هل انتهت آمال دول غرب البلقان في اللحاق بقطار الاتحاد الأوروبي؟

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين خلال مؤتمر صحافي في بروكسل - 11 يناير 2022 - AFP
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين خلال مؤتمر صحافي في بروكسل - 11 يناير 2022 - AFP
دبي-الشرق

هل لا يزال انضمام دول غرب البلقان إلى الاتحاد الأوروبي هدفاً واقعياً؟. هذا التساؤل الذي أثاره تقرير نشره مؤخراً الاتحاد، وكشف عن تحقيق تقدم محدود في مساعي 6 دول في شرق القارة الأوروبية لتنفيذ شروط وضعها التكتل للسماح بالانضمام إليه، على الرغم من إنفاق بروكسل نحو 700 مليون يورو لدعم تلك الدول، خلال الفترة بين 2014 و2020.

وتركز الإنفاق في مجالات الإصلاح القضائي ومكافحة الفساد وتطوير البنية التحتية، وذلك عبر منح وتسهيلات تمويلية بالتعاون مع مؤسسات مالية أوروبية ودولية. لكن التقرير الأوروبي أكد أن تأثير ذلك الإنفاق ضئيل، إذ لا تملك أي دولة جدولاً زمنياً واضحاً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك بسبب غياب الإرادة السياسية وفق التقرير.

ويهدف برنامج التمويل إلى مساعدة كلّ من ألبانيا وصربيا والبوسنة والهرسك والجبل الأسود وكوسوفو ومقدونيا الشمالية، على تحقيق الشروط التي وضعتها بروكسل للانضمام إلى التكتل الأوروبي.

ورأى جان بيار ميليلي الأكاديمي الفرنسي والباحث في العلاقات الدولية، أن انضمام دول غرب البلقان "محتوم"، لأن العالم يعيش عصر التكتلات الضخمة بوجود الصين وروسيا والولايات المتحدة، لكنه طالب بمراعاة خصوصية الوضع المحلي في كل دولة، مضيفاً أن ضمهم للتكتل الأوروبي سيعرقل عملياً اتخاذ القرار داخله.

وأضاف لبرنامج "الرابط" على قناة "الشرق"، أن التقرير يؤكد حاجة الاتحاد الأوروبي إلى "التروي وعدم التعجل" في ضم تلك البلدان الموجودة في "منطقة حساسة" من القارة الأوروبية، التي تعد مفترق طرق بين الشرق والغرب، إذ كانت تابعة عملياً للاتحاد السوفياتي في السابق، وقبل الحرب العالمية الأولى كانت جزءاً من الدولة العثمانية.

"جمود"

وأوضح الأكاديمي الفرنسي أن إنفاق 700 مليون يورو لمساعدة دول البلقان لا يعد رقماً كبيراً، بالنظر إلى ضخامة حجم الاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن تلك الدول تعاني من مشكلات داخلية وفساد قد يصرف أنظارها عن الأوضاع الإقليمية حولها.

من جانبه، قال الخبير الصربي في العلاقات الدولية ستيفان فلاتزيلييف، إنه لا يمكن القول إن المساعدات الأوروبية لدول البلقان فشلت، لأن أحوال تلك الدول ليست كما كانت في تسعينيات القرن الماضي.

ولفت إلى أن هناك "جموداً" في مساعي تحقيق شروط الانضمام للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن مشاكل داخلية في الاتحاد شغلته عن مساعي توسيع عضويته في السنوات الأخيرة، مثل أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد.

وأضاف الخبير الصربي لـ"الشرق" من بلجراد، أن لجوء دول البلقان إلى الصين وروسيا عوضاً عن الاتحاد الأوروبي، تعد فرضية لم تتحول لواقع، لأن الاتحاد الأوروبي هو المستثمر الأول حالياً في تلك الدول.

وأشار إلى أنه يجب التفرقة بين وضع كل دولة في الاقتراب من الانضمام للاتحاد الأوروبي، إذ أكد أن صربيا والجبل الأسود قد ينضمان في غضون 5 أو 10 سنوات إذا توفرت الإرادة السياسية، كما بذلت ألبانيا ومقدونيا الشمالية الكثير من الجهود لتحقيق شروط بروكسل. ورغم ذلك، قال الاتحاد الأوروبي إنهما يفتقران إلى الجدية اللازمة، في حين أن البوسنة والهرسك وكوسوفو متأخرتان بعض الشيء، وفق تعبيره. 

وأكد أن المسؤولية تقع على عاتق الطرفين. إذ إن الاتحاد شهد أزمة "بريكست"، ثم مشاكل مالية، صرفت نظره عن جهود التوسع، وعلى الجانب الآخر، فإن دول البلقان لديها مشاكل في نسب الفساد وغياب سيادة القانون، وتريد تلك الدول تصحيح تلك الأخطاء، وهذا يتطلب مزيداً من التشجيع من جانب الاتحاد الأوروبي. 

"تقريب المسافات"

ودعا الخبير الصربي إلى مناقشات حول كيفية تقريب المسافات بين دول غرب البلقان والاتحاد الأوروبي، في حين دعا الأكاديمي الفرنسي الاتحاد الأوروبي إلى فرض شروط أقسى على تلك الدول قبل متابعة عملية ضمها إلى الاتحاد.

بدوره، قال فلاتزيلييف إن على الاتحاد الأوروبي أن يكون أكثر نشاطاً في دول غرب البلقان، إذ إن المساعدات المالية ليست كافية، خصوصاً أن تلك الدول تحتاج إلى مزيد من تطوير في البنى التحتية والمساعدة في مكافحة جائحة كورونا، مضيفاً أن العمل على مكافحة الفساد أمر جيد، و"لكن الشعب يريد بناء المصانع وتحسين البنية التحتية".

ولفت إلى أن على بروكسل الانتباه إلى أن روسيا والصين دخلتا على خط المساهمة في التنمية بدول غرب البلقان، ودولة مثل صربيا تختار الأنسب لظروفها، مشيراً إلى استحواذ بلجراد على معظم التواجد الصيني في المنطقة، ولفت إلى أن بكين لا تضع شروطاً على التمويلات والمساعدات التي تقدمها.

وفي المقابل، حذر الأكاديمي الفرنسي من الاعتقاد بأن المساعدات الصينية "بلا ثمن"، مؤكداً أن ذلك الثمن قد يظهر في المستقبل. وأشار إلى أن التنافس بين الدول والتكتلات الكبرى أمر جيد، إذا كان في مصلحة دول غرب البلقان.

وبشأن المنافع المنتظرة من الانضمام للتكتل الأوروبي، قال الخبير الصربي، إن ذلك سيمنح دول البلقان النفاذ إلى أدوات تمويلية متاحة فقط لأعضاء الاتحاد الأوروبي، بجانب دخول منتجاتها السوق الأوروبية، كما ستزداد وتيرة العمل على حماية البيئة مع زيادة الاستثمارات الأوروبية في دول المنطقة.

أما ميليلي، فدعا إلى أن يفكر الاتحاد الأوروبي بإقامة سوق مشتركة مع دول غرب البلقان، وحذر من أنه في حال لم ينضموا للاتحاد الأوروبي، ستعمل الصين أو روسيا على استمالتهم تجاهها.