تسعى الصين منذ عقود لتعزيز نفوذها ووجودها في إفريقيا من خلال دبلوماسية "القوة الناعمة"، بقدر ما تعتمد على مشروعات البنية التحتية العملاقة، بهدف ملء الفراغ الذي خلّفه تراجع دور الدول الغربية والولايات المتحدة في عدة قطاعات، حسب تقرير لمجلة "فورين آفيرز".
وقالت المجلة الأميركية، إنه خلال العقدين الماضيين، أنفقت بكين المليارات لتشييد السدود، والطرق السريعة، والسكك الحديدية، والموانئ في دول من شمال القارة إلى جنوبها.
لكن المشروعات من هذا القبيل ليست، بحسب المجلة، سوى جزءاً من القصة؛ إذ يعتمد حضور الصين المتنامي في إفريقيا، ويشمل ذلك مبادرة "الحزام والطريق"، على "الاستثمار في بناء رأس المال الاجتماعي والبشري، بقدر ما يعتمد على مشاريع البنية التحتية العملاقة".
تاريخ من العلاقات
ومنذ بداية هذا القرن، استثمرت بكين بكثافة في تنمية العلاقات السياسية والتعليمية والمؤسسية مع القادة والشعوب في جل البلدان الإفريقية التي تربطها بها علاقات دبلوماسية؛ مستغلة تراجع فرص مماثلة للأفارقة مع الدول الغربية، لتحل محلها.
على الرغم من أن بكين قد ضخت مليارات الدولارات في مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء العالم النامي، فإنها استثمرت أيضاً بكثافة في تطوير العلاقات على المستوى الشعبي مع نخب سياسية وأمنية وتجارية في العديد من البلدان الإفريقية.
ولفتت المجلة إلى أن علاقات الحزب الشيوعي الصيني مع دول الجنوب يعود تاريخها إلى عصر الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونج (1893-1976)، لكن نطاق هذه التبادلات تزايد بسرعة.
وفي عام 2018، على سبيل المثال، بلغ عدد الطلاب الأفارقة الذين يدرسون في الصين 80 ألفاً؛ مقارنة بأقل من ألفين عام 2003. وهذه المنح الدراسية تهدف لتحسين صورة الصين في الخارج، وعرض قصة نجاحها في التنمية للطلاب الزائرين.
مكاسب "القوة الناعمة"
على الصعيد الدبلوماسي، منذ عام 2018، استثمرت الحكومة الصينية بكثافة في الزيارات السنوية إلى الصين، إذ تقضي وفود رفيعة المستوى، تضم مسؤولين حكوميين وملحقي دفاع من 50 دولة إفريقية، أسبوعين في بكين لحضور ندوات وزيارة لمواقع الجيش الصيني لمعرفة المزيد عن القدرات العسكرية للبلاد.
علاوة على ذلك، تعمل الصين على توسيع نطاق التدريبات التي تستضيفها لقوات حفظ السلام والشرطة الإفريقية، وهذه العلاقات العسكرية الناشئة تمثل استثماراً بالغ الأهمية في مستقبل الدبلوماسية الصينية لبناء الثقة مع الجيوش الإفريقية، كما تسفر أيضاً عن صفقات أسلحة مربحة، بحسب المجلة.
وإلى جانب برامج التبادل المكثفة هذه، يرعى الحزب الشيوعي الصيني بشكل متكرر دورات تدريبية وندوات لنخب الأحزاب السياسية المدنية من جميع أنحاء القارة، وهي برامج تهدف لتعليم القادة حول نهج الحزب الشيوعي الصيني في التنمية، وقيادة الحزب، والتنظيم السياسي، وكذلك دور التكنولوجيا في الحوكمة، ما يوفر فرصاً لشركات التكنولوجيا الصينية لتسويق منتجاتها.
وعلى الصعيد الثقافي، ترعى بكين أيضاً سلسلة من المبادرات البحثية المشتركة بين الجامعات ومراكز الفكر الصينية والإفريقية، وتشمل شراكات مع مدارس في 46 دولة إفريقية تهدف إلى تحسين التعرف على الثقافة والتاريخ واللغة الصينية في أنحاء القارة.
ووفقاً للمجلة، يبدو أن جهود بكين تؤتي ثمارها بالفعل، إذ يعتقد 63% من الأفارقة أن تأثير الصين في القارة "إيجابي إلى حد ما" أو "إيجابي للغاية"، والصين هي الآن نموذج التنمية المفضل لعدد متزايد من البلدان، بما في ذلك بنين وبوتسوانا وبوركينا فاسو ومالي.
"فهم محدود"
على الجانب الآخر، عندما يدرس صانعو السياسات في الإدارة الأميركية نفوذ الصين في إفريقيا، فإنهم غالباً ما يفكرون في برامج تطوير البنية التحتية ذات التكلفة الكبيرة مثل مبادرة "الحزام والطريق"، ومع ذلك، فإن خطط الإدارة تعكس "فهماً محدوداً" لدور الصين العالمي، بحسب المجلة.
"فورين آفيرز" اعتبرت أن واشنطن أخفقت في التعامل مع هذه العناصر الأقل وضوحاً في دبلوماسية بكين، على نحو أضر بها. فعندما أعرب العديد من المسؤولين وصناع السياسات، والخبراء الأميركيين عن مخاوف بشأن قروض الصين واستثماراتها ومشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء العالم، ردت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، بالإعلان عن خطة "إعادة بناء عالم أفضل" (بي دبليو 3).
و"بي دبليو 3"، برنامج بنية تحتية عالمي يهدف إلى مواجهة نفوذ الصين في بلدان نصف الكرة الجنوبي في قمة مجموعة السبع في يونيو 2021، صُمم للتفوق على بكين من خلال طرح مشاريع استثمارية بديلة تهدف إلى إغراء الدول باختيار الولايات المتحدة على الصين كشريك مفضل لهم.
ووفقا للمجلة، إذا كانت إدارة بايدن، جادة فيما يتعلق بمواجهة النفوذ الصيني في أنحاء العالم النامي، فمن الأفضل أن تبذل جهداً أكبر لفهم كيف تنجح سياسات الصين فعلياً، والمكاسب التي يمكن أن تجنيها الدولة من جهودها في إفريقيا وفي جميع أنحاء العالم".
وأضافت: "إذا كانت خطة (بي دبليو 3) لديها فرصة لتغيير علاقة واشنطن بالعالم النامي، فيجب على إدارة بايدن أن تدرك قوة بناء العلاقات بين الناس".
وحضت المجلة الأميركية صناع السياسات على أن يأخذوا على محمل الجد أهمية "الاستثمار في العلاقات طويلة الأمد مع المواطنين العاديين في البلدان عبر إفريقيا وأماكن أخرى، بغض النظر عن أيديولوجيات حكوماتهم".
اقرأ أيضاً: