السعودية والصين.. علاقات متجذرة ومصالح كبرى

أعلام السعودية والصيني في العاصمة بكين - REUTERS
أعلام السعودية والصيني في العاصمة بكين - REUTERS
دبي-الشرق

يمثل أمر الملك سلمان بن عبد العزيز بتعيين عبد الرحمن الحربي سفيراً للمملكة لدى الصين، الأحد، خطوة جديدةً نحو تطوير العلاقات الصينية السعودية، التي شهدت في السنوات الأخيرة تطوراً سريعاً بدءاً من المجال الاقتصادي وصولاً إلى المجالين السياسي والعسكري.

وتقلد الحربي في السنوات الأخيرة العديد من المناصب الاقتصادية في السعودية، حيث تسلم عام 2019 منصب محافظ الهيئة العامة للتجارة الخارجية، كما شغل قبل ذلك منصب وكيل الوزارة للتجارة الخارجية في وزارة التجارة والاستثمار في عام 2016، فضلاً عن خبرة متنوعة في مجال التجارة والاستثمار والقطاع المالي، بعدما شغل العديد من المناصب القيادية في القطاع الخاص من بينها منصب الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات المالية الإقليمية في المملكة.

محافظ الهيئة العامة للتجارة الخارجية سابقاً عبد الرحمن الحربي في أخر اجتماع له برؤساء مجالس الأعمال السعودية الأجنبية المشتركة - 26 مايو 2022 - twitter.com/gaft_sa/media
محافظ الهيئة العامة للتجارة الخارجية سابقاً عبد الرحمن الحربي في آخر اجتماع له برؤساء مجالس الأعمال السعودية الأجنبية المشتركة - 26 مايو 2022 - twitter.com/gaft_sa/media

32 عاماً من العلاقات الدبلوماسية

وتشهد العلاقات السعودية الصينية تطوراً متواصلاً منذ 80 عاماً، وذلك حين قررت الرياض في عام 1939 التمهيد لعلاقات سياسية قوية مع بكين. هذا القرار استغرق 6 أعوام قبل توقيع أول معاهدة صداقة بين البلدين في نوفمبر 1946 في جدة. 

وبعد تلك الاتفاقية استمرت العلاقات بين البلدين في ثلاثة اتجاهات، أولها بدء عودة أول قوافل الحجاج الصينيين في نهاية السبعينات من القرن الماضي، وثانيها فتح طريق صادرات البضائع الصينية إلى السعودية في نهاية الثمانينات، وثالثها عودة العلاقات الرسمية السياسية بين البلدين بشكل فاعل وقوي.

وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية في عام 1990، وعلى مدى 32 عاماً الماضية، أحرز البلدان تقدماً كبيراً في العلاقات انعكس أيضاً على التعاون الاقتصادي والتجاري والتبادلات الثقافية وتعزيز التواصل بشأن القضايا الدولية.

وفي الفترة بين عامي 1991 و1998، شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً ملحوظاً تلخص في 16 زيارة واتفاقيات تعاون رفيعة المستوى في مختلف المجالات، لتتوج بزيارة الملك عبد الله بن عبد العزيز حينما كان ولياً للعهد في عام 1998، واعتبرت تلك الزيارة الأعلى مستوى من ناحية الوفد الرسمي إلى الصين.

الرئيس الصيني جيانغ تسه مين يستقبل في بكين الملك عبد الله بن عبد العزيز حينما كان ولياً للعهد - 15 أكتوبر 1998 - AP
الرئيس الصيني جيانغ تسه مين يستقبل في بكين الملك عبد الله بن عبد العزيز حينما كان ولياً للعهد - 15 أكتوبر 1998 - AP

وشهدت العلاقات الثنائية قوة دفع كبيرة خلال السنوات الأخيرة، من خلال رفع مستوى العلاقات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة وتأسيس اللجنة المشتركة الصينية السعودية رفيعة المستوى، وذلك من خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى السعودية عام 2016، وزيارة الملك سلمان بن عبد العزيز للصين عام 2017، وزيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لبكين في عام 2019.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يلتقي بالرئيس الصيني شي جين بينج في العاصمة بكين - 22 فبراير 2019 - REUTERS
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يلتقي بالرئيس الصيني شي جين بينج في العاصمة بكين - 22 فبراير 2019 - REUTERS

التبادل التجاري

وعند تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين الصين والسعودية، كان حجم التجارة الثنائية للعام بأكمله يبلغ حوالي 500 مليون دولار، في حين قفز التبادل التجاري بين البلدين من 3 مليارات دولار في عام 2000، إلى 67 مليار دولار في 2020، أي أنه تضاعف أكثر من 22 مرة خلال عقدين.

وبلغت القيمة الإجمالية للمشاريع المتعاقد عليها التي أنجزتها الشركات الصينية في المملكة العربية السعودية في الفترة ما بين 2014 و2019 نحو 40 مليار دولار، ويمثل هذا المبلغ ضعف القيمة المقابلة للفترة ما بين الأعوام من 2008 و2013، بحسب ما ذكرته دراسة لـ"مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية".

وترتبط المملكة العربية السعودية والصين بعلاقات قوية في مجال الطاقة، حيث تعتبر الرياض أكبر شريك لبكين في منطقة الشرق الأوسط، إذ إنها المصدر الأول للنفط إلى الصين متفوقة على روسيا، الجارة الشمالية والشريك الاستراتيجي لبكين.

وصدرت السعودية ما معدله 1.8 مليون برميل يومياً في نوفمبر 2021، متراجعة عن معدل 2.06 مليون برميل يومياً في نوفمبر 2020، ومع ذلك حافظت على تقدمها على روسيا التي بلغت صادراتها إلى الصين 1.67 مليون برميل يومياً بشكل مستقر.

ويسعى البلدان إلى تعميق التعاون الاقتصادي بينهما عبر نقاط الالتقاء بين "رؤية السعودية 2030" ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية، التي تحيي طريق الحرير، حيث تستفيد السعودية من موقعها الاستراتيجي لوصل قارة آسيا بإفريقيا.

في السياق، تم تدشين أول مشروعات التعاون السعودي الصيني في مبادرة "الحزام والطريق"، عام 2019، وهو مشروع مصنع شركة "بان آسيا" الصينية للصناعات الأساسية والتحويلية بمدينة جازان جنوب غربي السعودية، وهو باكورة الاستثمار الصيني في هذه المنطقة على وجه التحديد، باستثمار قيمته 1.15 مليار دولار في مرحلته الأولى.

إلى ذلك، يمتد التعاون الثنائي إلى مجالات جديدة مثل الثقافة والتعليم والتكنولوجيا، حيث أعلنت السعودية سابقاً عزمها إرسال عدد كبير من الطلاب إلى الصين للدراسة خلال السنوات المقبلة، كما أدرجت اللغة الصينية في مراحل التعليم المختلفة بالمملكة، في حين بذلت الجامعات الصينية جهودها في تعزيز دراسة اللغة العربية، بحسب وكالة "شينخوا" الصينية.

التعاون الأمني والعسكري

ورغم أن الاتفاقيات الاقتصادية كانت تطغى على العلاقات السعودية الصينية، إلا أنه في عام 1988 شهدت العلاقات مساراً مختلفاً مع اتفاق على تزويد الرياض بصواريخ من نوع "دونج فنج 3" الصينية متوسطة المدى.

التعاون العسكري بين البلدين استمر خلال السنوات اللاحقة، حيث شهد عام 2006 زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو للرياض، والتي نتجت عنها اتفاقية تعاون أمني بين الحكومتين السعودية والصينية، إضافة إلى التوقيع على عقد أنظمة دفاعية، بحسب وكالة الأنباء السعودية "واس".

جانب من زيارة الرئيس الصيني السابق هو جينتاو إلى الرياض - 22 أبريل 2006 - REUTERS
جانب من زيارة الرئيس الصيني السابق هو جينتاو إلى الرياض - 22 أبريل 2006 - REUTERS

وتعمقت العلاقات السعودية الصينية في المجالات الأمنية والعسكرية عام 2017، وذلك حينما شهد الملك سلمان أثناء زيارته لبكين التوقيع على اتفاقيات بقيمة 65 مليار دولار بمجالات مختلفة، منها الاتفاق على الشراكة لتصنيع الطائرات المسيرة، بعدما وقع الأمير تركي بن سعود بن محمد رئيس "مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية" السابق اتفاقية تعاون مع رئيس مجلس إدارة شركة "CASA" لي فانبي.

وفي آخر تطور بشأن التعاون العسكري بين الجانبين، قالت الرياض في يناير الماضي، إن الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي بحث مع الفريق أول وي فونج خاه، مستشار الدولة وزير الدفاع الصيني، العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة في المجال الدفاعي والعسكري، وسبل تطويرها.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات