أثار تهديد زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون باستخدام الأسلحة النووية "على نحو استباقي" للدفاع عن مصالح بلاده الأساسية تساؤلات بشأن الأسباب التي دفعته إلى ذلك، وإمكانية الإقدام على هذه الخطوة، وكيفية الرد على هذه التهديدات.
واستبعدت مجلة " ناشيونال إنترست" في تقرير لها عمل كوريا الشمالية على برنامج "يجعل غزو كوريا الجنوبية ممكناً يوماً ما".
وبيّنت المجلة أن هذا الاحتمال "غير مرجح طالما أن التحالف العسكري بين واشنطن وسول قادر على ردع استفزازات بيونج يانج، والرد بانتقام مشترك كاسح"، مشيرة إلى "الحضور المدني والعسكري الأميركي المكثف في كوريا الجنوبية".
ورفض التقرير فرضية انحصار اهتمام كوريا الشمالية على حماية نفسها من واشنطن، ومطالبة الولايات المتحدة بتسهيل التعاون معها، لافتة إلى أن "هذا التحليل يتجاهل حقيقة أن بيونج يانج يجب أن تحافظ على وجود بيئة خارجية عدوانية كمسوغ لوجود نظام كيم في سدة الحكم".
ورجح التقرير أن كوريا الشمالية، وفقاً لما ذكره كيم جونج أون في خطابه، "ستتبع على الأرجح استراتيجية تعزز قدراتها النووية لتحقيق أهدافها السياسية".
"دولة شيوعية موحدة"
ورأت "ناشيونال إنترست"، أن فهم المصالح الجوهرية لكوريا الشمالية يعد أمراً بالغ الأهمية عندما يتعلق الأمر بالتنبؤ بكيفية تطويرها استراتيجيتها النووية، قائلة إن بيونج يانج تمثل "دولة ثورية" يعتمد وجودها بالأساس على تحقيق "أهدافها الوطنية الثورية".
وأوضحت المجلة أن حزب العمال الكوري يقود "الثورة الوطنية" في كوريا الشمالية، مضيفة أن "الحزب فوق الدولة"، وتمثل لائحته الخاصة، وليس الدستور "الوثيقة العليا للبلاد".
وينص ميثاق حزب العمال على أن يكون لكوريا الشمالية "هدفان وطنيان عاجلان"، أولهما "بناء دولة قوية في النصف الشمالي من شبه الجزيرة الكورية"، وهي كوريا الشمالية، وثانيهما "بناء دولة اشتراكية تمتد في شبه الجزيرة الكورية بأكملها"، بما فيها كوريا الجنوبية.
ويستوجب تحقيق ذلك، بحسب التقرير، "تحرير الكوريين الجنوبيين من الإمبريالية الأميركية المزعومة، وبناء دولة شيوعية موحدة".
ولفت التقرير أيضاً إلى "أهمية قيادة عائلة كيم البلاد لتحقيق هذين الهدفين الوطنيين" في ميثاق حزب العمال الحاكم، مشيرة إلى أن أيديولوجية زوتشيه (عقيدة البلاد الرسمية) ترى أن قيادة عائلة كيم تمثل "الوسيلة الوحيدة لنجاح الثورة الاشتراكية، وهزيمة الولايات المتحدة، وتوحيد شبه الجزيرة الكورية".
وتابع التقرير أن كيم جونج أون، في السياسات الكورية الشمالية، "ليس ديكتاتوراً"، بل "زعيماً يوجه أرواح الكوريين الشماليين نحو إتمام ثورتهم".
الدفاع عن نظام كيم
وقالت "ناشيونال إنترست"، إن التهديدات المحتملة لكوريا الشمالية لا تقتصر فقط على التهديدات العسكرية الخارجية للبلاد، وإنماً أيضا على الأوضاع الداخلية والخارجية التي قد تقوض شرعية النظام.
وأوضح التقرير أن ما تشير إليه كوريا الشمالية باعتباره "ردعاً" لا ينحصر فقط في "التدابير الخاصة بمنع الخصوم من شن هجوم استباقي على أراضيها، وإنما تشمل أيضاً سبل الدفاع عن نظام كيم".
وذكرت المجلة أن التصور الشمالي للردع يتضمن "عناصر إرغام تخلق بيئة خارجية تهدف إلى تعزيز شرعية النظام، أو إجبار دول الجوار على قبول الوضع الذي تريده بيونج يانج".
التصعيد المحسوب
وبيّنت المجلة أن المقاربة العسكرية الاستراتيجية لكوريا الشمالية لطالما جاءت وثيقة الصلة بما يعرف باستراتيجية "التصعيد المحسوب".
وأوضح التقرير أن "بيونج يانج تحقق أهدافها السياسية عن طريق الانخراط بحرص في استفزازات محسوبة لا تصل إلى حد إثارة الانتقام الأميركي، ومن ثم الحد من خطر اندلاع حرب شاملة".
واستشهد التقرير بما ذكره كيم جونج أون صراحة في خطابه، حين قال إن "كوريا الشمالية يمكن أن تستخدم أسلحتها النووية بنفس الطريقة التي استخدمت بها قوتها العسكرية من أجل الدفاع عن مصالحها الأساسية، وردع اندلاع حرب كبرى".
وتابعت المجلة أن "كوريا الشمالية يمكنها بمهارة، توظيف أو التهديد بتوظيف، أسلحتها النووية لتحقيق أهدافها السياسية، مع البقاء على مسافة مناسبة من عتبة الانتقام النووي الأميركي".
واستنتج التقرير أنه "يبقى من غير المرجح أن تقذف كوريا الشمالية جارتها الجنوبية بالقنابل النووية، إلا أنها يمكن أن تستخدم أسلحتها النووية بطريقة تفاقم من تأثير الضغط إلى حدوده القصوى، وذلك من خلال إثارة مستويات مماثلة من الخوف من حدوث هجوم فعلي".
خيارات واشنطن وسول
ورفض التقرير آراء بعض المحللين التي تقول إنه "يتعين على كوريا الجنوبية أن تطور أيضاً أسلحتها النووية الخاصة، أو أن تعيد الولايات المتحدة نشر أسلحتها النووية التكتيكية على شبه الجزيرة الكورية".
ورأت المجلة أنه "في ضوء الاستراتيجية النووية الحالية لكوريا الشمالية، فإن أياً من الخيارين ربما لن يكون فعالاً"، مرجعة السبب إلى أن بيونج يانج ستحاول على الأرجح تحقيق أهدافها من خلال استفزازات محسوبة، وليس من خلال الانخراط في حرب شاملة.
ونصح التقرير مخططي الأمن القومي الأميركيين والكوريين الجنوبيين بتطوير استراتيجية ردع أكثر دقة وحساسية، والإعداد لخيارات رد متعددة المستويات، "بدءاً من الانتقام على نطاق ضيق، ومروراً بإمكانية تنفيذ انتقام تدريجي، ووصولاً إلى التهديد بانتقام شامل وكاسح".
وقالت "ناشيونال إنترست": "يعني هذا أن التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية سيرد على استفزازات كوريا الشمالية بطريقة تطرح احتمالية اندلاع حرب شاملة، دون أن يجعلها في حكم اليقين".
وأشارت المجلة إلى ضرورة تواصل جهود فتح قناة حوار مع كوريا الشمالية، في الوقت الذي يجري فيه تعزيز قدرات التحالف على الردع.
اقرأ أيضاً: