هل يكشف "الكنز" الروسي أسرار تدخل موسكو بالانتخابات الأميركية؟

علما روسيا والولايات المتحدة يرفرفان بالقرب من مصنع في فسيفولوزك بمنطقة لينينجراد في روسيا، 27 مارس 2019.  - REUTERS
علما روسيا والولايات المتحدة يرفرفان بالقرب من مصنع في فسيفولوزك بمنطقة لينينجراد في روسيا، 27 مارس 2019. - REUTERS
دبي-الشرق

بدأت، الاثنين، في الولايات المتحدة محاكمة رجل الأعمال الروسي فلاديسلاف كليوشين المقرب من الكرملين أمام القضاء الأميركي، وسط تقارير عن جهود أميركية لإقناعه بالكشف عن أسرار التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية لعام 2016 مقابل تجنب عقود من السجن.

وكان كليوشين، وهو خبير معلوماتية يعمل مع الكرملين، اعتقل العام الماضي في سويسرا بموجب مذكرة توقيف دولية أصدرتها الولايات المتحدة، وتم تسليمه إلى القضاء الأميركي في ديسمبر الفائت، لمحاكمته في قضية "مرابحة داخلية".

ووصفت وكالة "بلومبرغ" كليوشين بأنه "أعلى عضو في الكرملين يتم تسليمه إلى وكالات إنفاذ القانون الأميركية في الذاكرة الحديثة"، مشيرةً إلى أنه (كليوشين) حاز وسام الشرف من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل 18 شهراً فقط من توقيفه وتسليمه.

ووفقاً لما نقلته "بلومبرغ" عن العديد ممن وصفتهم بـ"الأشخاص المطلعين على الشأن الاستخباراتي الروسي"، فإن عمل كليوشين في الأمن السيبراني وعلاقاته بالكرملين "يمكن أن يجعلا منه مصدراً مفيداً للمعلومات للمسؤولين الأميركيين".  

وظهر كليوشين أمام محكمة بوسطن الفيدرالية، الاثنين، عبر رابط فيديو من داخل مكان احتجازه، مرتدياً قميصاً أبيض، ومتحدثاً من خلال مترجم.

وقرر القاضي تأجيل القضية إلى الأربعاء، وطلب من محامي كليوشين تقديم أوراق ووثائق إضافية.

كشف أسرار انتخابات 2016 

ونقلت وكالة "بلومبرغ" عن مصادر مطلعة قولها إنه في "حال اختار كليوشين التعاون مع القضاء الأميركي، فإنه قد يزود الولايات المتحدة بأوثق رؤية يمكن للأميركيين أن يحصلوا عليها في قضية التلاعب بانتخابات 2016".  

ونقلت "بلومبرغ" عن مقربين من الكرملين وأجهزة الأمن قولهم إن الاستخبارات الروسية خلصت إلى أن لدى كليوشين، البالغ من العمر 41 عاماً "القدرة على الوصول إلى وثائق متعلقة بالحملة الروسية لاختراق خوادم الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات الأميركية في 2016".

وأوضحت المصادر، بحسب "بلومبرغ"،  أن الوثائق المذكورة تثبت أن عملية الاختراق تمت بقيادة "فريق من المخابرات العسكرية الروسية" (GRU) أطلقت عليه شركات الأمن السيبراني الأميركية اسم "الدب الخيالي"، أو "APT28".  

رجل الأعمال الروسي فلاديسلاف كليوشين - Twitter/@nahernuzhno
رجل الأعمال الروسي فلاديسلاف كليوشين - Twitter/@nahernuzhno

ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن هذا "الكنز" سيوفر للولايات المتحدة لأول مرة أدلة تفصيلية يوثق بها حول الجهود الروسية المزعومة للتأثير على الانتخابات الأميركية لعام 2016، والتي فاز بها المرشح الجمهوري دونالد ترمب.

ويمثل تسليم كليوشين إلى الولايات المتحدة "صفعة استخباراتية قوية للكرملين"، وفقاً لما نقلته "بلومبرغ" عن العديد من الأشخاص المطلعين، الذين أشارو إلى أن تأثير هذه الضربة سيتعمق حال قرر كليوشين "التماس تساهل المدعين العامين الأميركيين مقابل إمدادهم بمعلومات حول أعمال موسكو الداخلية".  

وأوضح ثلاثة أشخاص مطلعين على القضية أنهم يعتقدون أن "لدى كليوشين إمكانية الوصول إلى السجلات السرية الخاصة بعمليات الاستخبارات العسكرية الروسية المهمة الأخرى في الخارج"، وفقاً لما نقلته "بلومبرغ".  

وثائق بحوزة كليوشين

وكان من بين مساعدي كليوشين، مسؤول سابق في الاستخبارات العسكرية يدعى إيفان إيفان يرماكوف، وهو متهم إلى جانب كليوشين، ومدرج اسمه في لائحة الاتهام. كما ورد اسم يرماكوف كمدعى عليه أيضاً في لائحة اتهام 2018 من قبل فريق المستشار الأميركي الخاص، روبرت مولر، الذي يتهمه، و11 روسياً آخرين بـ"التسلل إلى أنظمة الحواسيب الخاصة بالديمقراطيين".  

وعلى الرغم من أن هذه القضية لم تحسم بعد، لأن المتهمين لا يزالون خارج الولايات المتحدة، إلا أنه يمكن للمدعين العامين متابعتها وتمديد التحقيق حال ظهور معلومات جديدة. 

ونقلت "بلومبرغ" عن محامي كليوشين في سويسرا، أوليفر سيريتش، قوله إنه لا يعلم أي شيء عن الوثائق التي قد تكون لدى موكله "إذا كان ثمة شيء من هذا القبيل".

وكشف سيريتش في مقابلة مع الوكالة أن موكله "كان مطلوباً من قبل السلطات الأميركية لأنها كانت تعتقد أن لديه معلومات سرية عن تسلل روسيا إلى العملية الانتخابية في عام 2016، يمكنه تقديمها مقابل تجنب عقود من السجن بتهم تتعلق بممارسة الاتجار غير القانوني".  

وأضاف سيريتش أن كليوشين قال إنه "بريء من الاتجار غير القانوني"، ومن "التدخل الافتراضي في الانتخابات".  

وقال محامي مليوشين المقيم في الولايات المتحدة، ماكسيم نمتسيف، في طلبه للإفراج عن موكله مقابل كفالة إن موكله "يعتزم الطعن في القضية التي رفعتها الحكومة بطريقة قانونية ومهنية وقائمة على المبادئ".    

قضية تزيد التوترات

ويهدد كشف كليوشين عن سلوك روسيا العدائي بتأجيج إضافي للعلاقات بين موسكو وواشنطن، في وقت تشارك فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في جهود لتخفيف التوترات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي تسبب الحشد العسكري الروسي الضخم بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، في رفع حدتها، خصوصاً بعدما أشارت أجهزة الاستخبارات الأميركية إلى أن هذه الحشود "تهدد بغزو روسي وشيك".

ومن المقرر أن يلتقي المفاوضان الأميركي والروسي في 9 يناير الجاري في جنيف، لمناقشة مطالب الكرملين المتعلقة بالحصول على ضمانات ملزمة قانونياً بوقف توسع حلف شمال الأطلسي شرقاً.  

ويشير تسليم كليوشين إلى أن وكالات الأمن الفيدرالي لم تتخل عن ملاحقتها "للانتهاك الجذري لسيادة الولايات المتحدة أثناء انتخابات 2016، ما ينطوي على عمل جنائي"، وفقاً لما نقلته "بلومبرغ" عن مايكل ماكفول، الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة لدى روسيا خلال ولاية الرئيس أوباما. 

وقال ماكفول: "يمكنم أن تروا بأنفسكم دلائل مواصلتهم المساعي الخاصة بهذه القضية، ما قد تكون له تداعيات عميقة على الكشف بمزيد من التفصيل عن ما فعله الروس للتأثير على نتائج انتخاباتنا".  

وأضاف أن تسليم كليوشين يشكل "مصدر قلق بالغ" للحكومة الروسية، مؤكداً أنه "يسلط الضوء على الخطر الذي يواجهه أي شخص، سواء كان مليارديراً أو غير ذلك، من المقربين من الدولة الروسية يخالف القوانين الأميركية عند سفره إلى الخارج".  

ولم يرد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، على طلب "بلومبرغ" للتعليق، كما رفض وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف الطلب ذاته.   

ذريعة سياسية

ونقلت "بلومبرغ" عن محامي كليوشين المقيم في سويسرا أوليفر سيريتش، قوله إن موكّله يعتبر المزاعم الأميركية "ذريعة سياسية" لتسليمه. وأضاف أن عمل كليوشين مع الحكومة الروسية بشأن حلول تكنولوجيا المعلومات، يعني أن لديه معلومات تهم أجهزة الاستخبارات الأميركية.

وتُظهر سجلات العقود الحكومية الروسية أن شركة "إم13" (M13) المملوكة من كليوشين، زوّدت وزارة الدفاع الروسية بنظام لرصد وسائل الإعلام يُسمّى "كاتيوشا"، كما قدّمت خدمات للحرس الوطني ومكتب المدعي العام ووزارة العدل ومجلس مدينة موسكو.

وذكرت "رويترز" أن الشركة تنشط في مجال أمن الإنترنت، مضيفة أن موقعها على الإنترنت أفاد بأن إدارة الرئاسة الروسية والحكومة تستفيدان من خدماتها.

وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، لصحيفة "فيدوموستي" في عام 2016، إن إدارة الرئاسة بدأت باستخدام خدمة "كاتيوشا" لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي.

محاولات تجنيد

وحاولت الاستخبارات الأميركية والبريطانية مرتين تجنيد كليوشين، وفقاً لسيريتش، محامي كليوشين المقيم في سويسرا، إذ حاولت الولايات المتحدة تجنيده في صيف 2019 عندما كان في جنوب فرنسا، فيما تواصلت معه الاستخبارات البريطانية في مارس 2020 في إدنبرة، وفقاً لسيريتش.  

وجاء كليوشين على ذكر ذلك الاجتماع الثاني في مذكرة كتبها بعد أسابيع قليلة من المقابلة، وحفظها على جهاز الكمبيوتر الخاص به.   

ووفقاً لسيريتش، تمت هذه المقابلة في مطار إدنبرة، عندما كان كليوشين عائداً إلى روسيا، كما أفاد في مذكرة تم تقديمها إلى المحاكم السويسرية كجزء من استئنافه ضد عملية تسليمه.

وكتب كليوشين أن اثنين من عملاء الاستخبارات البريطانية، أحدهما من "إم أي 5" والآخر من "إم أي 6"، تحدثا إليه لبضع دقائق في غرفه تم اقتياده إليها بعد فحص جواز سفره.  

وسأله الضابطان (رجل وامرأة) باللغة الروسية، عما إذا كان يرغب في "التعاون" مع أجهزة سرية بريطانية. وأخذا رقم هاتفه لعقد اجتماع أثناء رحلته القادمة إلى لندن، والتي كان مخططاً لها في مايو، وفقاً للوثيقة التي لم يتم الكشف عنها مسبقاً، واطلعت عليها "بلومبرغ".  

وكتب كليوشين أنه على الرغم من عدم استجابته لعرض التعاون إلا أنه قال إنه على استعداد لرؤية العميلين مرة أخرى لمناقشة بيع منتجات "إم ـ 13" للاستخبارات البريطانية.  

ولم يتضح بعد ما إذا كان كليوشين أبلغ الاستخبارات الروسية بشأن محاولات تجنيده من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.

ورفض مكتب الخارجية البريطاني، الذي يتعامل مع الاستفسارات الإعلامية الخاصة بـ"إم أي 6"، طلب "بلومبرغ" للتعليق.  

تصنيفات