تحوُّل في أولويات الاستخبارات الأميركية.. الإرهاب أولوية والصين هدف رئيس

شعار وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في مقرها بولاية فيرجينيا. 3 مارس 2005 - REUTERS
شعار وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في مقرها بولاية فيرجينيا. 3 مارس 2005 - REUTERS
دبي - الشرق

خلال اجتماع مغلق عُقد أخيراً مع قادة مركز مكافحة الإرهاب التابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA، أوضح المسؤول الثاني في الوكالة، ديفيد كوهين، أن محاربة تنظيم "القاعدة" والجماعات المتطرفة الأخرى ستبقى أولوية، لكنه أشار إلى أن المصادر المالية للوكالة ومواردها ستتحوّل بشكل متزايد إلى التركيز على الصين.

ولم يبدل القضاء على زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري في كابول، في هجوم نفذته مسيّرة أميركية، لم يبدّل الرسالة التي وجّهها كوهين في ذاك الاجتماع قبل أسابيع، ففيما تستمر الولايات المتحدة في ملاحقة الإرهابيين، فإن الأولوية القصوى تكمن في محاولة فهم الصين ومواجهتها بشكل أفضل، حسبما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".

بعد عام على سحب الولايات المتحدة قواتها من أفغانستان، يتحدث الرئيس الأميركي جو بايدن وأبرز مسؤولي الأمن القومي بشكل أقلّ عن مكافحة الإرهاب، وأكثر عن التهديدات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تشكّلها الصين وروسيا. وتشهد أجهزة الاستخبارات تحوّلاً هادئاً، إذ تنقل مئات العناصر إلى مواقع تركّز على الصين، وبعضهم كانوا يعملون سابقاً في مكافحة الإرهاب.

تطوّرات الأسبوع الماضي أوضحت أنه على واشنطن التعامل مع الأمرين في الوقت ذاته. فبعد أيام على مصرع الظواهري، نفذت الصين مناورات عسكرية واسعة وقطعت اتصالاتها بالولايات المتحدة، احتجاجاً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان.

سابقة روسيا وحرب أوكرانيا

لطالما شعرت واشنطن بقلق من الطموحات السياسية والاقتصادية المتنامية لبكين، التي حاولت التأثير في انتخابات نظمتها دول أخرى، وشنّت حملات تجسّس سيبراني، استهدفت شركات أيضاً، كما احتجزت الملايين من مسلمي أقلية الأويجور في معسكرات، بحسب "أسوشيتد برس".

ويعتقد خبراء بأن الصين ستحاول في السنوات المقبلة الاستيلاء على تايوان بالقوة، علماً أنها تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وتلوّح باستعادتها، ولو بالقوة إن لزم الأمر.

وشدد مسؤولون استخباراتيون على حاجتهم إلى مزيد من الاطلاع على شؤون الصين، بما في ذلك بعد عجزهم على تحديد سبب فيروس كورونا المستجد بشكل قاطع، علماً أن بكين اتُهمت بحجب معلومات بشأن منشأ الجائحة.

وأكدت الحرب في أوكرانيا أهمية روسيا، بوصفها هدفاً للاستخبارات الأميركية، إذ استخدمت الولايات المتحدة معلومات رُفعت عنها السرية، لفضح خطط الحرب التي أعدّها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل الغزو، وحشد الدعم الدبلوماسي لكييف.

ويشير مؤيّدو نهج إدارة بايدن، إلى أن قدرة الولايات المتحدة على تعقّب والظواهري وقتله، هو دليل على أنها تستطيع استهداف التهديدات في أفغانستان، من خارجها. لكن منتقدين يعتبرون أن إقامة الظواهري في كابول، بحماية من حركة "طالبان"، تؤشّر إلى عودة ظهور جماعات متطرفة، لا تبدو واشنطن مستعدة لمواجهتها، بحسب "أسوشيتد برس".

"تركيز على مكافحة الإرهاب"

التحوّل في الأولويات يلقى دعماً من ضباط استخبارات سابقين ومشرّعين من الحزبين، بعضهم خدم في أفغانستان وشارك في مهمات أخرى ضد "القاعدة" وجماعات إرهابية أخرى.

واعتبر النائب الديمقراطي جيسون كرو، وهو عنصر سابق في الوحدات الخاصة بالجيش الأميركي، خدم في أفغانستان والعراق، أن الولايات المتحدة ركّزت بشكل مفرط على مكافحة الإرهاب في السنوات الماضية. وأضاف: "تشكّل روسيا والصين تهديداً وجودياً أكبر بكثير". ورأى أن التنظيمات الإرهابية "لن تدمّر أسلوب الحياة الأميركي.. بالطريقة التي تستطيع الصين فعله". وكرو عضو في لجنتَي الاستخبارات والقوات المسلحة في مجلس النواب.

الناطقة باسم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، تامي ثورب، أشارت إلى أن الإرهاب "لا يزال يمثّل تحدياً حقيقياً جداً"، وتابعت: "حتى فيما أن أزمات، مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، وتحديات استراتيجية مثل تلك التي تشكلها الصين، تتطلّب اهتمامنا، ستواصل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بقوة تعقّب التهديدات الإرهابية في العالم، والعمل مع الشركاء لمواجهتها".

وأفادت "أسوشيتد برس" بأن الكونجرس حضّ CIA وأجهزة استخبارات أميركية أخرى، على جعل الصين أولوية قصوى. وتطلّب تحويل الموارد نحو الصين، تخفيضات في أماكن أخرى، بما في ذلك في مكافحة الإرهاب.

مشرّعو الكونجرس يريدون خصوصاً مزيداً من المعلومات بشأن تطوّر الصين في التكنولوجيات المتقدّمة. ففي عهد الرئيس شي جين بينج، خصّصت الصين تريليونات الدولارات في استثمارات بعلوم الكمومية والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيات أخرى يُحتمل أن تخلّ بكيفية خوض الحروب مستقبلاً وهيكلة الاقتصادات.

تجنيد متحدثين باللغة الصينية

وفي إطار هذا التحوّل، تحاول لجان الكونجرس تتبّع كيفية إنفاق وكالات الاستخبارات الأميركية تمويلها على الصين بشكل أفضل، وتسعى للحصول على مزيد من التفاصيل بشأن كيفية مساهمة برامج محددة في هذه المهمة.

وقال النائب الجمهوري كريس ستيوارت، وهو عضو في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب: "تأخرنا، ولكن من الجيد أننا أخيراً نبدّل تركيزنا إلى تلك المنطقة. ويعني ذلك (استثماراً) في الناس، والموارد، والأصول العسكرية والدبلوماسية".

وأعلنت الاستخبارات المركزية، العام الماضي أنها ستُؤسّس "مركزين للمهمات"، يُعتبران جديدين، أحدهما بشأن الصين والآخر حول التكنولوجيات الناشئة، من أجل تحسين جمع المعلومات الاستخباراتية بشأن هذه الملفات وجعلها أكثر مركزية. وتحاول الوكالة أيضاً تجنيد مزيد من المتحدثين باللغة الصينية، وتقليص أوقات انتظار التصاريح الأمنية، من أجل توظيف أشخاص جدد بشكل أسرع.

وثمة عناصر في الوكالة يتعلّمون اللغة الصينية، وينتقلون إلى مناصب جديدة تركّز على الصين، رغم أن تعلّم اللغة ليس ملزماً في كل هذه الوظائف.

"خطة عقلانية" للتحوّل الاستخباراتي

ويذكر مسؤولون أن عناصر الاستخبارات مدرّبون على التكيّف مع تحديات جديدة، مشيرين إلى أن نقل كثيرين بسرعة أكبر إلى مهمات لمكافحة الإرهاب، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.

ولفتت عناصر استخباراتسة سابقة إلى أن التقدّم المُحرَز في عمليات مكافحة الإرهاب، بما في ذلك استخدام أفضل للبيانات ومصادر استخبارات مختلفة لبناء الشبكات وتحديد الأهداف، هو مفيد أيضاً في مواجهة روسيا والصين، وفقاً لـ"أسوشيتد برس".

وقال دوجلاس وايز، وهو ضابط بارز سابق في CIA، كان نائباً لرئيس العمليات في مركز مكافحة الإرهاب: "آلة التحليلات والاستهداف باتت استثنائية".

واعتبر أن إعادة توجيه أجهزة الاستخبارات نحو مزيد من التركيز على الصين وروسيا، سيستغرق سنوات ويتطلّب صبراً واعترافاً بأن تغيير ثقافة الوكالة سيستغرق وقتاً. وتابع: "على مدى عقود، كنا نقوم بمكافحة الإرهاب. يجب أن تكون لدينا خطة عقلانية لإجراء هذا التكيّف".

وأضاف أنه "حصل نقاش طويل بشأن ما إذا كانت مكافحة الإرهاب أبعدت وكالات الاستخبارات عن التجسّس التقليدي، وما إذا كانت القوات الخاصة التابعة للجيش يجب أن تنفذ بعض عمل CIA في استهداف الإرهابيين".

وقال مارك بوليمروبولوس، وهو ضابط متقاعد في قسم العمليات بالوكالة ورئيس سابق لقاعدتها في أفغانستان، إنه يدعم التركيز بشكل أكبر على الصين وروسيا، مستدركاً: "لا سبب لتقليل ما علينا فعله". وذكّر بـ"ما كان يشعر به الجميع في 12 سبتمبر"، في إشارة إلى اتهامات بالتقصير بعد هجمات 11 سبتمبر.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات