زيارة بايدن للسعودية ترفع سقف التوقعات بزيادة الشراكة الاقتصادية

منظر عام للعاصمة السعودية الرياض - Getty
منظر عام للعاصمة السعودية الرياض - Getty
الرياض- فتح الرحمن يوسفالشرق الأوسط

توقّع اقتصاديون أن تثمر نتائج أول زيارة للرئيس الأميركي جو بايدن، منذ تسلّمه مقاليد الحكم، إلى السعودية عن رفع مستوى الشراكات الاقتصادية وزيادة التجارة والاستثمارات الثنائية.

ورجح الخبراء أن تدفع الزيارة إلى عودة الشراكة الاستراتيجية إلى سابق عهدها وفق قاعدة صلبة ورؤية محققة للمصالح المشتركة، وفي مقدمتها أمن واستقرار المنطقة الضامن لأمن إمدادات الطاقة، وبالتالي حماية الاقتصاد العالمي من تداعيات خطيرة سيكون تأثيرها الأكبر على الدول الصناعية الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة.

الشريك الاستراتيجي

وعلى الرغم من إقرار الاقتصاديين في حديثهم لـ"الشرق الأوسط" بأن أميركا شريك استراتيجي للمملكة وأنها تمثل ثقلاً اقتصادياً وسياسياً، ولا يمكن المراهنة على إقصائها، إلا أنهم يرون أن المملكة تعد محورية في أمن واستقرار المنطقة اقتصادياً وسياسياً، فضلاً عن أنها مرتكز أساسي لاستقرار أسواق الطاقة والمحققة لأمن وسلاسل الإمدادات دولياً.

ويرى فضل البوعينين، عضو مجلس الشورى السعودي، أن الزيارة ستعزز علاقات البلدين اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً، مشيراً إلى أن بايدن أدرك أخيراً أهمية المملكة في المنطقة واستدامة العلاقات الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، متلافياً خطأه في محاولة إقصائها حينما كان يصرّح بذلك لأنصاره منذ بداية ترشحه للرئاسة.

وقال البوعينين لـ"الشرق الأوسط": "أنظر إلى زيارة الرئيس الأميركي من جانب إصلاح بوصلة العلاقات السعودية الأميركية التي تسبب وحزبه الديمقراطي في الإضرار بها، ما دفع المملكة للبحث عن مصالحها بمنأى عن غطرستها... يؤكد ذلك ما تضمنه مقال الرئيس بايدن الذي عنونه بـ(لماذا أنا ذاهب إلى السعودية؟)، وذكر فيه أهمية علاقة بلاده بالمملكة الممتدة لأكثر من 80 عاماً".

التوازن الأمثل

ويعتقد البوعينين أن رؤية المملكة في علاقاتها الخارجية باتت تعتمد على تحقيق التوازن الأمثل الضامن لتحقيق المصالح، وتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة من دون أن تسمح لها بالإضرار بمصالحها الداخلية والإقليمية والدولية، مقرّاً في الوقت ذاته بأن أميركا شريك استراتيجي للمملكة، كما أنها تمثل ثقلاً اقتصادياً وسياسياً ولا يمكن المراهنة على إقصائها.

وأضاف البوعينين أن "الملفات الاقتصادية والاستثمارية والسياسية والأمنية ستكون حاضرة في الزيارة بما يحقق المصالح المشتركة"، متفائلاً بأهمية الزيارة لدى الطرفين، من حيث معالجتها للملفات العالقة والتحديات التي تسبب بها بايدن نفسه.

وتوقع أن تتضمن ملفات الزيارة عودة الشراكة الاستراتيجية إلى سابق عهدها وفق قاعدة صلبة ورؤية محققة للمصالح المشتركة، وفي مقدمتها أمن واستقرار المنطقة الضامن لأمن إمدادات الطاقة، وبالتالي حماية الاقتصاد العالمي من تداعيات خطيرة سيكون تأثيرها الأكبر على الدول الصناعية الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة.

وتابع: "نجحت المملكة في المضي قدماً بتنفيذ إصلاحاتها الاقتصادية ولم تلتفت للموقف الأميركي خلال العامين الماضيين، فالسوق العالمية مفتوحة والتقنيات متاحة في كثير من الدول البديلة، التحوّل نحو الشرق من أدوات تحقيق التوازن في العلاقات الاقتصادية ونقل التقنية، وهو ما عززته التجارب الماضية والحالية... من الخطأ المتسبب بمخاطر كبرى الاعتماد على شراكة استراتيجية واحدة، وهو ما أدركته القيادة السعودية".

شراكات أخرى

وأوضح أن السعودية عززت شراكاتها مع الدول الأخرى لضمان استدامة البناء والحصول على أجود التقنيات الصناعية من مصادر مختلفة لتحقيق الكفاءة والأمن الاستراتيجي وضمان الاستدامة، مستدركاً أنه على الرغم من أهمية الميزة التقنية والمعرفية الأميركية، فإنها باتت متاحة في دول صناعية أخرى، حيث للمملكة حرية الاختيار وفق مصالحها الخاصة على حدّ تعبيره.

الطاقة والسياسة

وبشأن أهمية التعاون الثنائي لاستقرار أسواق الطاقة العالمية وكبح جماح آثار الأزمة الروسية الأوكرانية من حيث مشكلات الطاقة والغذاء، قال البوعينين: "منذ اليوم الأول أعلنت المملكة موقفها الرسمي من النزاع الروسي الأوكراني، وشددت على أهمية المعالجة الدبلوماسية للأزمة، إلا أن المملكة لا ترغب في أن تكون ترساً في عجلة الأزمة الروسية الأوكرانية، وتنأى بنفسها عنها، إلا من خلال الوساطات الدبلوماسية".

ولفت إلى أن المملكة حريصة على التعامل مع أزمات المنطقة المفتعلة بمثل آلية تعامل الغرب مع الأزمة الروسية الأوكرانية، وعلى أسس من العدالة، ومع هذا لم تستغل المملكة الأزمة للتأثير على سوق الطاقة والإمدادات، بل التزمت باتفاق "أوبك" الذي كانت الولايات المتحدة جزءاً منه في فترة الرئيس السابق دونالد ترمب.

وشدد على أن "السعودية تُعدّ محور استقرار أسواق الطاقة والمحققة لأمن الإمدادات وسياستها النفطية معلنة وثابتة"، مبيناً أنها "تقوم على تحقيق مصالح المنتجين دون الإضرار بمصالح المستهلكين والمساهمة الفاعلة في حماية الاقتصاد العالمي وتعزيز نموه".

وأكد ضرورة الاعتراف بأن "أزمة الطاقة الحالية وأيضاً أزمة الغذاء كان من الممكن تفاديها بقليل من الحكمة في التعامل مع المخاوف الروسية وعدم دفع الأطراف إلى حافة النزاع العسكري، كما أن معالجتها اليوم ممكنة بالرجوع إلى العقلانية وتغليب الحكمة وإنهاء الأزمة بطريق دبلوماسية ووقف تغذيتها من أطراف أخرى".

ضبط البوصلة

ويعتقد البوعينين أن زيارة بايدن إلى السعودية "تُعدّ فرصة جيدة لإعادة ضبط بوصلة العلاقات المشتركة وإصلاحها"، معتبراً أنه "من الجيد أن يدرك الرئيس الأميركي أن هناك تساؤلات شعبية واسعة عما سيقدمه للمملكة، بما يعزز ثقتها في شريكها الاستراتيجي الذي جاهر بعدائها ومحاولة نبذها من دون أسباب منطقية تبرر له ذلك الموقف العدائي منها".

توقعات متفائلة

رجل الأعمال السعودي، عبد الله بن زيد المليحي، يرى أن "الاقتصاد والأسواق العالمية تنظر للسعودية وزيارة بايدن كمخلص لأزمات المنطقة والعالم الاقتصادية من خلال المباحثات الثنائية الشفافة لمواجهة الأزمات الاقتصادية الحالية، إذ تُعدّ أميركا شريكاً رئيسياً للمملكة على مر السنين، حيث كان النفط وما زال هو المحرك الرئيسي، وتعتبر أميركا من أوائل الدول التي استثمرت فيها السعودية، كما أن المملكة من أوائل الدول التي تستثمر في أميركا".

وقال المليحي لـ"الشرق الأوسط" إنه في الظروف الاقتصادية الحالية تعتبر السوق السعودية السوق الأولى للاستثمار في ظل ارتفاع أسعار النفط، حيث ضخت الحكومة مبالغ ضخمة لتطوير مختلف المجالات".

وأضاف: "نتوقع في الفترة المقبلة دخول عدد كبير من الشركات الأميركية إلى السوق السعودية بمشاركة الحكومة والقطاع الخاص، إذ تجري في الفترة الحالية مفاوضات شركات سعودية مع شركات أميركية مهتمة بالدخول في مجال الإسكان للاستثمار وتطوير التقنيات وإنشاء مصانع في السعودية".

مجالات التعاون

وتابع المليحي: "بعد إطلاق ولي العهد (رؤية المملكة 2030) بدأت المملكة تطوير مجالات الاستثمار والاستفادة من الخبرات الأميركية في مجال التقنية والتحوّل الرقمي، إذ تخطط المملكة للدخول في شراكة مع الشركات الأميركية في استثمارات لتطوير هذا المجال، وكذلك مشاريع الطاقة الخضراء والهيدروجين، بينما تجاوز حجم الاستثمارات الأميركية في السوق السعودية 350 مليار ريال (93.3 مليار دولار)، فيما بلغ عدد الشركات المستثمرة 373 شركة تنوّعت نشاطاتها بين النشاط الخدمي والصناعي والعقاري والعلمي والفني والتراخيص الموقتة".

ووفق المليحي، فإنه في بيان سعودي أميركي سبق الزيارة، نشرته وزارة التجارة الأميركية، فإنه تم اختيار هذه المجالات بناء على الأهداف المشتركة للبلدين في إنشاء أسواق مفتوحة ومزدهرة، وتحقيق النمو الشامل، موضحة أنها تتبنى مجالات "الاقتصاد الأخضر، وتعزيز دور المرأة، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز الابتكار، وزيادة الاستثمارات ثنائية الاتجاه".

لائحة الشركاء

وأشار المليحي إلى أنه وفق بيانات "آي تي تريد"، فإن السعودية تتصدر لائحة شركاء الولايات المتحدة التجاريين بين الدول العربية، مبيناً أن المملكة هي الدولة الوحيدة التي تتجاوز قيمة صادراتها إلى الولايات المتحدة قيمة وارداتها، بسبب صادرات النفط الخام، مشيراً إلى أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في حواره مع مجلة "أتلانتيك" الأميركية أوضح أن إجمالي الاستثمارات السعودية في أميركا يقدّر بنحو 800 مليار دولار.

*نقلاً عن "الشرق الأوسط"

اقرأ أيضاً:

تصنيفات