يترقب الليبيون جلستي مجلس النواب، الاثنين والثلاثاء، لمتابعة التصويت على مشروع الموازنة المقدم من حكومة فتحي باشاغا المكلفة من البرلمان، وسط تباين في الآراء بشأن قيمتها الكبيرة البالغة أكثر من 94 مليار دينار ليبي (19.5 مليار دولار).
وأثار حجم الموازنة المقسمة على أربعة أبواب تشمل "الرواتب، النفقات التشغيلية والتيسيرية، وبرامج التنمية، والإعمار والدعم" جدلاً كبيراً في ليبيا، إذ رأى منتقدوها أنها "توسعت في الإنفاق" رغم الأزمة الاقتصادية.
وبخلاف اعتماد الموازنة الذي يبدو محسوماً من قبل البرلمان، ينتظر المراقبون موقف مصرف ليبيا المركزي بقيادة الصديق الكبير سواء بتنفيذها أو رفضها انحيازاً لحكومة الوحدة المقالة، والمرتكزة في غرب البلاد بقيادة عبد الحميد الدبيبة.
توسع الإنفاق
وقال المحلل الاقتصادي أحمد الخميسي، إن حكومة فتحي باشاغا توسعت في الإنفاق المالي بمقترح الموازنة العامة "في وقت تعاني فيه ليبيا من تراجع إيرادات النفط"، بالإضافة إلى "الغلاء، وانخفاض قيمة الدينار".
واعتبر الخميسي في تدوينة له عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن توسع الإنفاق في هذا التوقيت "خطأ فادح يجب تداركه".
ولم تسلم حكومة "الوحدة" المقالة أيضاً من انتقادات الخميسي، قائلاً إن "لديها مشروعات تستنزف الكثير من المال والوقت والجهد، ويستفيد منها القلة القليلة"، مطالباً حكومة باشاغا بتدارك أخطاء الحكومة السابقة وليس تكرارها.
رد حكومي
بدوره، رد وزير التخطيط والمالية في حكومة باشاغا أسامة حماد على هذه الانتقادات، قائلاً إن الموازنة المقترحة لا تعد كبيرة بالنظر إلى أن الإنفاق في الباب الأول المتعلق بالمرتبات يصل إلى 41 مليار دينار، منبهاً إلى أنه "أكبر أبواب الموازنة".
ورأى حماد أن "سعي الحكومة إلى تقديم جدول المرتبات الموحد سيسهم فى تقليص المبلغ المحدد فى الميزانية وسيحقق العدالة الاجتماعية"، ووعد بتقديم "تفسيرات دقيقة، ومعادلة حسابية خاصة بهذا الجدول".
واعتبر حماد في تصريحات إعلامية أن "حجم الموازنة يسمح لمصرف ليبيا المركزي بتخفيض سعر الصرف بواقع 30%، وهو ما يعني زيادة قوة شراء الدينار، ما ينعكس على قوة المرتب".
وأضاف أن الحكومة التزمت بتعهدها الخاص بترشيد النفقات الحكومية مقارنة مع الحكومة السابقة، متهماً حكومة الدبيبة بصرف 86 مليار دينار (17.9 مليار دولار) خلال 6 أشهر فقط.
تضخم الرواتب
من جانبه، دافع نائب رئيس الحكومة الجديدة خالد الأسطى، عن مقترح الموازنة الحكومية، قائلاً إن عدم وجود باب خامس للطوارئ في الموازنة يعني "عدم وجود باب فساد".
وأضاف الأسطى في تصريحات إعلامية أن تضاعف الإنفاق في الموازنة "أمر طبيعي" في ظل تمدد مبالغ المرتبات في السنوات الأخيرة. وأوضح أن المرتبات بلغت عام 2011 حوالي 8 مليارات دولار موزعة على 700 ألف موظف، مقابل 40 مليار دينار لصالح مليوني موظف في عام 2021.
موقف المركزي
وبعيداً عن حجم الموازنة، تركزت التساؤلات على موقف مصرف ليبيا المركزي بقيادة الصديق الكبير من تنفيذها، ومدى إمكانية توقفه عن إمداد حكومة الدبيبة بالأموال في ظل نقص الموارد.
وقال أستاذ التمويل والمحلل الاقتصادي سليمان الشحومي في منشور على صفحته في "فيسبوك"، إن مؤسسات الدولة بشكل عام "معنية بتنفيذ صرف الموازنة بعد إقرارها من البرلمان، وبشكل خاص يجب أن يلتزم البنك المركزي تنفيذها".
ونبه إلى أن الموازنة الخاصة بحكومة باشاغا حال إقرارها، "ستكون أول موازنة يتم صرفها بعد مصادقة البرلمان منذ عام 2014"، معتبراً أن المصرف المركزي سيكون ملزماً بتنفيذها، و"التوقف عن الإنفاق على حكومة الدبيبة بسبب انعدام الصفة وغياب الآلية".
وتابع الشحومي أن المصرف المركزي لن يكون أمامه أي خيارات بشأن الصرف لحكومة الدبيبة "إذ أنه ملزم بتنفيذ قرارات البرلمان".
ورأى المحلل الاقتصادي أن "انحسار إيرادات النفط قد يدفع المصرف المركزي للتعاطي بشكل رسمي مع الحكومة الجديدة وفقاً للقانون والتشريعات التي تتبع إقرار الموازنة".
الخروج عن القانون
واتفق عضو مجلس النواب المهدي الأعور، مع الشحومي، قائلاً إن المصرف المركزي سيكون ملزماً بتمويل الميزانية، ورأى أن رفض المصرف تمويل الميزانية يجعله "خارجاً عن القانون"، وقد يتسبب في اتخاذ إجراءات تصعيدية ضده.
وأضاف في تصريحات إعلامية أن "الميزانية الجديدة ستتميز عن السابق بتبويب وإيضاح كل تفاصيل المشروعات المدرجة في بنودها، مما يسهل الرقابة على الإنفاق".
إثارة الشكوك
في مقابل الآراء المرجحة لالتزام المصرف المركزي بتنفيذ الميزانية التي يقرها البرلمان، أثار اجتماع رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، في طرابلس، الخميس الماضي، شكوك عدد من المراقبين.
وأطلق الدبيبة خلال الاجتماع وابلاً من الإطراء على المصرف المركزي ورئيسه، ما أثار مخاوف لدى مؤيدي حكومة باشاغا من رفض محتمل لتمويل موازنة البرلمان وانحياز المصرف لحكومة الوحدة بقيادة الدبيبة في طرابلس.
وبينما لم يصدر أي تعليق من المصرف المركزي بشأن الاجتماع، قال مكتب الدبيبة، إن اللقاء جاء لمتابعة الإنفاق العام، والتأكيد على مبدأ الشفافية والإفصاح عن كافة المصروفات الحكومية، وضرورة إصدار تقارير شهرية من المؤسسات بخصوصها.
الموقف الدولي
ويعتقد كثير من المتابعين في ليبيا أن القضية الفاصلة التي قد تحسم اتجاه المصرف المركزي من صرف الموازنة الجديدة لحكومة باشاغا من عدمه، هو الموقف الدولي من الحكومتين المتنافستين على السلطة، وخصوصاً مواقف القوى الفاعلة والمؤثرة في الملف الليبي وعلى رأسها واشنطن.
ورجحت آراء عدة دعم الولايات المتحدة قرارات البرلمان بهدف تجنب الانقسام التام في البلاد من جديد.
وأعلنت السفارة الأميركية في ليبيا، السبت دعمها قرار البرلمان الليبي التجميد المؤقت "لعائدات النفط في حساب المؤسسة الوطنية للنفط لدى البنك الليبي الخارجي حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن آلية لإدارة الإيرادات".