دخل العراق في "فراغ دستوري" بعد عجز مجلس النواب عدة مرات خلال العام الجاري عن انتخاب رئيس جديد للبلاد ما تسبب بانتهاء المهلة الدستورية التي حددتها المحكمة الاتحادية العليا في الـ6 من أبريل الجاري.
وهو الأمر الذي دعا المحكمة للاجتهاد القانوني وإصدار قرار باستمرار الرئيس الحالي برهم صالح في منصبه لحين انتخاب رئيس جديد.
وعجز البرلمان منذ أول جلسة له في 9 فبراير الماضي، بانتخاب رئيس للجمهورية من بين 40 مرشحاً، في مقدمتهم مرشح "الاتحاد الوطني الكردستاني" الرئيس الحالي برهم صالح، ومرشح "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ريبر أحمد.
وأخفق البرلمان العراقي مرتين خلال الأسبوع الماضي في عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لعدم اكتمال نصاب الثلثين المفترض توفره من عدد النواب الـ329.
وفشل التحالف الثلاثي "إنقاذ وطن" المكون من (التيار الصدري، الديمقراطي الكردستاني، التحالف السني)، والذي يطالب بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، بحشد أكبر عدد من الأصوات لعبور العتبة المطلوبة.
وفي المقابل دعا الإطار التنسيقي الذي قاطع الجلسات وهو تحالف يطالب بحكومة توافقه، ويضم قوى شيعية أبرزها "ائتلاف دولة القانون" و"الفتح"، لعدم تأييد التحالف الثلاثي، والالتحاق بما أسماه "الثلث المعطل" لمنع تمرير قرار تنصيب الرئيس.
ودخل العراق في "فراغ دستوري" بعد أن انتهت المهلة التي حددتها المحكمة الاتحادية في مارس الماضي، إذ فتحت المحكمة باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية أمام رئاسة مجلس النواب مدة 30 يوماً "وفق المادة 72/ ثانياً من الدستور العراقي" من تاريخ 6 مارس الماضي لغاية 6 أبريل يتم خلالها انتخاب رئيس الجمهورية، بحسب وكالة الأنباء العراقية "واع".
وتنص المادة 72 من الدستور العراقي على ما يلي:
أولاً:
- تحدد ولاية رئيس الجمهورية بـ4 سنوات، ويجوز إعادة انتخابه لولاية ثانية فحسب.
ثانياً:
- أ- تنتهي ولاية رئيس الجمهورية بانتهاء دورة مجلس النواب.
- ب- يستمر رئيس الجمهورية بممارسة مهامه إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه، على أن يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية خلال 30 يوماً من تاريخ أول انعقاد له.
- ج- في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية لأي سبب من الأسباب، يتم انتخاب رئيس جديد لإكمال المدة المتبقية لولاية رئيس الجمهورية.
وتعقّد المشهد السياسي كذلك مع التخلف عن التواقيت الدستورية بشكل عام، إذ يفترض أن ينتخب البرلمان بعد جلسته الأولى وخلال 30 يوماً رئيساً جديداً للجمهورية الذي عليه بدوره أن يكلّف رئيساً للحكومة خلال 15 يوماً من تاريخ انتخابه، يكون مرشح "الكتلة النيابية الأكبر عدداً".
اجتهاد قانوني
وقبل انقضاء المهلة الدستورية والتي انتهت، الأربعاء، اجتهدت المحكمة الاتحادية في العراق لإيجاد مخرج لهذه الأزمة القانونية بـ"إجازة استمرار رئيس الجمهورية بممارسة مهماته لحين انتخاب رئيس جديد"، بحسب قرار المحكمة.
واعتبر رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان في بيان بداية أبريل الجاري أن "الواقع السياسي بالبلاد يشهد مخالفة صريحة لقاعدة دستورية (..) بتحديد مدة استمرار رئيس الجمهورية بممارسة مهماته إلى ما بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب الجديد واجتماعه في مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ أول انعقاد للمجلس".
وأوضح أنه "رغم أن المحكمة الاتحادية العليا اجتهدت لإيجاد مخرج لهذه المخالفة الدستورية (..) إلا أن هذا الاجتهاد وإن كان ضرورياً لتلافي حالة خلو المنصب وما يترتب عليه من إجراءات غير متفق عليها سياسياً إلا أنه لم يكف لمعالجة الاستمرار في مخالفة الدستور إلى أجل غير مسمى بسبب شرط أغلبية الثلثين".
ودعا زيدان لـ"تعديل النص الدستوري بأن يكون حل مجلس النواب بقرار من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية على ألا يكون أثناء مدة استجواب رئيس الوزراء وبذلك يتحقق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية".
وتابع: "ويكون جزاء مخالفة القاعدة الدستورية بقرار من السلطة التشريعية في حال مخالفتها من قبل السلطة التنفيذية بسحب الثقة عنها، والعكس صحيح، يكون الجزاء بقرار من السلطة التنفيذية (رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية مجتمعين) في حال مخالفة القاعدة الدستورية من قبل مجلس النواب عن طريق حل المجلس بدون شرط موافقة مجلس النواب على إجراءات الحل".
انسداد سياسي
وبعدما تمكن الإطار التنسيقي من تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، قدم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في تغريدة على تويتر بنهاية مارس الماضي، "فرصةً" للإطار التنسيقي لـ"لتفاوض مع جميع الكتل لتشكيل حكومة أغلبية وطنية من دون كتلة الصدر" خلال 40 يوماً.
ورغم تلك المبادرة إلا أن المشهد السياسي لا يزال غير واضح المعالم، حيث قال تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني المنضويان مع الصدريين بتحالف "إنقاذ وطن" في بيان مشترك إنهما "لن يفتحاً أي باب للتفاوض مع بقية الكتل وإن موقفهما من موقف الصدر في تشكيل حكومة الأغلبية".
من جهته أعلن الإطار التنسيقي عن مبادرة لمعالجة "الانسداد السياسي" في البلاد، داعياً "جميع المخلصين إلى تحمل المسؤولية وعدم الإصرار على معادلة كسر الإرادات التي من شأنها أن تزيد المشهد تعقيداً دون جدوى".
وتضمنت المبادرة "الالتزام بالمدد الدستورية وتسجيل الكتلة الأكثر عدداً من الطرفين لضمان حق المكون واكتمال الاستحقاق الوطني للمكونات الأخرى بالرئاسات الثلاث"، وأضافت أنه "بعد إعلان الكتلة الأكثر يتم الاتفاق على المرشح لمنصب رئيس الوزراء وفق الشروط والمعايير المطلوبة كالكفاءة والنزاهة والاستقلالية ويكون ذلك عبر لجنة مشتركة من الإطار التنسيقي والكتلة الصدرية".
ومنذ إطلاق المبادرة يجتمع الإطار التنسيقي بشكل دوري لدراسة الحلول المقترحة، والتي لا تعدو كونها تقديم مقترحات للتفاوض مع الصدر ، إذ أنه يدرك تماماً أنه لن يتمكن من جمع العدد الكافي لعقد جلسة انتخاب الرئيس التي تتطلب حضور 220 نائباً من أصل 329، دون تحالف "إنقاذ وطن".
ومن أجل ذلك عمد الإطار إلى تقديم مقترح بأن تكون رئاسة اللجان في مجلس النواب، بالإضافة إلى منصب النائب الأول لرئيس المجلس من حصته على أن يدعم تحالف "إنقاذ وطن" في تشكيل الحكومة وبرر ذلك بأنه سيكون قادراً على مراقبة أداء الحكومة من خلال اللجان في مجلس النواب، غير أن ذلك المقترح لم يلق أي رد من قبل التحالف الثلاثي، بحسب مراسل "الشرق".
المحلل السياسي العراقي حمزة حداد توقع في تصريح لوكالة "فرانس برس"، أن "يصل الوضع في العراق لنقطة يجري فيها الذهاب إلى انتخابات جديدة لكسر الانسداد، لا سيما في حال ضغط الرأي العام باتجاه المضي قدماً، لكي يجري تمرير أمور على غرار الموازنة العامة".