طلبت إسرائيل من عشرات الدول الحليفة لها الضغط على المحكمة الجنائية الدولية ومدعيتها العامة فاتو بنسودا، لحثها على عدم المضي قدماً بفتح التحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبتها تل أبيب في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها منذ عام 1967.
وكانت المحكمة قررت، الجمعة، أن غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية تقع ضمن اختصاصها القضائي، ما يمهّد الطريق لمدعيتها العامة أن تفتح تحقيقات بشأن ارتكاب جرائم حرب في تلك المناطق.
وتتخوف إسرائيل من أن يؤدي تحقيق المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار أوامر اعتقال دولية ضد مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين.
برقية سرية
ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن مسؤولين إسرائيليين أن وزارة الخارجية الإسرائيلية بعثت، الأحد، "برقية سرية" إلى سفرائها في عشرات الدولة الصديقة، تتضمن تعليمات للبدء بجهود دبلوماسية للضغط ضد التحقيق في جرائم الحرب داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال أحد المسؤولين لـ"أكسيوس" إن البرقية، التي كانت موسومة بـ"عاجل جداً"، تم إرفاقها أيضاً بتعليمات الحفاظ على سريتها، إذ طُلب من السفراء القدوم إلى مكاتبهم يوم الأحد (وهو يوم العطلة الأسبوعي في الدول التي يشتغلون فيها).
وطُلب في البرقية من سفراء إسرائيل التواصل مع وزراء خارجية ورؤساء حكومات البلدان التي يوجدون فيها، ومطالبتهم بإصدار تصريحات رسمية تعارض رغبة المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في فتح التحقيق.
ورقة الحل السياسي
وأوصت البرقية السرية السفراء بإقناع حكومات الدول الصديقة لإسرائيل، بوضع ضغوط سياسية على المدعية العامة فاتو بنسودا.
وجاء في البرقية: "سنطلب من الحكومات أن تبعث رسائل سرية إلى المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، تطلب منها عدم المضي قدماً في التحقيق ضد إسرائيل وعدم إعطاء القضية أولوية كبيرة".
وأضافت: "أنتم (السفراء) مطالبون بإخبار المسؤولين الساميين في الحكومات إنه في حال الشروع في التحقيق ضد إسرائيل فقد يخلق ذلك توتراً مستمراً بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية من شأنه أن يمنع حدوث أي تطور دبلوماسي في الحوار بين الطرفين".
وأورد موقع "أكسيوس" أنه من المرتقب أن يبعث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسائل إلى قادة عشرات الدول الصديقة في العالم من أجل حشد دعمهم في مواجهة شبح التحقيق الدولي.
تفاعل دولي
وتفاعلت كل من الولايات المتحدة وأستراليا مع طلب إسرائيل للضغط على قرار المحكمة الجنائية الدولية، وفقاً لـ"أكسيوس".
وأعربت الولايات المتحدة وهي ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية عن "قلقها العميق" حيال قرار المحكمة بشمول اختصاصها للأراضي الفلسطينية المحتلة.
وصرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، الجمعة، قائلاً: "نحن قلقون بشدة لمحاولات المحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها على العسكريين الإسرائيليين. لقد تبنينا دائماً موقفاً مفاده أن اختصاص المحكمة يجب أن يشمل حصراً البلدان التي تقبله أو (القضايا) التي يحيلها مجلس الأمن الدولي للمحكمة".
من جانبها، عارضت الخارجية الأسترالية، في بيان الأحد، قرار المحكمة الجنائية الدولية وعبرت عن "مخاوف عميقة" من تداعياته.
وبالمقابل، رحبت القيادة الفلسطينية، في وقت سابق، بقرار المحكمة الجنائية الدولية، وقال رئيس الوزراء، محمد اشتية، بعد صدور القرار إنه "انتصار للعدالة".
واعتبر وزير الخارجية والمغتربين الفلسطيني، رياض المالكي، أن هذا القرار "يُبرهن على استقلالية المحكمة ونزاهتها في ظل حملة التشويه التي أدارتها إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال".
الموقف الإسرائيلي
وأعلن المجلس الوزاري لشؤون الأمن القومي الإسرائيلي، الأحد، "رفضه القاطع" لقرار المحكمة الجنائية الدولية.
وقال المجلس المعروف باسم "الكابينت السياسي والأمني"، في بيان، إنه يرفض "القرار المشين" الذي اعتمدته المحكمة الجنائية الدولية، معتبراً أن المحكمة لا تملك الصلاحية لإصدار مثل هذا القرار، نظراً إلى كون إسرائيل ليست عضواً في المحكمة، و"السلطة الفلسطينية لا تتمتع بمكانة دولة"، وفق البيان ذاته.
ورغم أن إسرائيل لم تنضم إلى المحكمة الدولية التي تأسست عام 2000، ولا تعترف بقراراتها، غير أن "الكابينت"، أشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تشكلت "من أجل منع وقوع فظائع مثل تلك التي ارتكبها النازيون بحق الشعب اليهودي، لكنها خلافاً لذلك، تلاحق دولة الشعب اليهودي".
ويزعم بيان "الكابينت" أن "إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط الملتزمة بحكم القانون"، ويضيف "في الوقت الذي تسمح المحكمة بالتحقيق مع إسرائيل، تغمض أعينها عن جرائم الحرب الفظيعة التي ترتكبها دول ديكتاتورية مظلمة مثل إيران وسوريا يوماً بعد الآخر".
وتابع: "الادعاء أن عيش اليهود في وطنهم وعاصمتهم أورشليم يشكل جريمة حرب هو ادعاء مشين. إن الادعاء أن جيش الدفاع الإسرائيلي - أكثر جيوش العالم أخلاقيةة- يرتكب جرائم حرب حينما يدافع عنّا إزاء الإرهابيين الذي يطلقون الصواريخ على مدننا، ليس أقل شناعة".
وجدد "الكابينت" الإسرائيلي ادعاءات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن "قرار القضاة يكشف عن كون المحكمة هيئة مسيسة، تقف في صف واحد مع منظمات دولية تعمل بناءً على دوافع معادية للسامية".
وأشار إلى أنه كلّف الجهات المعنية في إسرائيل باتخاذ الخطوات المطلوبة من أجل "صون مصالح الدولة والدفاع عن مواطنيها وجنودها".
ماذا يعني قرار المحكمة؟
وقررت المحكمة الجنائية الدولية، الجمعة، وقوع الأراضي الفلسطينية ضمن اختصاصها القضائي، ما يمهّد الطريق لمدعيتها العامة أن تفتح تحقيقات بشأن ارتكاب جرائم حرب في تلك المناطق.
وأفاد بيان صادر عن المحكمة بأن قرارها الصادر بالأغلبية، يؤكد أن اختصاصها القضائي الإقليمي في ما يتعلق بالوضع في فلسطين، الدولة المنضوية في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يمتد إلى الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وهي غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
وبحسب معهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، فإنه عندما تصبح الأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن دائرة اختصاص محكمة الجنايات الدولية، "فقد يجد مواطنون إسرائيليون أنفسهم في قفص الاتهام في لاهاي، ويُحتمل أن يشمل الأمر كبار السياسيين والضباط العسكريين".
وتأسست المحكمة الجنائية الدولية بموجب معاهدة "نظام روما الأساسي"، المبرمة في 1 يوليو عام 2002، لتشمل سلطتها "ممارسة الولاية القضائية على أشخاص متورطين بجرائم خطيرة تثير قلقاً دولياً"، على غرار ما يُسمى "جرائم الإبادة الجماعية"، و"الجرائم ضد الإنسانية" و"جرائم الحرب".
وفي عام 2000، وقّعت الولايات المتحدة وإسرائيل على النظام الأساسي للمحكمة، لكنهما لم تصادقا عليه، وبالتالي لن تكونا مقيّدتين بأي التزامات مترتبة على قراراتها، وبدون هذا التصديق، فإنهما ليستا طرفاً في المعاهدة.