أفادت مصادر سودانية مطلعة لـ"الشرق" الاثنين، بأن رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يفاوض وزير المالية الأسبق إبراهيم البدوي، بشأن تولي رئاسة الوزراء خلفاً لعبد الله حمدوك المستقيل، مشيرة إلى أن البدوي "يجري مشاورات مع مقربين من أجل الموافقة أو الرفض".
وكان رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، استقال الأحد، وقالت مصادر إن وراء القرار رفضه عودة جهاز المخابرات العامة، إضافة إلى الخلاف مع المكون العسكري بشأن عودة السفراء المفصولين.
من هو إبراهيم البدوي؟
كسابقه حمدوك، يأتي البدوي من خلفية اقتصادية ودولية وأتم دراسته بالخارج، إذ عمل خبيراً اقتصادياً لسنوات في مؤسسات أممية ودولية، كانت فيما يبدو السبب في اختياره وزيراً للمالية في حكومة حمدوك الأولى، إلا أن خلافات بين الرجلين أدت لاستقالة البدوي الذي "أحس بأن هناك تآمراً ضده" بيد أنه قال إنه لا دليل لديه على ذلك.
تخرج البدوي في كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم عام 1978، وحصل على ماجستير الإحصاء من جامعة نورث كارولاينا الأميركية عام 1981، ثم الدكتوراه من الجامعة ذاتها في الاقتصاد والإحصاء بعدها بعامين.
مناصب دولية وأممية
بعد إنجازه الدكتوراه عاد إلى السودان للعمل في جامعة الجزيرة بالإضافة لعمله بالخارج، وفي نهاية الثمانينات شغل عدة مناصب في مؤسسات مالية عالمية من بينها البنك الدولي، الذي عمل خبيراً به لمدة 20 عاماً بين عامي 1989 - 2009.
وتولى مهمة تنسيق السياسات الاقتصادية للمجتمع الدولي في برنامج إعادة الإعمار بالسودان في إطار اتفاقية السلام التي وقعت عام 2005.
كما شغل منصب مدير مركز السياسات والبحوث الاقتصادية في مجلس دبي الاقتصادي منذ 2009. وشغل منصب المدير التنفيذي لمنتدى البحوث الاقتصادية.
كتب وأبحاث
وللبدوي عدة أبحاث بشأن الاقتصاد الكلي، وسياسات التنمية والانتقال الديمقراطي واقتصاديات الحروب الأهلية والمراحل الانتقالية لما بعد النزاعات.
وساهم البدوي مع آخرين في تحرير أكثر من 13 كتاباً وله أكثر من 90 مقالاً عن الاقتصاد الكلي، ومن بينها "فهم وتفادي لعنة النفط في الاقتصادات العربية" الصادر عن جامعة كامبريدج عام 2016، و"الانتقال الديمقراطي في العالم العربي" والصادر عن الجامعة ذاتها في 2016.
"جواز سفر سوداني"
تعرض البدوي لشائعات كثيرة خلال فترة عمله، لعل أبرزها اتهامات بحمله جواز سفر أجنبياً، وهو ما نفاه في مؤتمر صحافي في مارس 2020، حين انتقده صحافي متهماً إياه بالفشل ومطالباً إياه بالاستقالة.
وهو ما رد عليه البدوي بالقول: "آسف لمثل هذه المخاطبة لكني ليس لدي أي جواز سفر أجنبي وجوزاي الوحيد هو السوداني، وأسكن في منزلي الخاص ولم أستخدم أي منزل حكومي ولست حريصاً على البقاء في المنصب".
"رجل البنك الدولي"
ومع مواجهة البدوي لاتهامات الفشل وبكونه "رجل البنك الدولي"، رد الخبير الاقتصادي خلال حوار مع صحيفة "السوداني" في ديسمبر الماضي قائلاً: "يقولون إنني رجل البنك الدولي، كيف؟ بالعكس أنا لديَّ مشروع وطني مكتوب خلال الـ30 سنة الماضية، كان آخرها برنامج السياسات البديلة في 2011".
وأضاف: "لدي رؤية سواء اتفق الناس حولها أو اختلفوا، كتبت أكثر من 20 رؤية محكمة عن الاقتصاد السوداني، على مدى الـ30 سنة الماضية، ومعيار النجاح هو أن المشروع الذي بدأته ما يزال قائماً، وظهرت بعض النتائج الإيجابية له".
سياسات التقشف
واجه البدوي اتهامات بأن السياسات التي اتبعها أدت لزيادة التضخم في البلاد وأن تلك السياسات "عقّدت معيشة الناس".
ورد البدوي على تلك الانتقادات بأنه "كان لا بد من مرحلة أولى لمعالجة الاقتصاد الكلي، وإعادة تأهيل السودان"، وألقى باللائمة في تزايد معدلات الفقر على "الركود الاقتصادي، والآثار السلبية لجائحة كورونا، والتركة الثقيلة التي خلفها نظام الإنقاذ".
وأضاف: "كان هناك تدمير ممنهج لمؤسسات الدولة، وانهارت مشاريع اقتصادية كبرى، وأُهمل القطاع الزراعي وغيره. ولكن لدي خطة ممرحلة تبدأ بإزالة التشوهات ومسألة النمو واستدامته"، حال بقائه في منصبه.
خلافات مع حمدوك
استقال البدوي في يوليو 2020 بعد خلافات مع حمدوك، الذي تحفظ على الميزانية التي قدمها في ديسمبر 2019، وضمت عدداً من البرامج الإصلاحية.
وبحسب تصريحات له في حوار مع صحيفة "السوداني" في ديسمبر الماضي، قال: "قيل لي إن تعديل سعر الصرف وغيره هي خطوط حمراء، فأجبتهم: ابحثوا عن وزير ينفذ لكم برامجكم".
واعترض البدوي على طريقة إدارة الاقتصاد السوداني حينها، وقال في الحوار، إنه التقى حمدوك بمنزله، و"أبلغته بأن لديَّ مشروعاً معيناً، والجميع متفق عليه، حتى قبل تشكيل الحكومة، ولا أشعر أن إدارة الاقتصاد السوداني بالطريقة السائدة هذه، والمساحة المتاحة لوزارة المالية كوزارة قائدة للقطاع الاقتصادي صحيحة، وعرضت عليه بأنه إذا لا توجد إمكانية للاتفاق، فلا داعي أن أستمر في الحكومة".
وتحدث البدوي عن "إحساسه بوجود تآمر" لإخراجه من الحكومة، إذ قال: "لديَّ إحساس بأن هناك تآمراً، لكن لا أستطيع أن أجزم، لكن كانت هناك شواهد كثيرة، وهذا من شأنهم، رئيس الوزراء هو رئيس الحكومة، أنا شخصياً أرى من الأمانة والشجاعة إذا شعر الوزير بأنه غير قادر على تأدية عمله، فعليه أن يعبر عن رأيه ويرحل".
الإشراف على الشركات والصناديق العامة
وفي بيان مطول بعد استقالته بنحو 10 أيام، اتهم البدوي الحكومة بعدم منحه السلطة الكافية للرقابة على الشركات والهيئات والصناديق في بعض الوزارات، التي قال إنها "محمية بتشريعات تمكنها من الاستمرار في تجنيب الإيرادات وصرفها دون إشراف وزارة المالية".
وأضاف أن تلك الأوضاع منعت وزارته من "إدارة السيولة وتوظيفها حسب أولويات وحاجات الاقتصاد السوداني".
وأشار إلى أن خلافات بينه وبين حمدوك في الرأي أدت إلى "عدم احترام رأيه المتخصص"، فأضاف في البيان: "تباينات قد حدثت بيننا في بعض القضايا المهمة، إذ كنت أرى أن رأيي الفني المتخصص لم يحظ بالاحترام الذي يستحق".
وتابع: "عبرت للأخ الرئيس (حمدوك) بأنني على استعداد، إذا لزم الأمر، لأفسح المجال له لاختيار من يراه أكثر توافقاً مع رؤيته ومنهجه لإدارة الاقتصاد، بينما أشرت بأن لي خيارات أخرى متاحة للمساهمة في العمل العام".