في ظروف غامضة، وبعد اختفائه لساعات، أكدت مصادر أمنية لبنانية لـ"الشرق"، الخميس، مصرع الصحافي والناشط لقمان سليم المعروف بمواقفه المعارضة لـ"حزب الله"، ما أثار قلقاً وردود فعل واسعة في الأوساط اللبنانية.
وقال مصدر قضائي لبناني إن السلطات بدأت تحقيقاتها في ملابسات الجريمة، مشيراً إلى أن سليم اغتيل بخمس رصاصات، أربع في الرأس وواحدة في الظهر.
ولفتت المصادر إلى أنه تم العثور على جثة سليم في سيارته عند مفترق بلدة العدوسية جنوب مدينة صيدا، خلال عودته من الجنوب، وكانت تبدو عليها آثار الإصابة بطلقات نارية في الرأس.
وكانت شقيقته الشاعرة رشا سليم الأمير غرّدت على "تويتر" مشيرة إلى اختفاء سليم وانقطاع التواصل معه، في وقت تداول فيه مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي صوراً تظهر سيارة سليم وجثته الملطخة بالدماء.
نبذة شخصية
ولد سليم في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت عام 1962، وحصل على شهادة في الفلسفة من جامعة السوربون في فرنسا. وعام 1990 أسس لقمان "دار الجديد" للنشر التي تهتم بنشر الأدب العربي والمقالات ذات المحتوى المثير للجدل.
في عام 2004، أسس سليم جمعية "أمم للأبحاث والتوثيق"، ومركزها مسقط رأسه في حارة حريك، بهدف إنشاء أرشيف مفتوح للمواد المتعلقة بالتاريخ الاجتماعي والسياسي في لبنان، وجمع ذاكرة الحرب اللبنانية المتناثرة.
وقال لقمان في تصريح صحافي آنذاك: "نحن لا نعمل في نبش المقابر. هذا ما يجب أن يدركه الناس، ولكننا نؤمن بأنه من الصعب أن نكون شفافين مع حاضرنا، إن لم نتقبّل ماضينا ونتعامل معه بصدق، ومن دون مراوغة ولا مداورة. تقبّل الذاكرة كما هي يحتاج إلى تمرين، وربما إلى بعض الترويج أيضاً".
أنتج سليم وثائق عدة في مركز "أمم"، وخصوصاً تسليط الضوء على ملف المفقودين في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990).
وفي عام 2016، أنتجت "أمم" الفيلم الوثائقي "تدمر" من إخراج سليم إلى جانب المخرجة مونيكا بورغمان، والذي تحدث عن المعتقلين السياسيين اللبنانيين السابقين الذين نجوا من جحيم السجون السورية، وعن مجزرة مخيم صبرا وشاتيلا.
معارض لـ"حزب الله"
ويُعد الناشط لقمان سليم من أشد المعارضين لـ"حزب الله"، إذ عرف بمواقفه الكثيرة، سواء عبر مقالاته أو نتاجاته الأدبية أو المقابلات التلفزيونية التي كانت تُجرى معه، أنه ضد سياسة الحزب في لبنان والعالم العربي، وقد تعرّض لكثير من حملات التخوين من قبل المقربين من الحزب والصحافة الناطقة باسمهم.
وكان مقال نُشر عام 2012 يتهم سليم بالعمالة، وغيره من المقالات والتقارير التي تحرّض عليه بسبب مواقفه السياسية، فيما يتهم أنصار "حزب الله" سليم بأنه مقرب من الولايات المتحدة ويعمل لصالحها في لبنان.
في عام 2014، نشرت جمعية "هيا بنا" التي يترأسها سليم استطلاعاً على 600 شخص يعيشون في مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي مناطق شيعية ومعاقل لـ"حزب الله".
وقال سليم حينها، في تصريح صحافي، إن "مبدأ الإجماع لدى الطائفة الشيعية بدأ يتلاشى، وخطاب حزب الله التبريري لقتاله في سوريا للدفاع عن المقدسات ومحاربة الإرهابيين والدفاع عن خط المقاومة، جعل الخوف نجم الساحة الشيعية، لكن ذلك لا يعني بالضرورة الموافقة العمياء على سياسة الحزب".
محاولات اعتداء
وفي ديسمبر 2019، في أوج الحراك الشعبي الذي شهده لبنان، نشر سليم بياناً أشار فيه إلى محاولات اعتداء متكررة تطاوله وعائلته من قبل أنصار حزب الله وحركة أمل، وقال في تصريح صحافي: "أنا باقٍ في منزلي، نحن مستمرون ولن يسكتنا أحد".
وأضاف الناشط الراحل في بيانه: "هذا السياق من التهديد والوعيد بات قديماً لأن جدار الخوف قد كُسر والناس بدأت تسترد حريتها وكرامتها".
وتعرّض منزل سليم الواقع في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت إلى هجوم بالتزامن مع اعتداء نفذه مؤيدون لحزب الله وحركة أمل على خيمة لنشطاء في بيروت معروفين بمعارضتهم لحزب الله.
وأضاف لقمان: "الأمر ليس شخصياً بل هو جزء من مسلسل الوعيد والتهديد الذي يمارس منذ اندلاع الاحتجاجات ويراد منه إخماد كل صوت مستقل في الوسط الشيعي".
وحمّل سليم في البيان مسؤولية الاعتداءات لـ"قوى الأمر الواقع ممثلة بحسن نصر الله (زعيم حزب الله) ونبيه بري (رئيس مجلس النواب اللبناني وزعيم حركة أمل)"، وطالب الأجهزة الأمنية بتوفير الحماية له ولعائلته.
نعي وتنديد
وفي أول رد فعل، استنكر تيار "المستقبل" اغتيال سليم، محذراً من العودة إلى مسلسل الاغتيالات التي تستهدف الناشطين.
وقال التيار الذي يرأسه رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري، في بيان، إن "اغتيال الباحث والناشط السياسي لقمان سليم في إحدى قرى الجنوب جريمة مدانة برسم الدولة والقوى المحلية المعنية بأمن القرى الجنوبية".
وأضاف: "إننا في تيار المستقبل إذ نستنكر بأشد عبارات الاستنكار هذه الجريمة النكراء ونحذّر من مخاطر العودة إلى مسلسل الاغتيالات واستهداف الناشطين، نطالب الجهات المختصة الأمنية والقضائية الشرعية بجلاء الحقيقة بأسرع وقت".
من جانبه، استنكر "الحزب التقدمي الاشتراكي" اغتيال لقمان سليم، مطالباً السلطات اللبنانية بتحقيق عاجل وشفاف لكشف ملابسات الحادث.
وقال الحزب الذي يرأسه السياسي اللبناني وليد جنبلاط إنه "يستنكر بشدة ويشجب ويدين جريمة قتل الناشط السياسي لقمان سليم".
وأوضح أن هذه الجريمة تقتضي من القوى والأجهزة الأمنية "أقصى درجات الملاحقة والمتابعة والتحقيق الفعلي والشفاف لكشف المرتكبين وسوقهم إلى القضاء بأسرع وقت، وإنزال القصاص الذي يستحقون".