بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية، تستعد دول لإعادة تقييم علاقتها بالتاج البريطاني، كما تمنح زخماً لناشطين يرفضون أن يكون حاكم أجنبي ملكاً لبلدهم، كما أوردت صحيفة "وول ستريت جورنال".
العاهل البريطاني، الملك تشارلز الثالث، هو الرئيس الرسمي للدولة في 14 بلداً خارج المملكة المتحدة، بما في ذلك أستراليا ونيوزيلندا وكندا، إضافة إلى دول في بحر الكاريبي والمحيط الهادئ.
وكانت الملكة إليزابيث شخصية محبوبة خلال السنوات السبعين التي أمضتها على العرش، وأوجدت إحساساً بالاستقرار والوفاء لملايين الأشخاص في العالم، وأقامت علاقات شخصية مع مواطنين عاديين كثيرين، خلال عشرات الزيارات الرسمية التي أجرتها في الخارج.
ولكن مع تولّي الملك تشارلز الحكم، وهو لا يتمتع بشعبيتها، أُتيحت فرصة لدى ناشطين جمهوريين لمناقشة موقفهم، من دون اتهامهم بإهانة ملكة محبوبة.
وقال أريتي ميتواميت، وهو من سكان "ماوري" الأصليين في نيوزيلندا ينشط في الحركات الجمهورية ويعمل في أوساط أكاديمية: "أعتقد بأن تغييراً سيحدث، وبأن الناس سيبدأون بالفعل في التفكير أكثر بالأمر الآن".
بربادوس وجامايكا
حتى قبل وفاة الملكة، أشارت دول إلى وجوب طيّ صفحة حقبتها مع النظام الملكي البريطاني، وهي علاقة نشأت أثناء الاستعمار. وباتت بربادوس العام الماضي أول دولة منذ نحو 30 عاماً، تتخلّى عن النظام الملكي. كما أن دولاً أخرى كثيرة في الكاريبي، بما في ذلك جامايكا، تستعد لقطع هذه العلاقات.
وقال رئيس وزراء أنتيجوا وبربودا، جاستون براون، لشبكة التلفزة البريطانية "آي تي في نيوز"، إنه يريد تنظيم استفتاء على تحوّل بلاده إلى جمهورية، ربما في غضون 3 سنوات، علماً أن أنتيجوا وبربودا هي ملكية بريطانية سابقة في منطقة البحر الكاريبي.
وأظهر استطلاع للرأي أعدّه "معهد أنجوس ريد" الكندي ونُشرت نتائجه في أبريل الماضي، أن نحو 60% من الكنديين يؤيّدون مساعي دول، مثل باربادوس وجامايكا، لقطع علاقاتها مع التاج البريطاني. ورأى نصف الكنديين أن بلادهم يجب ألا تستمرّ كملكية دستورية في الأجيال المقبلة.
مجموعة "مواطنون من أجل جمهورية كندية"، التي تدعم إلغاء الملكية، كتبت عبر "تويتر" بعد وفاة الملكة: "التعازي، بالطبع، والفضل في التزامها الثابت بالواجب.. ولكن بصفتنا جمهوريين كنديين، علينا جميعاً أن نكون مستعدين لعرض قضيتنا بشأن بديل غير ملكي للخلافة في القرن الحادي والعشرين".
ورفض توم فريدا، وهو ناطق باسم المجموعة، الإدلاء بمزيد من التفاصيل بشأن ما إذا كان الدفاع عن مبدأ الجمهورية أكثر سهولة الآن، قائلاً: "لا نريد استغلال وفاة الملكة".
جدل في أستراليا
واحتدم جدل في هذا الصدد بأستراليا، حيث رفض الناخبون في عام 1999 تعديلاً دستورياً لإلغاء الملكية. وأظهرت استطلاعات رأي أخيراً أن مزيداً من الأستراليين يؤيّدون إعلان جمهورية بدلاً من الحفاظ على الملكية، رغم أن كثيرين لم يحسموا قرارهم في هذا الشأن.
واستدعى رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز، تركيز انتباه مواطنيه على هذه المسألة مجدداً، وقال لشبكة "سكاي نيوز" البريطانية، الأحد، إن الوقت مخصّص الآن لتكريم الملكة، مضيفاً أنه لن يلتزم بتنظيم استفتاء على تحويل أستراليا إلى جمهورية خلال ولايته الأولى التي قد تستمر حتى عام 2025.
وحتى ثمانينات القرن العشرين، كان لا يزال ممكناً استئناف قرارات لمحاكم أسترالية في المملكة المتحدة. ولا يزال الحاكم العام، ممثل الملك، يتمتع بسلطات معيّنة، مثل إصدار أمر قضائي، أو حكم قانوني، يأمر بتنظيم انتخابات عامة.
وتمارس هذه السلطة بناءً على مشورة من وزراء أستراليين، ولكن في بعض الظروف، يُعتبر أن لدى الحاكم العام سلطة التصرّف بشكل مستقل. ومعلوم أن الحاكم العام أقال رئيس الوزراء جوف ويتلام في سبعينات القرن العشرين، بحسب "وول ستريت جورنال".
زيارة الملكة عام 1954
ورجّحت سيندي ماكريري، وهي خبيرة في الملكية والاستعمار بجامعة سيدني، أن تكون أيام النظام الملكي معدودة في أستراليا.
واجتذبت زيارة الملكة إليزابيث إلى أستراليا عام 1954، وكانت الأولى لملك بريطاني يمارس مهماته، حشوداً ضخمة فيما كان كثيرون من الأستراليين على تواصل شخصي بالمملكة المتحدة.
واستدركت ماكريري أن عدداً أقلّ من الأستراليين لديهم الآن هذه الألفة، إذ أن كثيرين منهم وُلدوا في أستراليا أو هاجروا إليها من دول أخرى.
وستشهد أستراليا جدلاً بشأن كيفية اختيار رئيس للدولة، إن لم يكن الملك البريطاني. واقترح استفتاء 1999 أن يعيّن البرلمان رئيساً بأغلبية الثلثين، لكن مواطنين اعتبروا أن ذلك يمنح الساسة كثيراً من السلطة. واقترحت "حركة الجمهورية الأسترالية" أن تسمّي كل ولاية وإقليم في البلاد، والبرلمان الفيدرالي، مرشحين يُنتخب أحدهم بالاقتراع الشعبي.
واستبعدت ماكريري أن تسعى الحكومة فوراً إلى إلغاء الملكية، احتراماً للملكة الراحلة.
"استقرار الملكيات الدستورية"
بعد وفاة الملكة، تحدث ألبانيز عنها بشكل عاطفي، مشيراً إلى أن زيارتها عام 1954 كانت مهمة بالنسبة إلى والدته التي أخبرته عن ذاك الحدث.
وقالت ماكريري: "بالنسبة إلينا جميعاً، أينما كنا على هذا الكوكب، وهذا يشمل أميركا، هذا هو الملك الوحيد الذي عرفه معظمنا إطلاقاً. هذا تغيير ضخم بالنسبة إلى كثيرين منا، ولو لم ندركه بالضرورة بوعي اليوم".
وأشار مؤيّدون للنظام الملكي إلى أنهم ليسوا قلقين بشأن المستقبل. وقال جارود بليجي، وهو نائب في برلمان ولاية كوينزلاند وناطق باسم "الرابطة الملكية الأسترالية"، إن الأستراليين يفضّلون في النهاية الاستقرار الذي يؤمّنه النظام الحالي.
وأضاف: "إذا نظرنا إلى الديمقراطيات في العالم، فإن أكثرها استقراراً هي الملكيات الدستورية. أستراليا ستدعم ملكنا الجديد".
نيوزيلندا تنتظر "الوقت المناسب"
وفي نيوزيلندا المجاورة، قالت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن، إن حكومتها لن تتخذ أي خطوات نحو جعل البلاد جمهورية، بعد وفاة الملكة إليزابيث. ورجّحت أن تصبح نيوزيلندا جمهورية في نهاية المطاف، وأن يحدث ذلك خلال حياتها، مستدركة أن هناك ملفات أكثر إلحاحاً، على حكومتها متابعتها.
أرديرن كانت أيّدت أن تصبح البلاد جمهورية في نهاية المطاف، علماً أنها وصفت الملكة بأنها استثنائية وتحظى بإعجاب كبير.
في ظلّ النظام الحالي، يبقى العاهل البريطاني رئيساً لنيوزيلندا، ويمثله فيها حاكم عام، يُعتبر دوره الآن احتفالياً في المقام الأول. لكن كثيرين يعتبرون أن نيوزيلندا لن تكون قادرة على الخروج بشكل كامل من ظلال ماضيها الاستعماري، وأن تكون دولة مستقلة حقاً، إلى أن تصبح جمهورية، كما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".
وقالت أرديرن: "كان هناك نقاش، ربما لسنوات. إنها فقط السرعة ومدى انتشار هذا النقاش.. وأوضحتُ وجهة نظري مرات. وأعتقد بأن نيوزيلندا ستتجه إلى هذا الموقع في الوقت المناسب. أعتقد باحتمال أن يحدث (ذلك) في حياتي. لكنني لا أعتبره إجراءً على المدى الوجيز، أو أي شيء على جدول الأعمال في أيّ وقت قريب".
وأشارت إلى أن حكومتها لا تعتزم مناقشة التحوّل إلى جمهورية، وتابعت: "لم أشعر أبداً بحاجة ملحة (إلى ذلك). نواجه تحديات كثيرة. هذا نقاش ضخم ومهم. أعتقد بوجوب ألا يحصل بسرعة".
عقبات قانونية ضخمة
قالت كاتي بيكلز، أستاذة التاريخ في جامعة كانتربري، إن معالجة مسألة الملكية لم تكن أولوية بالنسبة إلى حكومة أرديرن. وأشارت إلى تعقيد، يكمن في أن المعاهدة التي تُعتبر وثيقة تأسيسية لنيوزيلندا، أُبرمت بين سكان "ماوري" الأصليين والتاج البريطاني. وزادت: "كنا الأكثر تحفظاً بشأن التغيير في أي مكان تقريباً بالكومنولث".
لكن نواباً أطلقوا حملات من أجل إعلان الجمهورية. كما أن "حزب ماوري" الصغير دعا هذا العام إلى إزاحة العاهل البريطاني من رئاسة الدولة، بحسب "وول ستريت جورنال".
وأشار ميتواميت إلى أنه يحترم الملكة وأسلوبها اللطيف طيلة فترة حكمها. واستدرك: "تخيّلوا ذلك في أميركا. لن يكون ذلك مقبولاً أبداً، أن ما يعادل الرئيس يمكن أن يقيم في إنجلترا".
يلفت خبراء دستوريون إلى أن إعلان جمهورية يواجه عقبات قانونية ضخمة، ولو أن الرأي العام في دول، مثل كندا، لم يعُد يريد النظام الملكي. ويتطلّب الدستور الكندي الموافقة بالإجماع من البرلمان الفيدرالي للبلاد وكل الهيئات التشريعية الإقليمية العشر. يرى خبراء قانونيون كنديون أن ثمة صعوبة في تحقيق ذلك، مستشهدين بفشل في العقود الأخيرة، في التوصّل إلى إجماع بشأن تعديلات دستورية.
اقرأ أيضاً: