تواجه حركة "فتح" مجموعة من التحديات في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي تأتي بعد مضي 15 عاماً على آخر انتخابات مماثلة.
يأتي في مقدمة هذه التحديات، قيام عدد من أعضاء الحركةوكوادرها، من بينهم أسرى محررون ومسؤولون سابقون، بتشكيل قوائم موازية لخوض الانتخابات، بعضهم بدافع الاحتجاج، وبعضهم الآخر مدفوعاً بعدم توفر فرصة له على قائمة الحركة.
وفي هذا السياق، امتنع عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، الدكتور ناصر القدوة، وهو ابن شقيقة الرئيس الراحل ياسر عرفات، وشغل مناصب رفيعة في السلطة الفلسطينية، منها منصب وزير الخارجية، عن المشاركة في اجتماع عقدته اللجنة، مساء السبت، لبحث استعدادات الحركة لخوض الانتخابات التشريعية.
مصادر مقربة من القدوة، قالت لـ"الشرق" إنه "يعدّ لتشكيل قائمة لخوض الانتخابات من خارج الحركة، وإنه قطع شوطاً طويلاً في ذلك".
وأضافت المصادر أن "القدوة غير راضٍ عن طريقة إدارة قيادة الحركة للسلطة الفلسطينية وللحركة على السواء، وأنه يفضل خوضها بشكل منفصل، بهدف إحداث تغيير سياسي من داخل البرلمان المقبل".
القدوة ليس إلا مثالاً على بوادر التصدع الذي تشهده الحركة، في وقت بدا أن التيار الذي يقوده المسؤول السابق في الحركة محمد دحلان، الذي يحظى بشعبية ملموسة في قطاع غزة، يعد مثالاً آخر لما سبق.
التحدي الأكبر
وزير الإعلام الأسبق، وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير، نبيل عمرو، قال في مقطع فيديو نشره على صفحته في فيسبوك قبل أيام، إن وحدة "فتح" هي التحدي الأكبر الذي تواجهه الحركة في هذه الانتخابات.
وأضاف: "على الحركة أن تبدأ ورشة عمل لتوحيد صفوفها وأنصارها والمراهنين على دورها"، منتقداً قيادة فتح نتيجة ما وصفه بـ"عدم وجود جهد جدي متقن، بعد، لتوحيد الحركة".
وكان عدد من قادة وأنصار "فتح" خاضوا الانتخابات ضد بعضهم البعض في الانتخابات السابقة التي أجريت في عام 2006، ما ساهم في إضعافها وهزيمتها أمام حركة "حماس".
قيادة "فتح"، تخشى من أن تؤدي هذه الظاهرة إلى ضياع كثير من الأصوات المحسوبة عليها، مؤكدة أنها ستسعى لتوحيد معسكراتها وتشكيل قائمة واحدة في الأسابيع القليلة المقبلة، قبل انتهاء موعد تسجيل القوائم نهاية الشهر المقبل.
الرجوب متفائل
رئيس وفد "فتح" للحوار الوطني، جبريل الرجوب، قال لـ"الشرق"، إن الحركة "ستخوض الانتخابات موحدة". وأضاف: "دائماً تظهر أصوات هنا وهناك، لكن فتح قادرة على توحيد قواها وقيادة الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال".
وتعهد الرجوب بأن تعمل اللجنة المركزية في الفترة المقبلة، على جمع أعضاء الحركة على قائمة واحدة تمثلها، مشيراً إلى أنها "ستكون منفتحة على الجمهور، ولن تختار إلا مرشحين مقبولين من قبل هذا الجمهور".
البرغوثي.. "حصان رابح"
الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أرسل الخميس الماضي، مبعوثاً خاصاً هو عضو اللجنة المركزية، حسين الشيخ، لزيارة الأسير مروان البرغوثي في سجنه، في إطار "العمل معاً على توحيد الحركة".
وقال الشيخ في اجتماع اللجنة المركزية إنه عرض على البرغوثي رسالة من الرئيس عباس، بأن يكون "شريكاً كاملاً" في العملية الانتخابية.
وأضاف أنه بحث مع القيادي الأسير، على مدار ساعتين سبل توحيد الحركة، واختيار مرشحيها، وأنهما توافقا على أسس ذلك، وفي مقدمتها "العدل والانصاف وعدم التهميش والإقصاء".
وقالت اللجنة المركزية في بيان صدر عنها عقب الاجتماع، إنها "ثمّنت" موقف البرغوثي من ضرورة خوض الانتخابات في قائمة واحدة "وفق المعايير المتفق عليها".
شخصية مقربة من البرغوثي، قالت لـ"الشرق" إن الأخير "متمسك بمعايير الاختيار، وإنه لن يدعم قائمة الحركة، إلا إذا جرى الالتزام التام بها". ولم تستبعد الشخصية أن يدعم البرغوثي كتلة من خارج الحركة، خصوصاً تلك التي يعكف ناصر القدوة على تشكيلها، إذا لم يتم الالتزام بمعايير الاختيار.
وتظهر استطلاعات الرأي العام أن البرغوثي هو صاحب الشعبية الأكبر في الشارع الفلسطيني منذ اعتقاله في عام 2002، ما يجعله بمثابة "حصان رابح" للحركة في أي انتخابات مقبلة.
إقبال على تسجيل الناخبين
وتشهد عملية تسجيل الناخبين إقبالاً واسعاً تجاوز 90% حتى اليوم، ما يعكس اهتمام الشارع الفلسطيني بهذه الانتخابات، التي تأتي بعد سنوات طويلة من توقف العملية الديمقراطية جراء الانقسام الذي وقع بعد سيطرة حركة "حماس" على قطاع غزة في عام 2007.
ويراهن المسؤولون في "فتح" على جذب الناخبين من خلال إظهار تاريخ الحركة ودورها الوطني، ووقوفها ضد مشاريع التصفية السياسية، وقدرتها على الحفاظ على الاستقرار الأمني والاقتصادي، في ظل عواصف شديدة تعرضت لها القضية الفلسطينية.
في المقابل، يحذّر البعض من عزوف جزء مهم من الناخبين عن الحركة في حال تعرضها للانقسام، خصوصاً في ظل انتشار انتقادات لأداء السلطة الفلسطينية، في مجالات الإدارة والصحة والتعليم والاقتصاد.
ففي المجال الصحي على سبيل المثال، تقف فلسطين متأخرة عن جميع الدول المحيطة (إسرائيل والأردن ومصر)، في تقديم لقاحات فيروس كورونا للجمهور. وفي المجال الاقتصادي، وصلت البطالة إلى ربع القوى العاملة.
ورأى الباحث في "مركز البحوث السياسية والمسحية" علاء لحلوح، أن أداء السلطة سيكون له بالغ الأثر على التصويت لمصلحة "فتح". وقال لـ"الشرق" إن "إمكانية تعرض الحركة للانقسام إلى كتل عدة، وقيام أعضاء اللجنة المركزية باختيار مرشحين موالين لهم، يعبرون عن مصالحهم، وليس عن مصالح الجمهور، من الأمور التي سيكون لها تأثيرها الكبير على حجم التصويت للحركة".
وأضاف: "إذا لم تقدم فتح مرشحين إصلاحيين يثق الجمهور بقدرتهم على القيام بالإصلاحات الجدية التي يطالب بها الناس، فلن تحقق النجاح المتوقع".
أزمة المعارضة
في موازاة ذلك، تواجه قوى المعارضة، خصوصاً "حماس" التي تحكم قطاع غزة، تحديات لا تقل عن تلك التي تواجهها "فتح" في هذه الانتخابات، في مقدمتها التردي الواسع للخدمات خصوصاً الكهرباء والصحة والتعليم والاقتصاد والسفر والتنقل.
وتبلغ نسبة البطالة في غزة أكثر من نصف القوى العاملة، فيما يشهد التيار الكهربائي انقطاعاً يومياً يصل أحياناً إلى 12 ساعة.
ويرى عدد من المراقبين في القطاع أن الكثيرين من الجمهور لن يصوتوا لحركة "حماس" آملين بحدوث تغيير في واقعهم، الأمر الذي قد يصب في مصلحة حركة "فتح"، أو أحد تياراتها.
الدكتور مخيمر أبوسعدة، أستاذ العلوم السياسية في "جامعة الأزهر" في غزة، قال لـ"الشرق"، إن هناك توجهاً ملموساً لدى الجمهور لتغيير الواقع الراهن في هذه الانتخابات".
وأضاف: "أعتقد أن الجمهور في غزة لن يصوت لحركة حماس بسبب حجم المعاناة التي عاشها خلال سنوات حكمها الماضية"، لافتاً إلى أن "نسبة المصوتين للحركة لن تزيد على النواة الصلبة لها في القطاع". ورأى أن "الغضب من الواقع الاقتصادي والخدماتي في غزة خلال حكم حماس، سيخدم حركة فتح".
أما في الضفة الغربية، فتواجه حركة "حماس" تحديات عدة منها تعرض نشطائها ومرشحيها للاعتقالات المتكررة من قبل إسرائيل.
وقال مسؤولون في الحركة إن السلطات الإسرائيلية هددت عدداً من قياداتها في الضفة بالاعتقال في حال خوضهم الانتخابات باسم الحركة التي تعتبرها إسرائيل "إرهابية".
وتفادياً لذلك تدرس "حماس" ترشيح غالبية أعضاء قائمتها من قطاع غزة الذي لا تسيطر عليه إسرائيل.