نفذ أفراد في السلك الدبلوماسي بفرنسا إضراباً نادراً، الخميس، نتيجة غضبهم من إصلاح تعتزم الحكومة إقراره، ويخشون أن يمسّ مسيرتهم المهنية و"مكانة فرنسا في العالم".
وهذا الإضراب في السلك الدبلوماسي هو الثاني منذ نحو عقدين، وشهد تظاهرة نظمها حوالى 100 دبلوماسي علناً أمام مقرّ وزارة الخارجية الفرنسية في باريس، علماً أن دبلوماسيين كثيرين، بينهم سفراء، يعملون في الشرق الأوسط وآسيا والولايات المتحدة، شاركوا في الإضراب الذي استمرّ يوماً واحداً، كما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".
ويطالب الدبلوماسيون المضربون الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بإلغاء خطة تستهدف دمج الدبلوماسيين المحترفين في هيئة أكبر تضمّ موظفي الخدمة المدنية، بدءاً من يناير المقبل، أو على الأقلّ إجراء حوار في هذا الصدد. وتفيد معلومات بأن الخطة، التي أعلنها ماكرون في مرسوم صدر في أبريل الماضي، ستمسّ حوالى 800 دبلوماسي.
وكتبت مجموعة تضمّ 500 دبلوماسي، في تعليق نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية الأسبوع الماضي: "نواجه خطر اختفاء دبلوماسيتنا الاحترافية. اليوم، بات الدبلوماسيون مقتنعين بأن وجود الوزارة ذاته أصبح موضع شك".
ويأتي ذلك في ظلّ الغزو الروسي لأوكرانيا ومفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، علماً أن فرنسا تتولّى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.
"إضعاف الدبلوماسية"
وزيرة الخارجية المعيّنة حديثاً، كاثرين كولونا، وهي دبلوماسية محترفة، لم تعلّق على الإضراب. لكن الوزارة أعلنت أنها ستجتمع الثلاثاء مع النقابات وممثلي حركة الاحتجاج، في جلسة "استماع" أولية.
ورفع متظاهرون لافتة ضخمة، كُتب عليها: "دبلوماسيون محترفون مضربون"، خلال الاحتجاج أمام مبنى وزارة الخارجية على ضفاف نهر السين.
وقال موريس جوردو مونتان، وهو سفير سابق لفرنسا لدى الصين واليابان وبريطانيا، شارك في الاحتجاج قبالة الوزارة: "إن القول بأن الدبلوماسية في خطر، قد يكون قوياً جداً". واستدرك أن "الدبلوماسية ستضعف، في وقت ثمة حاجة خاصة إلى هذه المهارات".
وقال دبلوماسي آخر شارك في التظاهرة، عرّف عن نفسه باسم بنجامين: "لكي تصبح سفيراً، من الضروري أن تستوفي بعض المهارات قبل أن تصل إلى أعلى السلّم، وهذا الإصلاح يدعم فكرة أنه ليست هناك حاجة لمثل هذه المهارات".
محسوبية في وزارة الخارجية؟
ويستهدف الإصلاح الحكومي تحديث السلك الدبلوماسي الفرنسي وتنويعه، علماً أنه أُسّس في القرن السادس عشر، وإحداث انفتاح في ما يعتبره بعضهم بالحكومة مؤسّسة نخبوية منغلقة على نفسها، بحسب "أسوشيتد برس".
هذا الإصلاح سيشمل توزيع الدبلوماسيين على مجموعة ضخمة في كل فروع قطاع الخدمة العامة، مشجّعاً على الانتقال إلى وزارات أخرى ومُرغماً الموظفين على التنافس مع آخرين من خارج السلك، على مناصب دبلوماسية مرموقة.
ويعتبر الدبلوماسيون أن وظيفتهم تتطلّب تخصّصاً وخبرة مكتسبة طيلة سنوات، في مناصب بكل أنحاء العالم، مشددين على أن لا مجال للهواة في هذا الشأن.
وكتبت أوريلي بونال، نائبة السفير الفرنسي لدى الولايات المتحدة، على "تويتر": "أنا مضربة اليوم. الدبلوماسيون يتفاوضون ويتحدثون ويساومون. إنهم عموماً لا يضربون".
وأثارت بونال مصدر قلق آخر يرى الدبلوماسيون المحتجون أن الإصلاح الحكومي يمكن أن يولّده، وهو المحسوبية، إذ كتبت: "من دون سلك دبلوماسي، سيكون أسهل بكثير على (الحكومة) تعيين أصدقاء على كل مستويات الوظائف الدبلوماسية".
"خطأ تاريخي"
ووصف دومينيك دوفيلبان، الذي شغل سابقاً منصبي رئيس الوزراء ووزير الخارجية في فرنسا، الإصلاح المرتقب بأنه "خطأ تاريخي". وكتب على "تويتر" أن خسارة الوضع المميّز للدبلوماسيين في الخدمة المدنية يعني بالنسبة إلى فرنسا "فقدان الاستقلالية، وفقدان الكفاءة، وفقدان الذاكرة الذي سيؤثر بشكل كبير في السنوات المقبلة".
وكان دوفيلبان ألقى خطاباً بليغاً أمام مجلس الأمن، في عام 2003، أعلن فيه معارضة فرنسا غزو الولايات المتحدة للعراق.
وحتى قبل مرسوم ماكرون، تفاقم إحباط في وزارة الخارجية، نتيجة خفض التمويل وتقليص عدد الموظفين والاستعانة بأفراد من خارجها.
التعليق الذي نشرته "لوموند" للدبلوماسيين، استهجن "عقوداً من تهميش دور الوزارة داخل الدولة" الفرنسية و"تقليصاً كبيراً" في عدد الموظفين، إذ سجّل انخفاضاً بنسبة 30% خلال 10 سنين، بحسب الدبلوماسيين، مشيرين إلى أن تمويل الوزارة لا يشكّل سوى 0.7% من موازنة الدولة.
وأظهر هاشتاج (#diplo2metier) على "تويتر"، أن سفراء في كل أنحاء العالم شاركوا في إضراب الخميس، أو أيّدوه. وكتبت السفيرة الفرنسية لدى الكويت، كلير لو فليشر، على "تويتر": "سأكون مضربة... احتجاجاً على إصلاح السلك الدبلوماسي، واستمرار تقليص وسائل دبلوماسيتنا".
وشددت بونال على أن وظيفة الدبلوماسي هي "أكثر من مجرد تناول حلوى فاخرة في بلدان سياحية"، مضيفة: "الحقيقة هي أننا نزور أيضاً مشارح وسجوناً. نحن نعمل لساعات متأخرة جداً، وليس دائماً في دول آمنة. إنها مهنة، وليست تجربة لمدة 3 سنوات". وأشارت إلى أنها كانت ضمن المشاركين في أول إضراب ينفذه دبلوماسيون فرنسيون في عام 2003، احتجاجاً على تخفيضات في الموازنة.
ولدى فرنسا ثالث أكبر شبكة من الدبلوماسيين في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين، تضمّ 1800 دبلوماسي وحوالى 13500 شخص يعملون في وزارة الخارجية، بحسب وكالة "رويترز".
اقرأ أيضاً: