أظهرت التقديرات الأولى تصدر إيمانويل ماكرون نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، الأحد، بفارق بضع نقاط مئوية عن منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبان التي سيعد فوزها سابقة تاريخية، إذ لم تحكم فرنسا امرأة كما لم يحكم اليمين المتطرف البلاد قط.
ووفق 3 تقديرات من معاهد مختلفة حل ماكرون أولاً بحصوله على ما بين 27.6 و29.7% من الأصوات، في نهاية حملة تعطلت بشكل كبير بسبب وباء كوفيد والحرب في أوكرانيا.
وجاءت مارين لوبان في المرتبة الثانية بنيلها 23.5 إلى 24.7% من الأصوات، وفق تقديرات معاهد "أوبن واي" و"آي فوب" و"هاريس"، متقدمة على المرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون الذي حصد ما بين 19.8% و20.5% من أصوات الناخبين.
وسجلت نسبة امتناع عن التصويت عالية راوحت بين 26.2% و29.1% وفق تقدير معهدين، ما يشير إلى نفور الفرنسيين المتزايد من نخبتهم السياسية، فيما تتجاوز هذه النسبة تلك المسجلة عام 2017 وبلغت حينها 22.2%، في حين أن النسبة القياسية تبلغ 28.4% وسجلت عام 2002.
تداعيات فوز لوبان
وتبدو لوبان التي هزمها ماكرون في الدورة الثانية في انتخابات عام 2017، قريبة أكثر من أي وقت مضى من تحقيق النصر وفق استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات وأظهرت تخلفها عن ماكرون بفارق ضئيل للغاية يقع ضمن هامش خطأ الاستطلاعات.
ولدى لوبان احتياطي أصوات منخفض نسبياً في الجولة الثانية في ضوء التقديرات التي منحت المرشح اليميني المتطرف الآخر إريك زمور بين 6.8% و7% من الأصوات في الدورة الأولى. لكنه يبقى أفضل من الانتخابات السابقة عندما لم يكن لها أي احتياطي أصوات محتملة.
قد يكون لفوز لوبان تداعيات دولية مهمة، نظراً إلى مواقفها المعادية للتكامل الأوروبي ورغبتها مثلاً في سحب فرنسا من القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، في حين يعد فوزها سابقة مزدوجة، فلم يسبق أن حكمت فرنسا امرأة كما لم يحكم اليمين المتطرف البلاد قطّ.
في هذا الصدد قال الخبير السياسي باسكال بيرينو على موقع "آرتي" إنه "في عام 2017، لم يكن لدى مارين لوبان احتياطي كبير، أما الآن فيمكنها الذهاب أبعد بكثير. سيتعين على ماكرون صيد الأصوات من جان لوك ميلانشون".
واعتبر لويس أليوت القيادي في "التجمع الوطني" حزب لوبان على شاشة تلفزيون "فرانس2" أن "انتخابات جديدة بدأت"، داعياً إلى "تجمّع" من لا يريدون أن يفوز ماكرون بولاية ثانية.
وقالت لوبان في أول رد فعل لها بعد إعلان النتائج إن "ما سيحدد في 24 أبريل سيكون خياراً للمجتمع والحضارة"، متعهدة خصوصاً "باستعادة سيادة فرنسا" وإقرار إجراء استفتاءات بدعوة من المواطنين.
المناظرة التلفزيونية
وستكون المناظرة المتلفزة التقليدية في فرنسا بين دورتي الانتخابات من المحطات الحاسمة في الحملة الجديدة التي تستمر أسبوعين اعتباراً من 20 أبريل.
في عام 2017 هيمنت ظاهرة إيمانويل ماكرون على الساحة وباغتت الكل، لكن هذه المرة تبدو ابنة جان ماري لوبان الذي كان أول من يقود اليمين المتطرف إلى الدورة الثانية للرئاسيات عام 2002، مستعدة أكثر.
وخاضت مارين لوبان حملة ميدانية منذ البداية ركزت خلالها على القوة الشرائية التي تمثل الشاغل الرئيسي للناخبين، في حين أن إيمانويل ماكرون الذي انشغل بالحرب في أوكرانيا وربما كان واثقاً جداً من استطلاعات الرأي، لم يشارك كثيراً في حملة الدورة الأولى.
وشهدت الحملة الانتخابية ظروفاً غير مسبوقة فقد تعطلت كثيراً بسبب جائحة كوفيد والحرب، فيما امتنع العديد من الفرنسيين عن التصويت أو ترددوا حتى اللحظة الأخيرة قبل اختيار أحد المرشحين الــ12.
سيكون الامتناع عن التصويت إحدى القضايا الرئيسية في الدورة الثانية، بالإضافة إلى الحصول على أصوات ناخبي المرشحين المنهزمين في الدورة الأولى.
ودعا بعض المرشحين على الفور إلى قطع الطريق على مارين لوبان مثل الشيوعي فابيان روسيل والاشتراكية آن هيدالغو ويانيك جادوت من الخُضر.
أما مرشحة اليمين التقليدي فاليري بيكريس التي حصلت على 5% من الأصوات، فقالت إنها ستصوت "عن وعي" لإيمانويل ماكرون.
لكن استراتيجية الاعتماد على ما يسمى "الجبهة الجمهورية" التي استخدمتها الأحزاب الحاكمة مدى عقود لمحاولة وقف تقدم أقصى اليمين، يبدو أنها لم تعد تحظى بثقة كبيرة لدى الناخبين، ففي أوساط ماكرون، تعترف مصادر بأن الجبهة التي استفاد منها عندما انتخب في 2017، لم تعد أمراً بديهياً.
وإدراكاً منه للخطر، دعا ماكرون إلى "التعبئة" ضد اليمين المتطرف، فيما وجد اليسار نفسه خارج الدورة الثانية للمرة الثانية على التوالي بعد عام 2017، وهو ما لم يحدث سابقاً في ظل الجمهورية الخامسة (منذ عام 1958).
وكان المرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون الذي جاء في المركز الثالث لكن بفارق واسع عن لوبان، قد حاول بلا جدوى توحيد أنصار اليسار المتنوعين بدعوتهم إلى "التصويت المفيد" لصالحة.