بينما تشهد ليبيا أزمة سياسية معقدة إثر فشل إجراء الانتخابات الرئاسية في ديسمبر الماضي، استقبل الليبيون الذكرى الـ11 لثورتهم على نظام القذافي في 17 فبراير عام 2011، بين معسكرين، الأول يعتبرها "نكبة قادت إلى كارثة"، والثاني يراها "حدثاً أنهى الديكتاتورية".
وحلت ذكرى الثورة الليبية وسط احتقان سياسي وأمني بسبب الخلاف بين البرلمان وحكومة الدبيبة، ومخاوف من عودة صدام عسكري في قلب العاصمة طرابلس، بين الأذرع العسكرية المؤيدة لرئيس الوزراء المقال عبدالحميد الدبيبة وخلفه فتحي باشاغا.
وظهر أثر المشهد السياسي الليبي المرتبك في احتفالات "فاترة" بذكرى الثورة في عدد من المدن، مع بعض الأحداث المشحونة مثل طرد رئيس مجلس الدولة خالد المشري، من ساحة الاحتفال في مدينة الزاوية.
ولم يختلف حال الليبيين كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اتجه أنصار الثورة على القذافي إلى أن "ما يحدث طبيعي بسبب الهزة السياسية الشديدة التي شهدتها البلاد، وما يتبعها بالضرورة من ارتدادات كبيرة على كل المستويات".
واعتبروا أن "اقتلاع جذور النظام الشمولي الذي كان يقوده الرئيس الراحل معمر القذافي، احتاج حرباً شرسة ضد القوات العسكرية والأمنية للنظام، ما أدى إلى تفككها وانهيارها، وتسبب في فراغ أمني كبير ترك بصماته على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ليبيا".
مسؤولية القذافي
وقال الإعلامي الليبي أحمد الفيتوري لـ"الشرق"، إن الإحباط الشعبي نتيحة ما حدث بعد عقد على الثورة "أمر مفهوم، لكنه ليس مبرراً للحنين لعودة الديكتاتورية".
وأرجع الفيتوري سبب الأوضاع الليبية إلى "طريقة إدارة القذافي خلال 4 عقود كاملة، وتركه البلاد بلا مؤسسات حقيقية قادرة على حفظ بنيتها السياسية والاقتصادية من الانهيار"، بالإضافة إلى "ضعف الوعي وتدني الثقافة بين عموم الشعب".
وتابع الفيتوري الذي كان مذيعاً في إحدى قنوات الثورة عام 2011، أن "المشكلة الحقيقية التي قادتنا للنقطة الحالية كانت سرقة تيارات سياسية وشخصيات معينة لتضحيات الثورة، والقفز إلى قمة المشهد"، قائلاً إن "هؤلاء أشعلوا الخلاف السياسي بسبب صراعهم على السلطة".
وأضاف أن "الثورة ليست مسؤولة عن أفعال الانتهازيين الذين اختطفوها من أيدي أصحابها الحقيقيين".
"نكبة سياسية"
في المقابل، يرى الفريق الرافض للثورة أنها "نكبة قادت البلاد إلى أوضاع كارثية، لم تشهد لها مثيل منذ استقلالها عام 1951"، معتبرين أن ما يسوقه الثوار السابقين من آراء "غير مقنعة".
وقال المدرس إبراهيم أمزيكا، إن "نتائج أي تغيير سياسي هي التي تحكم عليه وتعطيه التوصيف الذي يستحقه"، مشيراً إلى أن "ما يحدث في ليبيا نكبة وضعتنا في دوامة لامخرج منها".
وأضاف أمزيكا أنه "بحسبة بسيطة لحصاد العقد الماضي، سنستطيع توصيف الأمر دون جهد كبير"، موضحاً أن "البلاد حالياً تواجه انقساماً سياسياً حاداً، والاقتصاد منهار، والبلاد مفلسة رغم كل الثروات التي تحويها، والحرب واردة".
ونبه أمزيكا إلى أن "الشروخ الاجتماعية التي تسببت بها الصراعات المسلحة تحتاج لعقود لإصلاحها"، معتبراً أن "السيادة الوطنية باتت مصطلحاً من الماضي لن نعرف معناه من جديد".
"لم تحقق أهدافها"
وحاول الباحث والأكاديمي الليبي فرج الجارح، الوقوف على مسافة محايدة بين الطرفين المتنازعين على سؤال كل عام "هل تستحق ثورة فبراير الاحتفال بها أم لا؟".
وأفاد الجارح لـ"الشرق"، بأن "كلا الفريقين مُحِق في جزء كبير مما يطرحه، لكن الحقيقة التي لايمكن التغافل عنها، أن ثورة فبراير لم تحقق ولو جزء يسير من أهدافها التي نادت بها عند خروج الجموع للشارع، وهي العدالة والحرية والتنمية".
ورأى الجارح أن "سبب الإخفاقات الرئيسي طيلة العقد الماضي تتحمل مسؤوليته السلطة التأسيسية، ممثلة في المجلس الانتقالي وقتها"، منبهاً لأنه "ارتكب أخطاء كارثية كانت مقدمة للنتائج السيئة التي وصلت معها البلاد حالياً إلى نفق مسدود وأزمة سياسية حادة واقتصادية خانقة".
وأوضح الجارح أن هذه الأخطاء "بدأت عند السماح بفتح الباب للتنافس على السلطة بشكل متعجل، بعد عام واحد من الثورة، قبل إعادة تأسيس الدولة التي انهارت تماماً وقتها".
واعتبر أن الاستعجال سبب حالة من التدافع السياسي غير المحكوم بتشريعات واضحة ومرجعية دستورية تفصل بين المتزاحمين على السلطة، ما تسبب في احتكامهم للسلاح، واندلاع النزاعات الدامية.
قوى خارجية
بدوره علّق الصحافي الليبي هشام بن صريتي على إدراج اسم سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس السابق، ضمن قوائم المرشحين في الانتخابات الرئاسية الليبية التي لم تكتمل، قائلاً إن "عودة ابن القذافي لحكم البلاد أو أحد رموز نظام والده أمر مستبعد".
وأوضح أنه "لن يتم السماح بذلك من قِبل المعسكر الغربي، الذي يرفض رغبة روسية لإعادته (القذاقي) إلى سدة الحكم"، منبهاً أنه "للأسف تصدر القرارات النهائية التي تتحكم في مسارات الأزمة الليبية حالياً من عواصم خارجية".
ورأى بن صريتي، أن "دولاً خارجية تعيد حالياً ترتيب المشهد السياسي الليبي قبل الانتخابات"، رغبةً في إزاحة بعض الأسماء من المشهد، وفي مقدمتها سيف الإسلام القذافي، بسبب مساهمتها في إسقاط نظام والده.