غزو أوكرانيا يثير "صراع أجيال" لدى الناطقين بالروسية في لاتفيا

تظاهرة مناهضة للغزو الروسي لأوكرانيا في ريجا عاصمة لاتفيا  - wsj.com
تظاهرة مناهضة للغزو الروسي لأوكرانيا في ريجا عاصمة لاتفيا - wsj.com
دبي- الشرق

اعتقد الكرملين طيلة سنوات أن لديه موطئ قدم في دول البلطيق التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي. وذكر مسؤولون أمنيون أن أعداداً ضخمة من الناطقين بالروسية في تلك الدول، أتاحوا لروسيا وسيلة للتأثير في الرأي العام وتقويض توسّع الغرب نحو حدودها، كما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".

وأشارت الصحيفة إلى "اختبار تلك الولاءات القديمة"، معتبرة أن الغزو الروسي لأوكرانيا كشف انقسامات بين الأجيال. ففي لاتفيا، يقول كثيرون من الشبّان من أصل روسي إنهم يحاولون تجنّب الحديث عن الحرب مع الأفراد المسنّين في العائلة، خشية أن يؤدي ذلك إلى المسّ بعلاقاتهم.

وقالت صوفيا دوبوفا، وهي بائعة فاكهة عمرها 16 سنة في سوق مركزية بالعاصمة ريجا: "أحاول تجنّب الموضوع".

وأضافت أن والديها تابعا وسائل الإعلام الحكومية الروسية، إلى حين حظرها، مشيرة إلى أنها تتابع الأخبار من مواطنين وصحافيين أوكرانيين على تطبيق "تليجرام"، علماً أن لاتفيا حجبت نحو 100 شبكة تلفزة وموقع إلكتروني روسي، منذ بدء الغزو الشهر الماضي، واعتقلت 5 ناشطين على الأقلّ هذا الشهر، للاشتباه بتعاطفهم مع موسكو.

تغيير ذهنية المسنّين

ويحاول شبّان آخرون تغيير ذهنية الجيل الأكبر سناً، من خلال إطلاعهم بلطف على معلومات لا تأتي من موسكو.

وتدير الصحافية آنا ليتلاند جريجوريفا، وزوجها أرتورس، وهو مهندس، قناة على موقع "يوتيوب" تجري عبرها مقابلات مع خبراء بشأن الحرب، باللغة الروسية. وتطرّق الزوجان بعناية إلى ملف الحرب، مع والدَي آنا في روسيا، ووالدَي أرتورس في ريجا.

وقالت ليتلاند جريجوريفا: "من المهم التحدث إليهم من دون افتئات. نحاول مساعدة الناس على إيجاد طريقهم الخاص إلى الحقيقة"، علماً أنها وُلدت في روسيا وكانت من أنصار الرئيس فلاديمير بوتين، عندما وصلت إلى لاتفيا في عام 2017، قبل أن تبدّل رأيها.

ينتظرون قرب بوابة بوراشكي الحدودية الروسية للعبور إلى تيريهوفا في لاتفيا - 4 مارس 2022 - REUTERS
ينتظرون قرب بوابة بوراشكي الحدودية الروسية للعبور إلى تيريهوفا في لاتفيا - 4 مارس 2022 - REUTERS

انفصاليون في لاتفيا وإستونيا؟

وأفاد تقرير أصدره معهد راند" الأميركي في عام 2017، بأن موسكو قد تحاول حشد جماعات موالية لها في لاتفيا وإستونيا، لإعلان الاستقلال عن هاتين الدولتين ودعوة القوات الروسية لضم تلك الأراضي، كما فعل الانفصاليون المؤيّدون لروسيا في إقليم دونباس الأوكراني، خلال عام 2014.

وقال جانيس كازوسينز مستشار الأمن القومي لرئيس لاتفيا إيجلز ليفيتس: "القيادة في الكرملين تريد بشدة استخدام الأقليات الناطقة باللغة الروسية خارج روسيا، لتحقيق أهدافها السياسية. إنها طريقة لإضعاف الدولة، من خلال إثارة انقسامات في المجتمع".

في السياق ذاته اعتبر نورموندز ميزفيتس المدير العام لوكالة الاستخبارات الداخلية في لاتفيا، أن موسكو تستهدف إبعاد لاتفيا تدريجياً عن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو".

وقال: "الهدف العام لنشاطات الدعاية الروسية يتمثل في تأمين دعم لرؤية الكرملين للعالم، وتقويض الثقة بدولة لاتفيا".

"تهميش" الروس في لاتفيا

وثمة جيوب داعمة لروسيا في دول أوروبية أخرى، على أساس اللغة أو الروابط الدينية والثقافية. ففي مولدوفا، تنتشر قوات روسية إلى جانب انفصاليين موالين لموسكو، في إقليم ترانسنيستريا الانفصالي، المتاخم لأوكرانيا.

وفي صربيا التي تعرّضت لقصف من "الناتو" أثناء حرب كوسوفو، نظم متظاهرون احتجاجات مؤيّدة لبوتين، بحسب "وول ستريت جورنال".

وتتعمّق الخلافات في لاتفيا حيث يتحدث 37٪ من السكان اللغة الروسية، بما في ذلك نصف العاصمة ريجا، كما أن 25٪ من السكان من أصل روسي.

ويشعر كثيرون منهم بغربة وتهميش، نتيجة دعوات مناهضة لإدراج الروسية بوصفها لغة رسمية، كما أن استخدام هذه اللغة في المدارس يشكّل عقبة سياسية، وتسعى أحزاب قومية إلى حظرها تماماً.

وقال سيرجي وهو ناطق بالروسية ورسام كاريكاتور متقاعد في ريجا: "ليست لدينا حقوق. هل هذه ديمقراطية؟".

جنود أميركيون على مدرج مطار ريجا الدولي لدى وصولهم إلى لاتفيا - 24 فبراير 2022 - REUTERS
جنود أميركيون على مدرج مطار ريجا الدولي لدى وصولهم إلى لاتفيا - 24 فبراير 2022 - REUTERS

وبعد نيل لاتفيا استقلالها في عام 1991، بقي فيها كثيرون من الروس والبيلاروسيين والأوكرانيين وأعراق أخرى.

واعتبرت إليزابيت كريفكوفا، وهي محامية في ريجا تركّز على حقوق الأقليات، أن مئات الآلاف منهم باتوا مواطنين من الدرجة الثانية، في عام 1995.

وأدرج قانون جديد وضع غير المواطنين على الأقليات العرقية من الاتحاد السوفياتي، الذين لم يكن أسلافهم يحملون الجنسية منذ بدايات الاستقلال في لاتفيا، بين عامَي 1918 إلى 1940.

ولا يمكن لغير المواطنين التصويت أو العمل كموظفين مدنيين، أو في الشرطة أو ممارسة القانون. ويتطلّب اكتساب الجنسية اجتياز اختبار صعب للغة، علماً أن حوالى 10٪ من سكان لاتفيا لا يزالون من غير المواطنين، وفقاً لـ"مكتب لاتفيا لشؤون المواطنة والهجرة".

"مصدر هويتهم الجماعية"

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مارتينز كابرانز وهو خبير في شؤون الأقليات الناطقة بالروسية في دول ما بعد الاتحاد السوفياتي بجامعة لاتفيا، إن لدى كثيرين من المتحدثين بالروسية آراء اجتماعية مؤيّدة لأوروبا، مستدركاً أنهم يميلون إلى الكرملين في ما يتعلّق بالملفات الجيوسياسية.

لكن الحرب في أوكرانيا يمكن أن تبدّل وجهات نظر الناطقين بالروسية، ما يضعف نفوذ موسكو في المجتمع.

وقال كابرانز: "هذه نقطة تحوّل وجودية لللاتفيين الناطقين بالروسية. روسيا هي مصدر هويتهم الجماعية ولغتهم، وسيكون صعباً جداً الحفاظ على صورة روسيا بوصفها دولة مسالمة".

وأدانت الأحزاب السياسية الموالية تقليدياً لموسكو غزو أوكرانيا، لكن استطلاعاً مستقلاً للرأي أعدّه تلفزيون لاتفيا هذا الشهر، أظهر أن 22٪ فقط من المتحدثين بالروسية يؤيّدون أوكرانيا في الحرب الحالية، مقارنة بـ90٪ من اللاتفيين.

وأيّد حوالى 21٪ من المتحدثين بالروسية موسكو، فيما رفض 57٪ الانحياز إلى جانب أو وجدوا صعوبة في الإجابة.

"الأخ الأكبر"

ودفعت حملة قمع تعرّضت لها وسائل الإعلام الحكومية الروسية وناشطون مؤيّدون لموسكو، منتقدين إلى القول إن لاتفيا قد تفاقم سخطاً يشعر به كثيرون من الناطقين بالروسية، بحسب "وول ستريت جورنال".

الصحافي المؤيّد لروسيا يوري أليكسيف، في منزله بريجا - wsj.com
الصحافي المؤيّد لروسيا يوري أليكسيف، في منزله بريجا - wsj.com

وقال يوري أليكسيف، وهو صحافي بارز مؤيّد لموسكو يدير موقعاً إلكترونياً باللغة الروسية تزعم السلطات اللاتفية أنه ينشر كراهية عرقية: "يجب أن تكون هناك مساحة لآراء مختلفة. عندما يقول لك الأخ الأكبر بوجوب أن يكون لديك رأي واحد فقط، عندها يبدأ شيء مثل الفاشية".

وحُكم على أليكسيف بالسجن 14 شهراً، بسبب محتويات نشرها على الإنترنت، وحيازته ذخيرة ومواد إباحية عن الأطفال. لكنه استأنف الحكم، متهماً السلطات بوضع الرصاص الذي عُثر عليه في شقته، أثناء تفتيشها، ومضيفاً أن الصور التي اعتبرتها المحكمة إباحية، هي لأحفاده وهم يستحمون.

وكرّر أليكسيف آراء الكرملين بأن روسيا تدخلت في أوكرانيا لتجنّب نزاع مسلّح في إقليم دونباس. وقال: "كانت هناك حرب أهلية لثماني سنوات، وتدخلت روسيا. هذا يُسمّى حفظ سلام".

أما سيرجي، رسام الكاريكاتور المتقاعد، فوُلد في سيبيريا عام 1940 لوالدين كانا من عمال البناء، وأتيا إلى لاتفيا في عام 1950 للمساعدة في إعادة تشييد حوض مدمّر لبناء السفن، علماً أن سيرجي لم يصبح مواطناً لاتفياً. وقال: "عملت أنا ووالداي لبناء هذا البلد. هكذا يشكروننا".

واتهم وسائل إعلام غربية بالمساهمة في تقسيم لاتفيا، من خلال تأجيج الكراهية ضد الرئيس الروسي. وقال: "إذا أمطرت السماء في لندن، يقع اللوم على بوتين".

اقرأ أيضاً: