ترقب يسود الأوساط السياسية المصرية، انتظاراً لخطوات الإصلاح السياسي التي بشر بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد سنوات مما وصفه بـ"تأجيل" للأمر فرضته أولويات أخرى، وإعلانه عدة مبادرات شملت الدعوة إلى حوار وطني وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي عن المحبوسين.
وتابع المصريون مشهداً غير معتاد، مساء الثلاثاء، خلال حفل "إفطار الأسرة المصرية" الذي نظمته رئاسة الجمهورية، حينما دار حديث هامس بين السيسي، ومنافسه السابق في انتخابات عام 2014، حمدين صباحي، أبدى فيه الرئيس احتفاءً لافتاً بأحد رموز المعارضة، كما شملت الحفاوة الرئاسية الصحافي ورئيس حزب الدستور السابق، خالد داوود، الذي أفرجت عنه السلطات في أبريل 2021، بعد فترة حبس احتياطي استمرت عاماً و 8 أشهر.
صباح الخميس، كان صباحي على موعد أمام بوابات سجن طرة جنوب القاهرة، ليستقبل الصحافي حسام مؤنس، أحد أبرز معاونيه ومدير حملته الرئاسية، بعد ساعات من إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً بالعفو عن مؤنس الذي كان يقضي حكماً بالسجن 4 سنوات لاتهامه بـ"نشر أخبار كاذبة"، كما يواجه مع آخرين تهماً في القضية المعروفة إعلامياً باسم "خلية الأمل".
ورحبت قوى سياسية، بتكليفات السيسي للحكومة التي تضمنت الدعوة إلى إطلاق "حوار سياسي" يشمل كل القوى من دون استثناء، إضافة إلى تفعيل لجنة "العفو الرئاسي" التي تقدم توصيات للإفراج عن بعض المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا سياسية.
وقال الرئيس في كلمته إنه كان حريصاً على الإصلاح السياسي ولكن "أولويات" أخرى أجلت الملف، مشيراً إلى حاجة البلاد للعمل عليه حالياً، وأنه "لابد أن يكون الإصلاح السياسي ضمن المفردات التي سيتم الإعلان عنها عند إعلان الجمهورية الجديدة"، مشيراً إلى أن الوطن يتسع للجميع، وأن "اختلاف الرأي لا يفسد للوطن قضية".
وقبل يومين من كلمة الرئيس، جرى الإفراج عن نحو 40 من المحبوسين احتياطياً على ذمة قضايا سياسية من خلفيات سياسية متنوعة، وأعرب السيسي في كلمته عن سعادته بالإفراج عن "أبناء مصر".
صباحي: الإفراج عن مؤنس "بداية مبشرة"
وفي تصريحات لـ"الشرق"، قال حمدين صباحي إن حديثه الجانبي مع الرئيس دار حول "الإفراج عن سجناء الرأي كتمهيد لأي حوار وطني".
واعتبر صباحي الإفراج عن مؤنس "بداية مبشرة واستجابة سريعة"، وأعرب عن أمله في "شمول العفو جميع المتهمين في قضية خلية الأمل وبينهم النائب السابق زياد العليمي والصحافي هشام فؤاد"، وأن تتسع الدائرة لتشمل "جميع سجناء الرأي من مختلف الأطياف السياسية".
خالد داوود: وجدتُ تجاوباً من جانب الرئيس
وقال رئيس حزب "الدستور" السابق، خالد داوود، لـ"الشرق"، إنه بادر بشكر السيسي على الدعوة، ودعاه إلى "الإسراع في التعامل مع ملف السجناء السياسيين"، مؤكداً أنه وجد تجاوباً من جانب الرئيس.
وعبر داوود عن أمله بـ"استمرار نهج الإفراج عن المزيد من المحبوسين، قبيل عيد الفطر"، ووصف دعوة شخصيات معارضة لاحتفالية الإفطار هذا العام بأنها "إيجابية للغاية".
وأضاف أنه "لا بد للجميع أن يعمل لمصلحة الوطن، حتى لو كان لديهم تحفظات على بعض السياسات"، مشيراً إلى "أهمية تصريحات الرئيس خلال الاحتفالية عن أولوية ملف الإصلاح السياسي في الفترة المقبلة، والحديث عن فتح المجال السياسي"، معتبراً أن "مصر تقف على أرض صلبة بعد القضاء على الإرهاب، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان".
وشدد داوود على "ضرورة أن يشمل الحوار ممثلين من كافة الأطراف، بما فيها أحزاب المعارضة والنقابات المهنية، ما من شأنه أن يثري أجندة الحوار، ويؤكد على التلاحم الوطني".
عبد المنعم سعيد: علامة بارزة على "الانفراج السياسي"
واعتبر المفكر السياسي وعضو مجلس الشيوخ، الدكتور عبد المنعم سعيد، أن دعوة بعض رموز ثورتي 25 يناير و30 يونيو تمثل علامة بارزة على "الانفراج السياسي"، مؤكداً أن رموز التحالف الوطني الحاضرة ساهمت في إقصاء الإخوان المسلمين، ودخلت في مواجهة انتخابية مباشرة معهم.
ويرى سعيد في تصريحات لـ"الشرق" أن إسناد مهمة "الحوار الوطني" لإدارة مؤتمر "الشباب" الوطني، يشير إلى أن مضامين الحوار الوطني ستكون حول المستقبل، مرجحاً أن يبحث تقييم رؤية 2030، واستنباط الدروس والأولويات.
واعتبر سعيد أن حصر التكليفات الرئاسية في زاوية المناخ السياسي يمثل "اقتطاعاً مخلاً"، إذ جاءت البنود السياسية كنقاط ضمن العديد من البنود التي تهدف للتعامل مع "الأزمة الراهنة".
وأضاف أن "القسم الأكبر من البنود يصب في صالح دعم حالة التنمية الجارية، ودفعها إلى الأمام، ومواصلة بعض الإجراءات التي صدرت لدعم الفئات الأكثر عرضة للتبعات الاقتصادية وآثارها الجانبية".
ووفقًا لسعيد، فإن أبرز ما أعلن عنه في التكليفات، هو التركيز الكبير في الفترة المقبلة على مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية، والرغبة في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر من القمح ودعم مزارعيه.
نشأت الديهي: تعبير عن تقبل الدولة لـ"الاختلاف"
وقال الإعلامي المصري نشأت الديهي، عضو المجلس الأعلى للإعلام، إن حزمة التكليفات الرئاسية جاءت "مدروسة بعناية" للتماشي مع المستجدات المحلية والإقليمية، وتطوراً طبيعياً للخطوات التي تخطوها مصر في واقع متغيّر.
ووصف الديهي الإفراج عن مؤنس بأنه "نتيجة عاجلة مبشّرة، ويمكن تعميقها على كافة المستويات، وكل ما حدث ويحدث تمهيد لمشروع الجمهورية الجديدة، فالدولة تأخذ المبادرة بتغيير فكرها؛ لأن الجمهورية الجديدة ليست مباني فحسب".
وأضاف في تصريحات لـ"الشرق"، أن البنود التنفيذية "تطور طبيعي" لصدور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، فيما لفت إلى أهمية الشق الاقتصادي العاجل في القرارات. كما اعتبر أن الدولة توجه من خلال قرار إعادة تفعيل لجنة العفو، والدعوة للحوار الوطني، رسالة مفادها: "تقبل الاختلاف".
وأضاف عضو المجلس الأعلى للإعلام: "ما قبل إفطار الأسرة المصرية، يختلف تماماً عن ما بعده، وقوائم العفو تشي بحالة تسامح وطني جديدة".
"لجنة العفو": نبحث ملفات من لم تتلوث أيديهم بالدماء
وعقب تعيينه ضمن التشكيل الجديد للجنة العفو الرئاسي بعد إعادة تفعيلها، قال المحامي طارق العوضي، إن إعادة تفعيل اللجنة "دليل واضح" على جدية الدعوة للحوار الوطني، مؤكداً لـ"الشرق"، أن "الإعلان سبقته إجراءات عملية بالإفراج عن قائمة أسماء من غير المتورطين في أعمال عنف، فيما تتواصل عملية طرح الأسماء وبحث الحالات على مدار الساعة، في ضوء وعد صريح بالإفراج عن مزيد من الأسماء".
وأوضح العوضي أن "هدف اللجنة في الفترة المقبلة، الإفراج عن أكبر عدد من سجناء الرأي، وحلحلة ذلك الملف في أقرب فرصة"، مشيراً إلى أن "الأولوية لمن لم يتورط بالفعل أو التحريض في أي أعمال عنف، ولم تتلوث أيديهم بالدماء".
وتابع: "نعيد دراسة كافة الحالات، سواء كانت تظاهرات أو منشورات على وسائل التواصل أو فيديوهات أو مطالب فئوية، كل هؤلاء محل بحث اللجنة، طالما لم يتورطوا في أعمال عنف".
الأحزاب تستعد للمشاركة في الحوار
ولاقت قرارات السيسي ترحيباً حزبياً واسعاً، إذ ثمّن حزب "مستقبل وطن"، صاحب الأغلبية في البرلمان، قرارات السيسي، مضيفاً أنه سيعمل على "تسخير كافة إمكانياته للمساهمة في تفعيل قرارات الرئيس والتعاون مع كافة المؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، لتحقيق رؤية القيادة السياسية التي تهدف إلى تعضيد حالة الاستقرار المجتمعي وبناء الإنسان المصري".
وقال رئيس حزب "الوفد" عبد السند يمامة في تصريحات لـ"الشرق"، إنه يرحب بقرارات الرئيس، "خاصة تكليف السيسي بإدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني".
وأضاف يمامة أن شباب حزبه سيقدمون ورقة عمل بشأن مستقبل العمل السياسي، إلى إدارة المؤتمر الوطني للشباب، باعتبار الجيل الجديد هو "عماد أي تحرك سياسي في مصر".
كذلك، وصف رئيس حزب "المؤتمر" عمر صميدة القرارات الرئاسية، بـ"التعبير عن حرص القيادة السياسية على مشاركة كل فئات المجتمع في خطط وتصورات المستقبل"، مؤكداً في تصريحات لـ"الشرق" "أهمية دعوة السيسي لإجراء حوار وطني بمشاركة القوى السياسية، باعتباره السبيل لتنشيط الحياة السياسية".
البناء الديمقراطي
بدورها، رحبت "تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين"، وهي تجمع لشباب مستقلين وحزبيين ممثل في غرفتي البرلمان، في بيان عبر "فيسبوك"، بخطاب السيسي خلال الاحتفالية، مثمنة "ما جاء من توجيهات القيادة السياسية من دعوة لحوار وطني، وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، بما يسهم في تعزيز عملية البناء الديمقراطي في مصر".
ووصفت "التنسيقية" دعوة السيسي للحوار الوطني، بأنها "استمرار لحالة الحوار الاجتماعي والسياسي الذي بدأ مع سلسلة المؤتمرات الوطنية للشباب، وهي تأكيد على أن الحوار هو نهج دائم يستهدف تعزيز وتكامل الرؤى الوطنية".
وأشار رئيس "حزب الكرامة" المعارض، محمد سامي، إلى أن قرارات الرئيس خلقت لدى الأطراف السياسية ما وصفه بـ"حالة استبشار"، وقال لـ"الشرق"، إن "احتفالية الثلاثاء كانت المرة الأولى التي يدُعى فيها إلى إفطار الأسرة المصرية السنوي، بجانب عدد من الأطراف السياسية المتنوعة"، مضيفاً أن "المعارضة ليست أحزاباً معادية"، على حد تعبيره.
واعتبر سامي أن مبادرة إطلاق سراح بعض السجناء التي سبقت قرارات الرئيس تشير إلى "وجود مقدمات جادة لفتح أفق العمل السياسي، وخلق حالة تواصل جديدة".
كما رحبت نقابة الصحافيين بالقرارات، إذ أعرب النقيب ضياء رشوان عن "ثقته وأمله بأن تتبع هذه الخطوة المهمة البناءة، خطوات أخرى سريعة لاستكمالها بالإفراج عن المحبوسين غير الملوثة أيديهم بالدم أو المنخرطين في جرائم الإرهاب، وخصوصاً زملاءنا الأعضاء الذين لا يملكون لخدمة وطنهم ومهنتهم، سوى أقلامهم وكاميراتهم وريشهم، ويلتزمون بكل الواجبات والحقوق التي أوردها الدستور".
اقرأ أيضاً: