من كاميرات الطائرة أن المشغل يمكن أن يرى التعبيرات المرسومة على وجه الهدف في الثواني التي تسبق الضربة التي توجهها الطائرة "سويتشبليد".  

وأشار بول شار إلى أن المسيرات المحمولة "توفر دعماً جوياً لوحدات القوات البرية الصغيرة حتى عندما تكون الوسائل العلوية (المقاتلات والمروحيات والمسيرات الأكبر حجماً) غير متاحة".  

وأضاف أن "هذه المسيرات تمثل القدرة على امتلاك شيء صغير يتم إطلاقه عبر أنبوبة، وتحمله في حقيبة ظهر، ويمتلك قائد المجموعة القدرة على الوصول إليه، ولا يتطلب استخدام اللاسلكي والاتصال بالدعم الجوي القريب، والذي يغير قواعد اللعبة حقيقة من منطلق القدرة العسكرية". 

 

وربما تكون الطائرات "سويتشبليد" هي الأكثر تقدماً في هذا النوع، لكن روسيا والصين وإيران وتركيا لديها جميعاً نسخة ما من المسيرات القاتلة، إذ استخدمت الجماعات المدعومة من إيران مسيرات صغيرة في 10 هجمات، خلال العام الجاري، على قواعد أميركية داخل العراق، صحيح أن أحداً من أفراد القوة العسكرية الأميركية لم يقتل أو يصب بجروح، لكن هذه لم تكن سوى بداية.  

واستخدمت دولة أذربيجان الصغيرة مسيّرات صغيرة تركية الصنع، ما أسفر عن نتائج مدمرة بحق الجيش الأرميني، العام الماضي، ووضع نهاية حاسمة لحالة الجمود بشأن الجيب المتنازع عليه والتي استمرت لسنوات.   

وتظهر مقاطع الفيديو التي بثتها أذربيجان، المسيرات وهي تقصف المدفعية والدبابات ومواقع القوات المحاطة بخنادق، والتي لم تبد مقاومة من أي نوع ضد الموت الساحق المنهال عليها من أعلى. 

واستخدمت روسيا وأوكرانيا المسيرات المسلحة في القتال على المنطقة المتنازع عليها، كما استخدمها "المتمردون الحوثيون المدعومون إيرانياً" لتفجير منشآت النفط السعودية في عام 2019.  

وقال بول شار وخبراء آخرون لـ "إن بي سي نيوز"، إن المسيّرات قد تكون بداية لأكبر عملية تحول في تكتيكات الحرب البرية منذ ظهور المدفع الرشاش مطلع القرن العشرين، والذي وضع نهاية سريعة لعمليات إرسال تشكيلات كبيرة من القوات سيراً إلى مواقع إطلاق النار. 

وأضاف شار أن المسيرات "تجعل ميدان المعركة مكاناً أكثر خطورة على القوات البرية"، مضيفاً: "الآن أصبح الاختباء خلف الجدران، أو داخل الخنادق غير كافٍ لحمايتك من العدو".  

وفي العراق، تعاني القوات الأميركية من هذا الخطر بشكل مباشر، إذ استخدمت الجماعات المدعومة إيرانياً المسيرات الصغيرة في 9 هجمات ضد منشآت أميركية في العراق خلال العام الجاري، وفقاً لما قاله متحدث عسكري أميركي. صحيح أن هذه الهجمات لم تسفر عن إصابة أو مقتل أحد، لكنها مسألة وقت فقط. 

دفاع ضد المُسيّرات

وأسفر هجوم بمسيرة انتحارية على ناقلة نفط مرتبطة بملياردير إسرائيلي عن مصرع اثنين من أفراد طاقمها في بحر العرب، قبالة عُمان، في 29 يوليو.  

وقال مايكل باتريك "ميك" مولروي، أحد ضباط مشاة البحرية المتقاعد، والضابط السابق بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، ونائب مساعد وزير الدفاع لشؤون منطقة الشرق الأوسط في الفترة من 2017 إلى 2019: "وجدنا أنه في كل مرة نصل فيها إلى طريقة ما للدفاع عن أنفسنا ضد المسيّرات، تتقدم تكنولوجيا هذه المسيّرات سريعاً إلى حد تستطيع معه هزيمة قدراتنا الدفاعية". 

وأضاف مولروي، محلل "إيه بي سي نيوز"، أن "الدفاعات ضد المسيرات تتضمن التشويش الإلكتروني وطرقاً مختلفة لإسقاطها، لكن هناك تكنولوجيات وتكتيكات لتجاوز أي دفاع ممكن، فعلى سبيل المثال، يستطيع الجيش أحياناً استخدام أسلحة عالية القوة ضد المسيرات في ساحة المعركة، لكن داخل المناطق المأهولة تشكل المسيرات الصغيرة المحملة بالمتفجرات مشكلة أكثر إزعاجاً".

وحتى الآن لا تُعرف جماعة إرهابية استخدمت مسيرات انتحارية، لكن الخبراء يعتقدون أن المسألة مجرد وقت، إذ وضع تنظيم "داعش" متفجرات على مسيّرات للهواة، كما استخدمها لمضايقة، وأحياناً إصابة، قوات التحالف في العراق وسوريا.

وتسبب سرب مسيرات محملة بالمتفجرات كان يطن صوب منطقة رياضية أميركية مكدسة، في إجبار مسؤولي الأمن الداخلي على السهر طوال الليل، لكن رد فعل الحكومة كان بطيئاً، ولم يمنح الكونجرس وزارة الأمن الداخلي ووكالات إنفاذ القانون الأخرى سلطة إسقاط المسيرات، التي يتم اعتبارها تشكل تهديداً داخل الولايات المتحدة، إلا عام 2018.  

ومنذ ذلك الحين، تعاقدت وزارة الأمن الداخلي مع شركات خارجية واستخدمت تكنولوجيات اختبارات للتغلب على التهديد الذي تفرضه الطائرات المسيرة.  

ورفض متحدث باسم الوزارة التعليق لدى سؤاله من قبل "إن بي سي نيوز" عن أي تحديث صادر عن دائرة العلوم والتكنولوجيا التابعة لوزارة الأمن الداخلي بشأن وضع البرامج المحلية المضادة للمسيرات.  

وفي مقال على الموقع الإلكتروني لوزارة الأمن الداخلي، في يوليو الماضي، ناقشت الوكالة بعض جهودها لمكافحة المسيرات، مشيرة إلى أنه تم إجراء الاختبارات بالفعل، لكن المقال لم يوضح ما إذا كانت الاختبارات أظهرت أن أياً من هذه التكنولوجيات تعمل بشكل مطرد.  

وفي عام 2018، أخبر رئيس قسم الاستخبارات بوزارة الأمن الداخلي، في ذلك الوقت، الكونجرس بأن المسيرات تشكل خطراً كبيراً.  

وقال المسؤول ديفيد جلاوي إنه "يمكن أن يقوم الإرهابيون والمجرمون بتوظيف المسيرات المتاحة تجارياً لتسليم متفجرات أو مواد ضارة، ومراقبة المواطنين الأميركيين ومصالحهم وممتلكاتهم، سواء في الداخل أو في الخارج".

ووصف هذا التهديد بأنه "خطير"، و"وشيك"، و"يأتي من فوق رؤوسنا".