قد تخلو جولة الرئيس الأميركي جو بايدن من الوعود السياسية الكبيرة للفلسطينيين، لكن زيارته الخاصة لمستشفى المطلع في القدس الشرقية المحتلة دون مرافقة إسرائيلية، ولقاءه مع ممثلي شبكة مستشفيات المدينة، وإعلانه المرتقب عن استئناف الدعم المالي الأميركي الخاص لتلك المستشفيات، يحمل رسائل لا تخلو من الأهمية السياسية.
وتحتل مستشفيات القدس مكانة سياسية خاصة لدى الفلسطينيين، نظراً لأنها تقع في القدس الشرقية التي تعتبرها إسرائيل جزءاً من عاصمتها، وتقوم بحملات منظمة تهدف إلى إغلاق المؤسسات الفلسطينية فيها، واستبدالها بمؤسسات إسرائيلية.
وتضم شبكة مستشفيات القدس 6 مستشفيات هي "المقاصد" و"المطلع" و"الهلال الأحمر" و"العيون" و"الأميرة بسمة" و"الفرنسي"، وتشكل جميعاً عصب القطاع الصحي في فلسطين.
أُسست هذه المستشفيات في القدس قبل الاحتلال الإسرائيلي لها عام 1967، وغالبيتها مستشفيات أهلية غير ربحية.
وفي عام 1997 انتظمت في شبكة واحدة بمبادرة من الزعيم المقدسي الراحل فيصل الحسيني، بهدف مواجهة التحديات والتهديدات الاسرائيلية.
وتقدم مستشفيات القدس العلاج لكل الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، خاصة لعلاج الأمراض الخطرة والمزمنة مثل الأورام والقلب والعيون والإعاقات عند الأطفال.
وقال رئيس الشبكة عبد القادر الحسيني لـ"الشرق"، إن المرضى المحولين من جهات حكومية في الضفة الغربية وقطاع غزة يشكلون حوالي 70% من الحالات التي تستقبلها هذه المستشفيات.
أزمة مالية
أثرت الأزمة المالية التي تشهدها الحكومة الفلسطينية منذ سنوات، على مستوى تسديد الالتزامات المالية الحكومية لهذه المستشفيات، ما عرضها لأزمة مالية حادة.
وتفاقمت الأزمة بهذه المستشفيات بعد قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في 2018 بوقف كل المساعدات المالية للفلسطينيين، بما فيها 25 مليون دولار كانت تدفعها واشنطن لمستشفيات القدس عبر التحويلات الحكومية.
ووصلت الأزمة خلال العامين الأخيرين حد عجز بعض هذه المستشفيات عن توفير العلاج لأمراض خطيرة مثل الأورام. فعلى سبيل المثال، أوقف مستشفى المطلع المتخصص في الأورام استقبال الحالات الجديدة المحولة من الحكومة الفلسطينية منذ سبتمبر 2021، بسبب عدم توفر المال اللازم لشراء الأدوية باهظة التكاليف.
وقال عبد القادر الحسيني إن الحكومة الفلسطينية مدينة لمستشفيات القدس بمبالغ كبيرة تصل إلى مئات الملايين من الشواكل (الدولار الواحد يعادل 3.46 شيكل).
ومن المقرر أن يزور الرئيس الأميركي جو بايدن مستشفى المطلع، الجمعة، ويجتمع مع ممثلين عن شبكة مستشفيات القدس، ويعلن في ختام الزيارة عن استئناف تقديم المساعدات الأميركية لهذه الشبكة.
الاهتمام بالقدس
وقال الطبيب بمستشفى المطلع ممدوح العكر لـ"الشرق"، إن "مستشفيات القدس هي من بين عدد قليل من المؤسسات الوطنية الفلسطينية الباقية، وبقاؤها يحمل رمزية وطنية وسياسية مهمة للفلسطينيين".
وأضاف: "على القيادة الفلسطينية أن تولي اهتماماً أكبر بمؤسسات القدس خاصة المستشفيات، عليها أن تعطيها الأولية الأولى إذا كانت القدس لا تزال تحتل هذه المكانة لديها وإلا فإنها ستكون مهددة على الدوام".
وينظر العاملون في مستشفيات القدس باهتمام كبير للانفراجة المالية المتوقعة لهذه المؤسسات، بعد عودة الدعم الأميركي.
وذكر سمير القدومي، رئيس لجنة الموظفين بمستشفى المقاصد لـ"الشرق"، أن "الأزمة المالية الخانقة تهدد قدرة هذه المؤسسات على البقاء، وتهدد الأمن الوظيفي لآلاف العاملين فيها".
وتابع: "مستشفيات القدس هي عنوان الصمود الفلسطيني بالقدس في وجه سياسة التفريغ والتهويد الإسرائيلية، وبقاؤها يشكل العنوان الأول للمقاومة الفلسطينية في المدينة".
المستشفى والقدس الشرقية
وكانت الولايات المتحدة رفضت طلباً من إسرائيل بأن يقوم ممثل لوزارة الصحة الإسرائيلية بمرافقة الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته مستشفى أوجوستا فيكتوريا (المعروفة باسم "المطلع") في القدس الشرقية، بحسب ما قاله 4 مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى لموقع "والا" الإخباري الإسرائيلي.
وقالت المصادر إن الإدارة الأميركية رفضت الطلب الإسرائيلي ووصفت زيارة بايدن إلى المستشفى الفلسطيني بالقدس الشرقية بأنها "زيارة خاصة"، ولا ينبغي تحويلها إلى "حدث سياسي".
وأوضحت أن الرد الأميركي أغضب المسؤولين الإسرائيليين.
ولفت الموقع في تقريره إلى الحساسية الشديدة لزيارة بايدن إلى القدس الشرقية من الناحية السياسية، في ضوء اعتراف الولايات المتحدة، في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، التي حاولت ولا تزال تحاول تغيير الموقف الأميركي من رفض طلبها بمرافقة مسؤول إسرائيلي من وزارة الصحة للرئيس الأميركي خلال زيارته المستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية.
وأضاف أن زيارة بايدن للقدس الشرقية تأتي في وقت تستعد فيه إسرائيل لإجراء انتخابات عامة، ما يحول الأمر إلى قضية حساسة وملغومة من الناحية السياسية، وكل قرار سيتم اتخاذه خلال تلك الزيارة سوف يثير ردود فعل سياسية ويجر بايدن إلى أتون المعركة الانتخابية الإسرائيلية.
اقرأ أيضاً: