بعد ساعات قليلة من اقتحام أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترمب مبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن، الأربعاء، غرّد عضو مجلس الشيوخ السابق ديفيد جولي بأن ترمب "تم حظره من النشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنه لا يزال يملك الرموز النووية".
تفاعل العديد مع تغريدة جولي "الساخرة"، باعتبارها مجرد إشارة إلى إمكانية "تهور الرئيس ورغبته بالانتقام من خصومه"، إلا أن رسالة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، الجمعة، التي كشفت فيها تواصلها مع قيادة الجيش، للتأكد من أن "الرئيس ترمب لن يكون قادراً على استخدام الرموز النووية"، أعاد طرح المسألة بصورة جدية هذه المرة.
فما هي الرموز النووية؟ وما مقدار السلطة التي يملكها الرئيس الأميركي، لإصدار الأوامر بشن هجمات نووية؟
الحقيبة النووية
خلال تنقلات رئيس الولايات المتحدة، يظهر إلى جانبه ضابط يحمل حقيبة جلدية سوداء اللون، هي حقيبة الطوارئ الخاصة بالرئيس، وتحتوي على ما يحتاجه لتفعيل ضربة نووية.
وفي أعقاب أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، وفي خضم الحرب الباردة، تساءل الرئيس الأميركي آنذاك جون كينيدي: هل يمكنني إصدار تعليمات لشن ضربة نووية بشكل فوري؟ وكيف يمكن للشخص الذي يتلقى تعليماتي التحقق منها؟
ولحل هذه الإشكالية، أنشأ المسؤولون العسكريون حقيبة سُميت "كرة القدم النووية"، من شأنها أن تمنح الرئيس وسيلة لتلقي المعلومات بسرعة، والسماح بتنفيذ هجوم نووي.
وظهرت الحقيبة لأول مرة في يد ضابط عسكري في 10 مايو 1963، عندما كان الرئيس كينيدي في رحلة إلى ماساتشوستس، وحملت خطة الحرب النووية في ذلك الوقت رمز "Dropkick"، وهي كلمة يشير معناها إلى طريقة شائعة لركل الكرة، ومن هنا جاء لقب الحقيبة، التي لا تفارق الرئيس الأميركي أبداً.
وعلى عكس ما يعتقد البعض، لا تحتوي الحقيبة على أزرار تُتيح للرئيس إطلاق مئات الرؤوس النووية المنتشرة على صواريخ بالستية عابرة للقارات، وصواريخ بالستية تطلق من الغواصات، وقاذفات استراتيجية، بل كل ما تحويه، عبارة عن أدوات اتصال، ورموز، وخيارات للحرب النووية.
وفي 20 يناير 2017، وبعدما أدى ترمب اليمين الدستورية، تقدم العسكري الذي يحمل الحقيبة، وانتقل من جانب الرئيس السابق باراك أوباما إلى جانب الرئيس الحالي دونالد ترمب. ويتناوب عادة على حمل الحقيبة واحد من خمسة مساعدين عسكريين، يمثلون كل فرع من فروع الجيش الأميركي.
لكن ترمب قال إنه لن يشارك في حفل تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، يوم 20 يناير الجاري، ما قد يعقد عملية نقل الحقيبة. وصرح البنتاغون لموقع "بزنس إنسايدر"، أن هناك خطة مجهزة لهذا السيناريو، لكنه لم يكشف تفاصيلها.
يوم تنصيب بايدن
وقال ستيفن شوارتز، وهو باحث في نشرة "علماء الذرة"، أجرى أبحاثاً عدة حول "كرة القدم النووية"، إن لدى "البنتاغون 3 حقائب للطوارئ على الأقل، للرئيس، ونائب الرئيس، وثالثة احتياطية في البيت الأبيض، لشخصية مُحددة مسبقاً، في حال وقوع حادث طارئ للرئيس ونائبه".
ورجّح شوارتز احتمال أن يجهز البنتاغون، في حالة غياب ترمب عن حفل التنصيب، حقيبة أخرى لتسليمها لبايدن بمجرد أدائه لليمين الدستورية، وفي تلك اللحظة ستنتهي سلطة ترمب في القيادة والسيطرة النووية.
في حين توقع هانز كريستنسن، خبير الأسلحة النووية، أن تشبه خطة البنتاغون المُفترضة، الخطط الموضوعة للحالات التي يموت فيها الرئيس فجأة، أو أن يُصبح عاجزاً، إذ تنتقل سلطة القيادة والسيطرة النووية وجميع المعدات المصاحبة على الفور إلى نائب الرئيس.
"رموز الذهب"
وفقاً لكتاب "Breaking Cover" الذي نشره المدير السابق للمكتب العسكري للبيت الأبيض، بيل غولي، في عام 1980، تحوي الحقيبة الجلدية التي يبلغ وزنها 20 كيلوغراماً، مجموعة من الأدوات والملفات التي تساعد على سرعة اتخاذ قرار شن هجمات نووية، وهي: خيارات الرد، والمواقع التي يُمكن قصفها، ووصف لإجراءات نظام الطوارئ، وبطاقة تحمل الرموز النووية.
ورغم أن القانون الأميركي يمنح الرئيس سلطة حصرية لشن ضربة نووية، لكن إعطاء الأمر يحتاج إلى رموز تحديد الهوية، للتأكد من أنه هو الذي يعطي هذا الأمر، ويُطلق عليها "رموز الذهب"، وهي عبارة عن أرقام وحروف يتم وضعها على بطاقة تُسمى "بسكويت"، وهي منفصلة عن الحقيبة النووية، يحتفظ بها الرئيس الأميركي طوال الوقت.
مراحل إصدار الأمر
وفي تقرير لوكالة "بلومبرغ"، ُنشر في عام 2017، قال الخبير في الأمن النووي بجامعة برينستون، بروس جي بلير، إن "الرئيس الأميركي، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، وفق المادة الثانية من الدستور، لديه وحده السلطة لاستخدام الأسلحة النووية".
لكن قبل الشروع بالأمر العسكري، على الرئيس عقد اجتماع مع المستشارين العسكريين والمدنيين في البيت الأبيض، لبحث خيارات الهجوم النووي، لكن في حال كانت صواريخ العدو تتجه نحو الولايات المتحدة، يمكن أن تستمر المشاورات 30 ثانية فقط عبر الهاتف، وفي الحالات الأخرى الأقل خطورة، قد يحاول بعض المستشارين تغيير رأي الرئيس أو الاستقالة احتجاجاً، لكن في النهاية، يجب على البنتاغون الامتثال لأمر القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وتمنح الحقيبة النووية الرئيس الأميركي إمكانية اتخاذ القرارات أينما كان، إذ في ظل وجود خطة طوارئ كاملة متوفرة في الحقيبة للحالات النووية، لا يحتاج بالضرورة إلى التواجد الفوري مع قادة الجيش، إذ يمكنه إجراء الاتصالات من خلال خط ساخن، خاضع لإجراءات حماية شديدة.
التأكد من هوية الرئيس
ولكي يمضي الرئيس في خياره النووي، سيكون عليه الاجتماع بكبار القادة في البنتاغون، وهناك يجب على وزير الدفاع الأميركي، المصادقة رسمياً على أن الشخص الذي يأمر بالضربة هو الرئيس بالفعل، ويقتصر دوره على تأكيد هوية الرئيس، من دون أن يكون له حق الاعتراض على القرار.
والرموز التي يستخدمها الرئيس الأميركي، ليست خاصة بإطلاق الصواريخ فعلياً، لكنها تسمح له بإثبات أنه مخول بطلب الإطلاق، ويتم تحديث هذه الرموز بشكل يومي، وبمجرد أن يقدمها الرئيس بشكل متطابق، لا أحد لديه السلطة لإيقاف العملية.
وتقوم غرفة العمليات بإعداد أمر الإطلاق، وهي رسالة تحتوي على خطة الحرب المختارة، والوقت المناسب، والرموز اللازمة لفتح الصواريخ قبل إطلاقها، وتتألف هذه الرموز من حوالى 150 حرفاً فقط، وهكذا تكتمل عملية إعطاء الأمر للقوات التي حددها الرئيس، والموكلة بإطلاق السلاح النووي.
ويقول بروس جي بلير: "عندما يتخذ الرئيس قراره، قد يعترض شخص مثل قائد الأسلحة الاستراتيجية، ويشير للرئيس إلى وجود خيارات أخرى غير نووية للتعامل مع ذلك الخطر، وعلاوة على ذلك فإن الخيار النووي هو خرق لقانون الحرب في ظل الظرف الحالي".
لكنه يستدرك: "بإمكان الرئيس تجاهل النصيحة، والإصرار على تنفيذ قراره. ولكن إذا لم يستجب الرئيس سينفذ القادة العسكريون أمره".
رؤساء فقدوا الرموز النووية
في صيف عام 1974، خلال الأيام الأخيرة من رئاسة ريتشارد نيكسون، عندما كان مكتئباً ومدمناً على الكحول، تسربت أخبار بأنه ذكر في أحد اجتماعات الكونغرس، أن بإمكانه في غضون 25 دقيقة، التسبب بموت ملايين الأشخاص، في إشارة إلى صلاحية إصدار قرار بالهجوم النووي.
وفي ضوء ذلك التسريب، حذر السيناتور آلان كرانستون مصدوماً وزير الدفاع حينها جيمس شليزنجر، من "الحاجة إلى منع رئيس هائج من إغراقنا في محرقة". رداً على ذلك، زُعم أن وزير الدفاع جيمس شليزنجر، أمر كبار القادة العسكريين بالعودة إليه، أو إلى وزير الخارجية هنري كسينجر، إذا ما اتخذ الرئيس قراراً مشابهاً.
وخلال ولايته بين عامي 1977 حتى 1981، نسي الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر بطاقة الرموز في جيب سترة بدلته التي أرسلها إلى الغسيل، وبعد محاولة اغتيال الرئيس رونالد ريغان عام 1981، أُلقيت بطاقة الرموز الخاصة به في سلة مهملات بمستشفى جامعة جورج واشنطن، عندما جرده الطاقم الطبي من ملابسه، قبل أن يستعيدها مكتب التحقيقات الفيدرالي لاحقاً.
أما الرئيس الأسبق بيل كلينتون، فقد ذهب أبعد من سابقيه، إذ فقد البطاقة المعروفة بـ"بسكويت" لأشهر عدة.
وخلال زيارة الرئيس دونالد ترمب إلى الصين في عام 2017، حاول المسؤولون الصينيون منع المساعد العسكري الذي كان يحمل حقيبة الطوارئ النووية، من الدخول إلى قاعة كبار الزوار في بكين، لكن تم تسوية الوضع بسرعة.
واليوم بينما يعيش ترمب أيامه الأخيرة في البيت الأبيض، يدق بعض السياسيين ناقوس الخطر من احتمال إقدامه على عمل متهور، مستغلاً الصلاحيات الواسعة التي يمنحها له الدستور، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية، لكن البعض يُقلل من أهمية تلك المخاوف، باعتبارها ان أصحابها من خصوم ترمب التقليديين.