اعتبرت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير لها، الأحد، أن التعاون العسكري بين روسيا والصين، يضع الولايات المتحدة أمام تحدٍ جديد، نظراً لأن تحديد مستوى التعاون بين الدولتين اللتين تتحكمان بالمعلومات العسكرية المشتركة بإحكام "يصعب تحديده".
وقالت الصحيفة إنه على الرغم من تشكيك المسؤولين الأميركيين منذ فترة طويلة في وجود تهديد موحد من البلدين، فإن هؤلاء المسؤولين باتوا متأكدين من أن بكين وموسكو أصبحتا الآن "أكثر تحالفاً من أي وقت مضى خلال الأعوام الـ 60 الماضية".
لكن الصحيفة أشارت إلى أن مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن يرون أن "الخطوات المتعددة التي تتم من قبل البلدين من غير المرجح أن تتحول إلى تحالف عسكري كامل".
وأضافت: "لدى الصين وروسيا، اللتين تشتركان في حدود طولها 2500 ميل، مصالح متنافسة في آسيا الوسطى والهند والقطب الشمالي تمنع وجود تحالف كامل بينهما".
كما أنه على عكس الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، فإن أنظمة الدفاع في الصين وروسيا ليست متوافقة على نطاق واسع، ما يحد من فعالية وجود قيادة مشتركة تضم البلدين.
كبح نفوذ واشنطن
ووفقاً لما نقلته الصحيفة عن محللين ومسؤولين أميركيين، فإن الخطوات الأميركية لاحتواء البلدين دفعتهما إلى النظر إلى مصالحهما المشتركة، ما أعطى الخصمين المثيرين للجدل سابقاً حافزاً لحشد الموارد والاستخبارات ضد خصم مشترك.
فالصين وروسيا حريصتان على كبح نفوذ الولايات المتحدة وكذلك قوتها العسكرية والمالية، وهو الأمر الذي تعتقد كل منهما أنه سيكون ممكناً، حال العمل معاً.
وبهذا الصدد، لفتت الصحيفة إلى تصريحات سابقة لوزير الخارجية الصيني وانج يي في يونيو الماضي، الذي قال فيه إن "العلاقة بين الصين وروسيا مهيأة للوصول إلى نطاق أوسع ومستوى أعمق"، وكذلك لما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن "العلاقات مع الصين باتت في مستويات تاريخية".
ووفقاً للمحللين، فإنه في وقت كانت واشنطن تكافح فيه في أعقاب انسحاب قواتها من أفغانستان وانهيار الحكومة، فإن القوات الصينية والروسية نفذت في أغسطس الماضي مناورات عسكرية شمال غربي الصين، والتي تعد الأولى من نوعها التي يتم فيها استخدام قيادة وسيطرة "روسية - صينية" مشتركة، ما يشير إلى قدرة البلدين المتزايدة على التنسيق في أي عمل محتمل ضد الولايات المتحدة.
وذكرت الصحيفة أن تقرير المخابرات الأميركية بشأن تقييم التهديدات العالمية، الذي رُفعت عنه السرية في عام 2019، يعد أول تقرير من نوعه يصنف الصين وروسيا بشكل مشترك على أنهما يمثلان "تهديداً إقليمياً"، إذ أشار التقرير لتوقعات حول "تعاون لمواجهة الأهداف الأميركية".
بكين وموسكو.. تجدد الشراكة
"وول ستريت جورنال"، لفتت إلى أنه على مدى عقود من الزمن باتت فيها الصين مزدهرة اقتصادياً، كانت روسيا المورد الرئيسي للأسلحة في البلاد، إذ إنه بعد فترة من الخلاف السياسي، تجددت الشراكة بين البلدين في العام 2014 بموافقة بكين على شراء منظومة "إس 400" الروسية المضادة للطائرات.
كما طلبت الصين بعد عام مقاتلات "إس يو 35" الروسية، ما عزز قدرتها على ضرب السفن الحربية الأميركية، ولكن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على الصين بسبب هذه الصفقات.
وفي عام 2019، قال بوتين إن روسيا والصين تعملان على تطوير نظام الإنذار المبكر الصيني المضاد للصواريخ، وفي العام التالي قال إن موسكو تساعد جيش بكين بتكنولوجيا حساسة للغاية بالنسبة له للحديث عنها، فيما ذكرت وسائل الإعلام الحكومية الروسية في وقت لاحق أن موسكو وبكين تعملان على تطوير غواصة سرية للغاية.
وبحسب الصحيفة، فإن المناورات العسكرية بين البلدين بدأت في منتصف العقد الأول من القرن الحالي، ولكن أصبحت أكثر تواتراً وتعقيداً، ما يسمح بإجراء اتصالات عسكرية على مستوى رفيع.
وفي عام 2018، أي بعد عام من توقيع الدولتين مذكرة تفاهم للتعاون العسكري، دعت روسيا الصين لأول مرة إلى أكبر مناورة دفاعية سنوية.
ووفقاً لبيانات روسية رسمية، فإنه خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2021، تجاوزت التجارة الثنائية بين الصين وروسيا الـ 100 مليار دولار، أي ما يعادل تقريباً حجم التجارة لعام 2020 بأكمله، فيما قال بوتين إن المبلغ وصل إلى 123 مليار دولار في نوفمبر الماضي.
وفي أغسطس الماضي، أكمل البلدان بناء أول جسر للسكك الحديد بينهما، والذي يمتد على نهر "آمور" في سيبيريا، كما أنه من المتوقع أن ينقل خط أنابيب "باور أوف سيبيريا" الذي يبلغ طوله 1865 ميلاً، وبدأ تشغيله في العام 2019، بكلفة 55 مليار دولار، ما يصل إلى 1.3 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي الروسي إلى الصين بحلول العام 2025.
وذكرت الصحيفة أنه "على الرغم من عدم وجود تحالف دفاعي رسمي بين الصين وروسيا حتى الآن، كما أنه من غير المرجح أن تتخلى أي منهما عن حكمها الذاتي بسبب الالتزامات العسكرية والسياسية التي قد يتطلبها التحالف، إلا أن العلاقات المتنامية بين البلدين كافية لإحداث تأثير على العلاقات مع الولايات المتحدة".
حلول أميركية
ونقلت الصحيفة عن محللين قولهم، إن مجالات الخلاف بين الصين وروسيا تشير للمسؤولين الأميركيين بإمكانية أن تطعن الصين روسيا إذا حافظت على علاقات عمل مع أوكرانيا تتعارض مع المصالح الروسية.
ولكن بكين، الحريصة على مواصلة تعزيز مبادرة "الحزام والطريق" في جميع أنحاء أوروبا، تواصل العمل مع المجموعة كما تحافظ موسكو على علاقات مع الخصمين الصينيين فيتنام وكوريا الجنوبية، وتعد مورداً رئيسياً للأسلحة إلى الهند، منافسة بكين القديمة والتي اشترت مؤخراً نظام "إس 400" الروسي.
وبيّنت الصحيفة أن إحدى حلول تقسيم البلدين بالنسبة للولايات المتحدة تتمثل في "تخفيف نهجها تجاه روسيا وإبعادها عن بكين، ولكن هذه الاستراتيجية لا تزال في طور النشوء"، كما أن واشنطن "لا ترغب في تقديم الحوافز السياسية والاقتصادية التي قد تقنع بوتين بوقف علاقاته مع شي جين بينج".
وفي نهاية تقريرها، قالت الصحيفة إنه مع حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، فإنه يبدو من غير المرجح أن تؤتي محاولات إقناع روسيا بالانسحاب من أي تحالف دفاعي مع الصين ثمارها.