إسرائيل تشدد الخناق على دور العبادة المسيحية والإسلامية في القدس

مسيحيون أوقفهم الاحتلال خارج كنيسة القيامة بالقدس القديمة لمنعهم من الدخول للاحتفال بالأعياد، 24 أبريل 2022 - AFP
مسيحيون أوقفهم الاحتلال خارج كنيسة القيامة بالقدس القديمة لمنعهم من الدخول للاحتفال بالأعياد، 24 أبريل 2022 - AFP
القدس-محمد دراغمة

بعد قيام متطرفين يهود باقتحمات يومية للمسجد الأقصى تحت حماية الشرطة الإسرائيلية التي استخدمت عنفاً مفرطاً لإخراج المصلين من المسجد ليحل اليهود محلهم، واجهت كنيسة القيامة تضييقاً من قوات الاحتلال الإسرائيلي، إذ أغلقت الشرطة الإسرائيلية ذاتها مداخل الكنيسة وجميع الطرق المؤدية إليها، ومنعت آلاف المصلين والمحتلفين بعيد سبت النور من الوصول إليها، مستخدمة عنفاً مماثلاً، من ضرب وإطلاق الغاز المسيل للدموع، واعتقال وإبعاد عن المدينة.

ويقول رجال دين مسيحيون ومسلمون إن ممارسات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأماكن المقدسة في القدس قديمة قدم الاحتلال، لكن الجديد فيها هذا العام هو القيام بخطوات إضافية لتعزيز الملامح والوجود اليهودي في المدينة، التي تعتبرها إسرائيل "عاصمة موحدة أبدية" إلى جانب تقليص الملامح والحضور الفلسطيني.

تغيير معالم المدينة

في حديث لـ"الشرق"، قال الباحث في شؤون الاستيطان خليل اﻟﺘﻔﻜﺠﻲ، إن إسرائيل اتبعت منذ احتلال القدس عام 1967 سياسة تقوم على تغيير معالم المدينة من عربية إلى يهودية.

وأضاف: "قامت إسرائيل في العاشر من يونيو عام 1967، أي بعد أيام من احتلال القدس، بإزالة حارة المغاربة كاملة لتوسيع ساحة حائط البراق الذي تسميه حائط المبكى".

وأشار إلى أن ساحة الحائط كانت صغيرة، طولها 10 أمتار وعرضها متران، لكن بعد إزالة حارة المغاربة، أصبحت ساحة واسعة تحمل الصبغة اليهودية.

وبحسب اﻟﺘﻔﻜﺠﻲ، منذ ذلك الوقت توالت عملية تغيير معالم القدس على مدى العقود اللاحقة، إذ جرى الاستيلاء على 4 حارات محيطة بحارة اليهود الصغيرة لتوسيع الأخيرة على حسابها.

وقال إن إسرائيل "استولت على حارات الكرد والعلم ونمامرة وغنيم، وضمتها إلى حارة اليهود، ثم أضافت مبان جديدة فوق المباني القائمة، لطمس معالم الوجود الفلسطيني، وإظهار معالم يهودية للمنطقة".

وأشار أيضاً إلى أن "مساحة حارة اليهود كانت قبل الاحتلال 5 دونمات، لكن بعد الاستيلاء على الحواري الأربعة أصبحت 130 دونما".

وتابع أن عمليات تغيير معالم القدس خاصة البلدة القديمة الواقعة داخل الأسوار، تواصلت بعد ذلك لتشمل كذلك إقامة كنيس الخراب بقبته البارزة ليشكل زاوية ثالثة في المعالم الدينية الكبرى للقدس التي تضم المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.

وتُشير التقارير إلى أن إسرائيل تعمل على بناء كنيس ثان كبير في قلب القدس العتيقة، تطلق عليه اسم "جوهرة القدس"، بهدف تغليب المعالم الدينية اليهودية.

وتتألف القدس العتيقة من 4 أحياء، هي الإسلامي والمسيحي والأرمني واليهودي.

واستولت جمعيات استيطانية إسرائيلية على عشرات البيوت في الأحياء الأخرى، وتحويلها للمستوطنين، بهدف تغيير معالم البلدة التاريخية، ويرفع المستوطنون المقيمون في هذه البيوت شعارات يهودية على المباني، مثل الشمعدان والعلم الإسرائيلي وغيرها.

"الأقصى" هدف للتقسيم

استولت إسرائيل في اليوم الأول لاحتلال القدس على مفتاح باب المغاربة، والباب الرئيس للمسجد الأقصى، ثم نصبت حواجز شرطية على مداخل جميع الأبواب الأخرى للمسجد بهدف التحكم في أوقات فتحه والدخول إليه والخروج منه.

وقال الشيخ عمر الكسواني مدير المسجد الأقصى، لـ"لشرق"، إن "السلطات الإسرائيلية اتبعت سياسة تغيير تدريجي في الوضع القائم بالمسجد الأقصى"، مشيراً إلى أنها "بدأت بإدخال السياح الأجانب، ثم أخذت تدخل المتطرفين اليهود".

وأضاف: "في المرحلة الأولى كانت تدخل شخصاً أو اثنين كسياح أجانب، وكان حراس المسجد الأقصى يرافقونهم ويخرجونهم في حال حاولوا ممارسة أية طقوس دينية، لكن بعد الانتفاضة الثانية، صار رجال الشرطة هم الذين يرافقونهم وازدادت أعدادهم إلى المئات يومياً".

2022 شهدت تغييرات كبيرة

وحدث تغيير لافت هذا العام حينما سمحت الشرطة الإسرائيلية بدخول المقتحمين إلى باحات المسجد في النصف الثاني من رمضان، وفي الوقت نفسه تغضّ الطرف عن أدائهم طقوساً دينية في باحات المسجد، الذي تدعي إسرائيل أنه مقام على أنقاض "الهيكل"، وذلك بخلاف ما كان معمولاً به سابقاً.

وقال الشيخ الكسواني إن المقتحمين قاموا هذه المرة بطقوس دينية، مثل الصلوات والتراتيل والانبطاح أرضاً ونفخ البوق.

وتُطالب منظمات يهودية بتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود، بحيث تدخل كل مجموعة إلى المسجد بعد أن تخرج منه الثانية.

ويخشى الفلسطينيون من قيام إسرائيل بفرض واقع جديد في المسجد شبيه بذلك الذي جرى فرضه في مقدسات أخرى مثل الحرم الإبراهيمي في الخليل، الذي بات اليهود يسيطرون على ثلثي مساحته.

وأحدثت إسرائيل تغييرات تدريجية في الحرم الإبراهيمي الذي "يضم رفات النبي إبراهيم وزوجته سارة وأبناءه"، بعد الاحتلال وصولاً إلى تقسيم المسجد في العام 1994 إلى قسمين، أحدهما لليهود، وهو الجزء الأكبر (65%) ، والثاني وهو الجزء الأصغر للمسلمين.

تقليص الوجود المسيحي

وعلى غرار المقدسات الإسلامية، تتعرض المقدسات المسيحية أيضاً منذ سنوات لإجراءات تهدف إلى تغيير ملامحها، لا سيما كنيسة القيامة، المكان المقدس الأول عند المسيحيين.

وبدأ فرض القيود على حرية الوصول إلى كنيسة القيامة، خاصة في الأعياد، عام 2010 وتزايدت بمرور الوقت. 

وتقدمت مجموعة من الشخصيات المسيحية بدعوى إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية، قبيل عيد سبت النور، مطالبةً بإزالة الحواجز العسكرية عن كامل الحي المسيحي لإتاحة المجال أمام المواطنين للاحتفال بالعيد، سواء في الكنيسة أو في البيوت والمرافق الأخرى بالحي الذي يُشكل أكثر من ربع مساحة البلدة.

وفي حديث لـ"الشرق"، قال رجل الأعمال باسم خوري الذي تولى رفع القضية أمام المحكمة باسم المجتمع المسيحي الفلسطيني، إنه لجأ إلى المحكمة عندما شاهد القيود والضغوط على المسيحيين تتزايد يوماً بعد الأخر.

وأضاف أنه "من الواضح أن إسرائيل لا تريد أن ترى في القدس سوى اليهود، لذلك تفرض علينا قيوداً من أجل إبعادنا عن المدينة والبلاد".

وأوضح خوري أن السلطات الإسرائيلية لم تلتزم بقرار صدر عن المحكمة العليا مؤخراً وينص على إزالة الحواجز الشرطية عن مداخل الحي المسيحي، مشيراً إلى أنها "قامت بنشر حواجز وقوات كبيرة في مختلف المداخل، ومنعت غالبية المواطنين من الدخول، واعتدت بالضرب الوحشي على عدد كبير".

وتابع خوري: "شاهد العالم بالصورة والصوت كيف تعتدي الشرطة الإسرائيلية بوحشية على نساء وأطفال ورجال مُسنين جاؤوا لإحياء مناسبة دينية مسيحية، ولا هدف من وراء ذلك سوى إبعادنا عن القدس ومقدساتنا وتركها مرتعاً للمستعمرين المتطرفين".

"تخليص الأرض المقدسة"

ويقول بطريرك الروم الأرثوذكس ثيوفيلوس الثالث صراحة في مقابلة مع وكالة "فرانس برس" في البلدة القديمة بالقدس، إن المستوطنين الإسرائيليين عازمون على "تخليص الأرض المقدسة من الدنس"، أي المسيحيين في نظرهم.

وتخوض الكنيسة الأرثوذوكسية معركة قضائية عمرها 17 عاماً، اتخذت منحى جديداً في 27 مارس عندما دخل المستوطنون فندق البتراء الذي يديره الفلسطينيون عند باب الخليل، أحد بوابات القدس الشرقية للبلدة القديمة ويؤدي إلى الحي المسيحي.

ونددت الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية "باقتحام" الفندق من قبل مستوطنين من منظمة "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية المتطرفة التي تهدف وتعمل على "تهويد" مدينة القدس الشرقية المحتلة وخصوصاً البلدة القديمة، عبر شراء عقارات بطريقة غامضة أو ملتوية في كثير من الأحيان، معتبرين أنه لم تتم تسوية النزاع القضائي بعد.

وكانت الكنيسة ادعت على "عطيرت كوهانيم" أمام القضاء في 2005 بعد بيع 3 عقارات بينها الفندق. وتقول الكنيسة إنهم حصلوا عليه بدون إذن منها، وألقت باللوم على محام قالت إنه محتال أساء استغلال صلاحياته "لسرقة البطريركية".

"تغيير طبيعة الحي"

وتقول حاجيت عفران من منظمة "السلام الآن" المناهضة للاستيطان الإسرائيلي، في حديث لوكالة "فرانس برس"، إنه إذا نجح المستوطنون في الاستيلاء بشكل قانوني على الممتلكات الثلاثة للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية، فسيكون بمقدورهم توطين مئات الأشخاص هناك "ما سيغير تماماً طبيعة الحي المسيحي".

ويعيش حوالي 300 مستوطن يهودي في الحي المسيحي من البلدة القديمة الواقعة في القدس الشرقية، المدينة الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل في 1967.

ومع زيادة وتيرة الاستيطان في القدس وكذلك أعمال التخريب أو الهجمات ضد المسيحيين رفعت الكنائس صوتها. لأن المدينة القديمة ليست الهدف الوحيد، ففي مكان قريب من البلدة القديمة على جبل الزيتون حيث يقع عدد كبير من الكنائس البارزة، تخطط إسرائيل لمشروع غير مسبوق لتوسيع حديقة قد يطال أراضي مملوكة للكنيسة ومواقع مقدسة مسيحية في القدس الشرقية، بحسب "فرانس برس"، وأثار ذلك معارضة قادة الطوائف المسيحية الثلاثة المعنية (الروم الأرثوذكس والأرمن والفرنسيسكان).

وقد كتبوا رسالة تعبر عن غضبهم إلى السلطات في فبراير. وقالوا "في السنوات الأخيرة لم يسعنا إلا الشعور بأن كيانات مختلفة هدفها الوحيد الظاهر هو مصادرة وتأميم أحد أقدس المواقع المسيحية وتغيير طبيعته وتغيير أي سمة غير يهودية للمدينة المقدسة إن لم يكن القضاء عليها".

وأضافوا أنهم "يعتقدون أن المشروع يخدم أيديولوجيا تحت غطاء حماية المساحات الخضراء"، مشيرين بذلك الى جبل الزيتون، الذي له مكانة خاصة لدى المسيحيين، الذين يؤمنون بأن أحداثاً جسيمة حدثت في حياة يسوع المسيح هناك.

وفي ديسمبر الماضي، أثارت غضب اسرائيل تصريحات لكبير أساقفة كانتربري وزعيم الكنيسة الانجليكانية جاستن ويلبي، الذي قال إن زيادة الهجمات وتخريب الأماكن المقدسة كان "محاولة منسقة" لطرد المسيحيين.

وانتقدت االخارجية الإسرائيلية الاتهامات وقالت: "لا أساس لها من الصحة".

تصنيفات