اقتحم متظاهرون من أنصار التيار الصدري في العراق، الاثنين، مقري القصر الجمهوري ومجلس الوزراء في المنطقة الخضراء وسط بغداد بعد إعلان زعيم التيار مقتدى الصدر اعتزاله النهائي للسياسة وغلق كافة مؤسساته عدا "المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر".
وأعلنت قيادة العمليات المشتركة حظر التجول الشامل في العاصمة بغداد ويشمل العربات والمواطنين كافة اعتباراً من الساعة الثالثة والنصف من ظهر اليوم الاثنين بالتوقيت المحلي.
ووجه مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء، بتعليق المجلس لجلساته إلى إشعار آخر "بسبب دخول مجموعة من المتظاهرين لمقر مجلس الوزراء المتمثل بالقصر الحكومي".
وأظهرت مقاطع فيديو متظاهرين داخل قاعات القصر الجمهوري وآخرين يسبحون في مسبح القصر.
وقال الصدر في بيان نشره على حسابه بتويتر: "الآن أعلن اعتزالي النهائي وغلق كافة المؤسسات إلا المرقد الشريف والمتحف الشريف وهيئة تراث آل الصدر الكرام.. والكل في حل مني".
وتابع: "ما أردت إلا أن أقوم الإعوجاج الذي كان السبب الأكبر فيه هو القوى السياسية الشيعية باعتبارها الأغلبية، وما أردت إلا أن أقربهم إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته".
وجاء بيان الصدر في أعقاب إعلان المرجع الشيعي المقرب من التيار الصدري كاظم الحائري، اعتزاله المرجعية، وتوجيهه انتقادات حادة للصدر، وسط أزمة سياسية تشهدها البلاد وبعد أسابيع من احتجاجات نظمها أنصار التيار الصدري بعد خلاف مع الإطار التنسيقي بشأن تشكيل الحكومة انتهى باستقالة نواب التيار من البرلمان.
وابتدر الصدر بيان استقالته قائلاً: "يظن الكثيرون بما فيهم السيد الحائري (دام ظله)، أن هذه القيادة جاءت بفضلهم أو بأمرهم، كلا إن ذلك بفضل ربي أولاً ومن فيوضات السيد الوالد قدس سره الذي لم يتخل عن العراق وشعبه".
وأضاف: "وعلى الرغم من استقالته (الحائري)، فإن النجف الأشرف هي المقر الأكبر للمرجعية كما هو الحال دوماً، وإنني لم أدع يوماً العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة)، إنما أنا آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر".
وكان كاظم الحائري أعلن اعتزاله العمل الديني كمرجع بسبب المرض وأوصى باتباع مرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي وتضمنت رسالة الاعتزال المنسوبة إلى الحائري هجوماً ضمنياً على مقتدى الصدر.
وقال الحائري في رسالة اعتزاله: "على أبناء الشهيدين الصدرين أن يعرفوا أن حب الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقي لأهدافهما التي ضحيا بنفسيهما من أجلها، ولا يكفي مجرد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين أو يتصدى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعية فهو -في الحقيقة- ليس صدرياً مهما ادعى أو انتسب".
ويحظى الحائري بمكانة خاصة وسط أنصار التيار الصدري، إذ كان محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر قد أوصى أبناءه باتباع الحائري من بعده.
وأعرب الصدر عن تصوره أن "اعتزال المرجع لم يك من محض إرادته وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضاً".
ويقيم الحائري الذي ولد في كربلاء عام 1938 في مدينة قم الإيرانية.
احتجاجات في بغداد
وفور إعلان الصدر اعتزاله، أغلق المتحدث باسمه "وزير القائد" حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما نقلت وسائل إعلام عراقية عن اللجنة المنظمة لتظاهرات التيار الصدري أنها علقت أعمالها.
كما أصدر مكتب الصدر توجيهاً لأنصار التيار الصدري، يمنعهم من التدخل في الأمور السياسية والحكومية والإعلامية ورفع الشعارات والأعلام والهتافات السياسية، أو استخدام أي وسيلة إعلامية بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي بإسم "التيار الصدري".
فيما دعت قيادة العمليات المشتركة في بيان، المتظاهرين إلى الانسحاب الفوري من داخل المنطقة الخضراء، مؤكدة أنها التزمت أعلى درجات ضبط النفس والتعامل الأخوي لمنع التصادم أو إراقة الدم العراقي.
وأضافت: "تؤكد القوات الأمنية مسؤوليتها عن حماية المؤسسات الحكومية والبعثات الدولية والأملاك العامة والخاصة".
وأشارت العمليات المشتركة إلى أن التعاطي مع التظاهرات السلمية يتم من خلال الدستور والقوانين، متعهدة بقيام القوات الأمنية بواجبها في حماية الأمن والاستقرار.
ويعيش العراق انسداداً سياسياً منذ إجراء الانتخابات البرلمانية في أكتوبر الماضي، والتي فاز فيها التيار الصدري بالعدد الأكبر من المقاعد بـ74 مقعداً، قبل أن يستقيل نواب كتلته من البرلمان في يونيو الماضي، بتوجيه من مقتدى الصدر، بعد الفشل في تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس للجمهورية.
وفي 30 يوليو الماضي اقتحم محتجون عراقيون أغلبيتهم من أنصار التيار الصدري، البرلمان العراقي وأعلنوا الاعتصام فيه، رداً على ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء.
إقصاء أحزاب ما بعد 2003
وكان "التيار الصدري" قد دعا السبت، إلى إقصاء جميع الأحزاب والشخصيات التي شاركت في العملية السياسية منذ الغزو الأميركي للبلاد في 2003، بما في ذلك التيار الصدري نفسه.
وقال محمد العراقي، المقرَّب من مقتدى الصدر، في بيان نيابة عن الصدر، إن هذا المطلب "أهم من حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة"، وهو المطلب السابق للتيار الصدري.
وأضاف البيان أن "الأهم هو عدم إشراك جميع الأحزاب والشخصيات التي اشتركت بالعملية السياسية منذ الاحتلال الأميركي عام 2003 وإلى يومنا هذا، بكل تفاصيلها قيادات ووزراء وموظفين ودرجات خاصة تابعة للأحزاب، بل مطلقاً بما فيهم التيار الصدري.. أقول ذلك وبملء الفم"، مضيفاً: "هذا، بدل كل المبادرات التي يسعى لها البعض، بما فيهم الأمم المتحدة مشكورة".
وفي وقت سابق هذا الشهر، رفض التيار حضور الاجتماع الذي عقد بين القوى السياسية بدعوة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وفي اليوم التالي انتقد الاجتماع واعتبر أنه "لم يسفر إلا عن نقاط لا تغني ولا تسمن من جوع"، داعياً إلى علانية جلسات الحوار كشرط لمشاركة التيار.