أوكرانيا.. كيف تحوّلت خاركيف الناطقة بالروسية إلى معقل لمواجهة موسكو؟

جنود احتياط من قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية يستمعون إلى تعليمات خلال تدريب خارج خاركيف - 11 ديسمبر 2021 - REUTERS
جنود احتياط من قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية يستمعون إلى تعليمات خلال تدريب خارج خاركيف - 11 ديسمبر 2021 - REUTERS
دبي- الشرق

خلال التدخل العسكري الروسي في شرق أوكرانيا، عام 2014، كاد الانفصاليون الموالون لموسكو يسيطرون على مدينة خاركيف، التي يقطنها ناطقون بالروسية، وكانت تُعتبر ممالئة لموسكو. لكنها الآن تستعد لمواجهة أي هجوم تشنّه الأخيرة.

استولى آنذاك الانفصاليون على مقرّ الحكومة الإقليمية في خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا، ورفعوا علماً روسياً على سطحه وأعلنوا جمهورية انفصالية لم تدم طويلاً، كما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وأضافت أن المشاعر المؤيّدة لروسيا كانت شديدة آنذاك، في المدينة الصناعية التي يقطنها 1.4 مليون شخص. لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أشار إلى خاركيف بوصفها هدفاً محتملاً لغزو تنفذه موسكو، بعدما حشدت أكثر من 100 ألف جندي على حدود بلاده أخيراً.

وقال زيلينسكي لصحيفة "واشنطن بوست": "من الناحية الواقعية، إذا قررت روسيا تعزيز تصعيدها، فستفعل ذلك طبعاً في المناطق التي يقيم فيها تاريخياً أشخاص لديهم روابط عائلية مع روسيا. يمكن احتلال خاركيف، التي تخضع لسيطرة الحكومة الأوكرانية".

يرفع علماً روسياً على مقرّ الحكومة الإقليمية في خاركيف - 1 مارس 2014 - REUTERS
يرفع علماً روسياً على مقرّ الحكومة الإقليمية في خاركيف - 1 مارس 2014 - REUTERS

"لن نتنازل عن خاركيف لأحد"

وذكرت "وول ستريت جورنال" أن مشاعر سكان المدينة باتت مناهضة للكرملين بشكل كبير، مرجّحة أن تواجه أي عملية عسكرية لموسكو في خاركيف، مقاومة ضخمة من المدنيين، علماً أنهم يتحدثون غالباً اللغة الروسية.

وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن الكرملين يحاول استغلال عملية الشدّ والجذب بين شرق أوكرانيا وغربها، متهمة حكومة كييف بقمع الناطقين بالروسية. واستدركت أن كثيرين في خاركيف اعترضوا بشدة على تصريحات زيلينسكي بشأن احتمال أن تستهدف موسكو المدينة.

وأضافت أن سكان خاركيف ربما لا يشعرون بالمقدار ذاته من الاستياء إزاء روسيا، مثل أجزاء أخرى من أوكرانيا. لكن المشاعر المؤيّدة لروسيا، منذ عام 2014، تبدّدت بشكل كبير.

وقال رئيس بلدية خاركيف، إيجور تيريكوف: "الناس هنا يحبون أوكرانيا، لأن الأوكرانيين يقيمون هنا. نحن نتحدث الروسية. إذا سألتني عمّا إذا كان مواطنو خاركيف يريدون لأوكرانيا أن تكون صديقة لروسيا، فإن الإجابة هي نعم بالتأكيد. ولكن هل يريدون الحرب؟ قطعاً لا. هل يريدون لنا أن نكون جزءاً من روسيا؟ بالطبع لا. لن نتنازل عن خاركيف لأحد. سنقف كتفاً بكتف للدفاع عنها".

"لماذا يشنّ بوتين هجوماً؟"

يروي جاملت زينكيفسكي، وهو فنان بارز وُلد في خاركيف، أنه أراد مغادرة المدينة، بعدما سيطر عليها موالون لموسكو، في عام 2014، واحتلوا مقرّ الحكومة، معلنين "جمهورية خاركيف الشعبية"، كما حصل في دونيتسك ولوجانسك بمنطقة دونباس.

لكن الصراع تلاشى في المدينة، التي بقيت تحت سيطرة قوات الحكومة الأوكرانية، كما استضافت عشرات من اللاجئين الفارين من القتال في دونباس.

واعتبر زينكيفسكي أن محنة هؤلاء اللاجئين، والوضع في المناطق الانفصالية، ساهما في تبديل مواقف سكان خاركيف. وقال: "اعتاد بعض الناس على الاعتقاد بأن دونيتسك ستتحوّل إلى دونيتسك سيتي، مع ناطحات سحاب، وأن يحلم سكان نيويورك بالانتقال إلى دونباس. هذا لم يحدث، بعبارة ملطّفة. وأدرك هؤلاء أنهم لا يريدون أن يحدث الأمر ذاته في خاركيف".

جنود احتياط من قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية يتدربون خارج خاركيف - 11 ديسمبر 2021 - REUTERS
جنود احتياط من قوات الدفاع الإقليمية الأوكرانية يتدربون خارج خاركيف - 11 ديسمبر 2021 - REUTERS

في مخيّم للاجئين الفارين من دونباس، يبعد نصف ساعة عن وسط خاركيف، يثير الحديث عن غزو روسي مخاوف بعضهم. وقالت مارينا كيربابا: "عانينا هذا الأمر سابقاً. مَن يعلم ماذا يدور في رأس (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين. لا أعرف لماذا يشنّ هجوماً؟ لماذا؟".

أما ميخائيل فوكيف (77 سنة)، فأكد أن سكان خاركيف "لا يشعرون بأي عداء إزاء الروس، فنحن روس أيضاً، ولدينا أقارب كثيرون هناك". وعندما سُئل عمّا سيفعله إذا دخل الجيش الروسي المدينة، أجاب أنه سيتجه غرباً إلى داخل أوكرانيا، متسائلاً: "ماذا يمكننا أن نفعل؟".

"إنها أرضنا"

شُكّل لواء في خاركيف أخيراً، في إطار قوة عسكرية ستدافع عن المدينة ضد غزو محتمل. كما تشكّل السلطات لواءً آخر في خاركيف، لضمّ متطوّعين بعد استكمال عديد اللواء الأول.

وقال ميخايلو سوكولوف، أبرز ضباط الصف في اللواء الأول: "إن كل شريحة من المجتمع تطلب الانضمام (إلى اللواء)، من علماء الفيزياء النووية إلى موظفي المتاجر والمهندسين والطلاب. سندافع جميعاً عن منازلنا وزوجاتنا وأطفالنا... (حاملين) السلاح في أيدينا. إذا حاول الطيران (الروسي) تدميرنا من الجوّ، فسنحفر للقتال من تحت الأرض. إلى أين يمكن أن نتراجع؟ لا مكان نذهب إليه. إنها أرضنا".

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن سكان خاركيف يدركون ما حدث في دونيتسك ولوغانسك، بعد عام 2014، إذ تقلّص الاقتصاد، وصادرت الميليشيات الموالية لموسكو شركات ومنازل وسيارات. كذلك أُطلقت النار على أشخاص يُشتبه في تعاطفهم مع كييف، أو سُجنوا. كما أن معظم السكان القادرين على تحمّل نفقات الفرار، فعلوا ذلك إلى الأجزاء التي تسيطر عليها الحكومة في أوكرانيا، لا سيّما إلى خاركيف، أو إلى روسيا.

حتى الساسة الموالون تقليدياً لموسكو في خاركيف، يعترفون بذلك. وقال سيرجي جلادكوسكوك، الذي يرأس "منصة المعارضة من أجل الحياة"، أبرز الأحزاب الموالية لروسيا في برلمان خاركيف: "لم يعد هناك حمقى بعد الآن. الناس يرون أن الأمور سيئة في دونيتسك ولوغانسك، وجيدة هنا. إنهم يخوضون حرباً هناك ولدينا سلام وهدوء هنا".

جندي أوكراني خلال تدريبات عسكرية في خاركيف - 20 ديسمبر 2021 - REUTERS
جندي أوكراني خلال تدريبات عسكرية في خاركيف - 20 ديسمبر 2021 - REUTERS

عاصمة لأوكرانيا السوفيتية

لخاركيف مكانة خاصة في تاريخ أوكرانيا، إذ اختارها السوفيات لتكون عاصمة للجمهورية السوفياتية الأوكرانية، بعد قمعهم أوكرانيا المستقلة قبل أكثر من قرن، قبل أن تعود إلى كييف في عام 1934، بحسب "وول ستريت جورنال".

ويلفت أولكسندر بوبوف، الذي يمتلك مصنعاً لبنادق الصيد، وشبكة من نوادي اللياقة البدنية وشركة أمنية في خاركيف، إلى أن "مواقف رجال الأعمال المحليين إزاء روسيا سلبية غالباً الآن"، وزاد: "خسرنا الكثير من هذا الصراع".

بعد الإطاحة به إثر احتجاجات في كييف، في فبراير 2014، سافر الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، المدعوم من روسيا، إلى خاركيف حيث عُقد مؤتمر حضره ساسة موالون لموسكو ومسؤولون منتخبون من شرق أوكرانيا وجنوبها. وبعد إقامته في المدينة لفترة وجيزة، توجّه يانوكوفيتش إلى شبه جزيرة القرم ثم فرّ إلى روسيا.

يُقدّر كوستيانتين نيميشيف، الذي يرأس لجنة دفاع تجمع جماعات موالية لأوكرانيا في خاركيف، ويقود فرعاً محلياً لحزب يميني متطرف، أن حوالى 30٪ من سكان المدينة كانوا مؤيّدين للدولة الأوكرانية. واستدرك أن هذا الرقم ارتفع الآن إلى نحو 70٪، مضيفاً أن 25%، معظمهم مسنّون، ما زالوا يشعرون بالحنين إلى الاتحاد السوفياتي، فيما يدعم 5٪ بوتين.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات