بدأت تايوان، الثلاثاء، تدريبات "هان كوانج" العسكرية، وهي أكبر مناورات بحرية وجوية سنوية لصد هجوم مفترض، وسط قلق أميركي متزايد بشأن إجراءات بكين للرد على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى الجزيرة، المقترحة الشهر المقبل.
وانطلقت التدريبات العسكرية بحضور رئيسة تايوان تساي إينج-وين، وهي على متن مدمرة تابعة للبحرية، وذلك للمرة الثانية فقط خلال أعوام حكمها الستة، وأشادت بإرادة الجيش وتصميمه على الدفاع عن الجزيرة.
وشوهدت تساي على متن مدمرة صواريخ من طراز كيد الأميركية، راسية قبالة ساحل مدينة سواو وهي ترتدي ملابس مموهة وتحيي الجنود.
وقالت تساي للجنود عبر إذاعة قمرة المدمرة: "يظهر التدريب الدقيق والصلب الذي قام به الجميع إمكانيات وتصميم جيش جمهورية الصين (الاسم الرسمي لتايوان) على حماية وطننا والدفاع عن بلدنا"، وفق ما أوردت "رويترز".
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن الجيش التايواني بياناً قال فيه إن طائرات وسفنًا حربية أطلقت مختلف أنواع الصواريخ الهادفة لاعتراض "مجموعة من سفن العدو".
كما أُطلقت صواريخ مضادة للغواصات وقنابل عميقة بينما قامت غواصة من فئة "سوورد دراجون" التي بنيت في هولندا بعملية صعود طارئ.
وشملت مناورات "هان كوانج" هذا العام والتي تستمر 5 أيام دروسا من الغزو الروسي لأوكرانيا الذي عزز المخاوف من إمكانية مهاجمة الصين الجزيرة.
وأطلقت 20 سفينة حربية، بينها فرقاطات ومدمرات، قذائف لاعتراض ومهاجمة قوة غازية محتملة قبالة الساحل الشمالي الشرقي لتايوان بينما شنت أساطيل من مقاتلات "إف-16" ومقاتلات تشينج-كو المصنعة محلياً غارات جوية.
"الحشرة لا توقف عربة"
حذرت الخارجية الصينية في تعليقها على تدريبات تايوان الثلاثاء من أن "الطريق إلى الاستقلال مسدود".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، في مؤتمر صحافي دوري في بكين، إن "محاولة تايوان مواجهة الصين عسكرياً تشبه محاولة حشرة السرعوف عرقلة مركبة حربية قديمة. محكوم عليها بالفشل في نهاية المطاف".
وتتزامن التدريبات العسكرية التايوانية، التي تحاكي التصدي لقوة غازية، مع مناورات جوية في أنحاء الجزيرة التي تسعى لتعزيز استعدادها القتالي في مواجهة الضغط العسكري المتزايد من الصين.
وجدد توجه بكين المتزايد تجاه جزيرة تايوان، التي تزعم أنها تابعة لها، والذي اقترن مع الغزو الروسي لأوكرانيا، الجدل بشأن كيفية تعزيز الدفاع ودفع السلطات إلى تكثيف الاستعدادات تحسبا لهجوم صيني.
وتعتبر الصين تايوان جزءاً من أراضيها ولم تتخل أبدا عن استعدادها لاستخدام القوة لوضع الجزيرة تحت سيطرتها. وترفض تايوان مزاعم بكين بشأن السيادة وتتعهد بالدفاع عن حريتها وديمقراطيتها.
"عام ونصف العام"
من جهة أخرى، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين أن واشنطن "تخشى رد فعل بكين للتعبير عن استيائها من زيارة مقترحة لتايوان، تقوم بها رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، الشهر المقبل".
وقالت الصحيفة إن بعض المسؤولين يخشون من أن بكين "ربما تحاول التحرك ضد الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي في غضون عام ونصف العام، ربما بمحاولة منع الوصول إلى كل أو جزء من مضيق تايوان، الذي تمر من خلاله السفن البحرية الأميركية بانتظام".
وأفادت "نيويورك تايمز" نقلا عن مسؤولين أميركيين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم، بزيادة مخاوف الإدارة الأميركية مؤخراً، وعملها بسرية لمحاولة إثناء بيلوسي زيارة تايوان، التي كانت ستكون الأولى لرئيس مجلس نواب أميركي منذ عام 1997، لافتة إلى أن الحكومة الصينية انتقدت بشكل متكرر خطط بيلوسي، وهددت بالرد.
ووفقاً للصحيفة، يرى المسؤولون الأميركيون أن مخاطر أكبر تتمثل في نشوب صراع، وسوء تقدير بشأن رحلة بيلوسي، بينما يستعد الرئيس الصيني شي جين بينج وقادة الحزب الشيوعي الآخرين خلال الأسابيع المقبلة لاجتماع سياسي مهم، من المتوقع أن يمدد فيه شي فترة حكمه.
وطالما أكد المسؤولون الصينيون أنه لا يمكن اعتبار أي جزء من مضيق تايوان مياهاً دولية، بخلاف وجهات نظر الولايات المتحدة ودول أخرى.
وفي يونيو الماضي، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، إن بلاده "لها سيادة وحقوق سيادية وسلطة قضائية على مضيق تايوان".
"دروس" غزو أوكرانيا
ولفتت الصحيفة إلى أنّ المسؤولين الأميركيين لا يعلمون ما إذا كانت الصين تخطط لفرض هذه المطالب. لكن السناتور الديمقراطي عن ولاية ديلاوير كريس كونز المقرب من بايدن، ويتعامل مع الإدارة في كثير من الأحيان بشأن مسائل متعلقة بتايوان قال: "يجري إيلاء الكثير من الاهتمام" إلى الدروس التي ربما تتعلمها الصين، وجيشها، والرئيس شي من الأحداث في أوكرانيا.
وأضاف كونز في مقابلة مع نيويورك تايمز، الأحد: "أحد اتجاهات التفكير أن الدرس هو: اذهب في وقت مبكر وكن قوياً قبل أن يكون هناك وقت لتقوية دفاعات تايوان. وربما نتجه إلى مواجهة مبكرة، ضغط أكثر من غزو، أكثر مما توقعنا".
في المقابل، يدرك المسؤولون الصينيون أن مسؤولي إدارة بايدن الذين يطبقون أيضاً الدروس المستفادة من الغزو الروسي لأوكرانيا، يحاولون تشكيل مبيعات الأسلحة لتايوان لتحويل الجزيرة الديمقراطية إلى ما يسميه البعض "نيصاً" (حيوان قارض شائك) مدججاً بالأسلحة الفعالة، وأنظمة الدفاع لردع بكين عن محاولة مهاجمتها.
مع ذلك، يقول المسؤولون الأميركيون إن ليس لديهم معلومات استخباراتية محددة تشير إلى أن القيادة الصينية قررت التحرك قريباً في تايوان، لكن محللين داخل وخارج الحكومة الأميركية يجرون دراسات لتحديد الوقت الأمثل للصين لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة من شانها تقويض سلامة تايوان والولايات المتحدة.
وأحد الأسئلة المحورية، بحسب الصحيفة، هو ما يفكر به كبار المسؤولين الصينيين فيما يتعلق بنقاط القوة المتطورة للجيش الصيني مقارنة بتايوان والولايات المتحدة وحلفاء الولايات المتحدة الإقليميين بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية.
ونقلت الصحيفة عن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال مارك ميلي، القول الأسبوع الماضي إن سلوك الجيش الصيني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ كان "أكثر عدائية بقدر أكبر وبشكل ملحوظ".
"الأمر متروك" لبيلوسي
وفي بكين، استنكر مسؤولون صينيون التدفق المستمر للزيارات التي يقوم بها كبار المسؤولين الأميركيين إلى تايوان، التي تعتبرها بكين شبيهة بمشاركة دبلوماسية رسمية مع الجزيرة.
وكانت بيلوسي قد خططت للزيارة في أبريل، لكنها أرجأتها بعد أن قال مساعدوها إنها أصيبت بعدوى فيروس كورونا.
وفي واشنطن أشار مسؤولون أميركيون إلى أنّ التخطيط لرحلة بيلوسي يمضي قدماً على الرغم من الغضب المتزايد حولها. كما حث بعض المشرعين الجمهوريين بيلوسي بشكل صريح على المضي قدماً في الرحلة باعتبارها تتخذ موقفاً ضد الصين.
على الجانب الآخر فيما أفادت الصحيفة بأن مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) والبيت الأبيض يبحثون الأجواء السياسية والمخاطر المحتملة للرحلة مع مكتب بيلوسي، ونقلت عنهم القول إنّ "الأمر متروك لها لاتخاذ القرار".
سناريوهات للرد
بيلوسي من المرجح أن تسافر إلى تايبيه على متن طائرة عسكرية أميركية، كما هو معتاد في مثل هذه الزيارات، ويعتقد بعض المحللين الذين يدرسون التنديدات الصينية للزيارة المقترحة إن بكين يمكن أن ترسل طائرات مقاتلات "لمرافقة" طائرتها ومنعها من الهبوط.
وفي تعليق على هذه الاحتمال، قال مسؤولون أميركيون إن هذا السيناريو يثير قلقاً مشروعاً رغم أنه غير محتمل وستنظر واشنطن إلى أي خطوة من هذا القبيل على أنها "تصعيد خطير".
ويقول محللون إن الصين يمكن أن تفعل شيئاً أقل استفزازاً. يمكنها، على سبيل المثال، إرسال طائرات عبر الخط الفاصل في وسط المضيق الفاصل بين الصين وتايوان، كما فعلت في عام 2020 رداً على زيارة أليكس عازار، وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأميركي.
والاثنين، قالت جوان أو المتحدثة باسم وزارة الخارجية التايوانية، إن تايبيه لم تتلق أي معلومات "محددة" بشأن زيارة بيلوسي.
وقالت نيويورك تايمز في تقريرها: "بينما رحب مسؤولون ومشرعون من الحزبين السياسيين الرئيسيين في تايوان بأي زيارة من هذا القبيل تقوم بها بيلوسي، يشعر كثيرون في تايوان بالقلق من أنه في حال إلغاء الرحلة، فإن ذلك سيعطي بكين انطباعاً بأن تكتيكات الترهيب التي تتبعها تنجح".
ويعتقد بعض المحللين إن هناك سبلاً أقل خطورة لإظهار الدعم لتايوان، ويمكن لواشنطن أن ترسل ضابطاً عسكرياً كبيراً، أو توقع اتفاقية تجارة ثنائية، ما قد يساعد الجزيرة على تقليل اعتمادها الاقتصادي على الصين.
اقرأ أيضاً: