قال الرئيس اللبناني ميشال عون، الثلاثاء، إنه يعمل على تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تتولى السلطة كاملة "في حال حصول شغور رئاسي بعد 31 أكتوبر المقبل"، تاريخ نهاية ولايته الرئاسية.
وأضاف عون خلال لقائه سفراء دول الاتحاد الأوروبي في بيروت، أن "لبنان يحتاج إلى إصلاح سياسي وسيادي بالإضافة إلى تغييرات بنيوية في النظام الذي لا بد من تعزيزه وإصلاحه"، وفق ما أوردته وكالة الأنباء اللبنانية.
وأشار إلى أنه من "الصعب إدارة دولة بثلاثة رؤوس، لذلك نشهد اليوم هذا النوع من الفوضى الدستورية، في ظل وجود حكومة تصريف أعمال ومجلس نواب منتخب حديثاً لكنه متشعب الانتماءات".
وفي شأن الإصلاح المالي، لفت الرئيس اللبناني إلى أن "التدقيق المالي الجنائي في حسابات مصرف لبنان مستمر على أمل أن يقدم التقرير الأول في نهاية شهر سبتمبر الجاري".
"فشل التدابير الحكومية"
بدوره، قال سفير الاتحاد الأوروبي لدى لبنان رالف تراف، لعون: "نلاحظ أنه بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على بدء تراجع النظام الاقتصادي، وأكثر من سنتين ونصف السنة على تخلف لبنان عن تسديد ديونه السيادية وتقديم الحكومة خطة التعافي المالي، ما زال صانعو القرار في لبنان غير قادرين على تنفيذ التدابير الضرورية لإخراج لبنان من المأزق الذي يمر به".
وشدد على أن "القرارات المتخذة والتدابير المنفذة ليست كافية، وهو ما تدل عليه توقعات إجمالي الناتج المحلي والدين العام والتراجع الكبير لليرة اللبنانية نتيجة التضخم المفرط، وخسارة القدرة الشرائية لغالبية اللبنانيين، وتضاؤل قدرة الشركات على العمل بشكل طبيعي".
ورأى أنه "ليس هناك من حل أفضل من صندوق النقد الدولي"، مشدداً على "ضرورة القيام بالإصلاحات بما في ذلك إعادة هيكلة القطاع المالي"، واصفاً إياها بـ"الضرورية لحماية صغار المودعين."
وذكّر السفير تراف بتوقيع الحكومة اللبنانية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في 7 أبريل الماضي، والذي التزمت فيه بعدد من الخطوات التي تسمح للصندوق بتقديم برنامج للبنان.
وأشار الى أنه رغم مضي حوالي نصف سنة على توقيع هذا الاتفاق، وسنتين ونصف السنة على تحديد الحكومة للتدابير الضرورية لمعالجة الوضع، لم يتم تنفيذ هذه الخطوات تمهيداً للموافقة على برنامج خاص بالصندوق، واصفاً ذلك "بالأمر غير الجيد".
"دعم لبنان"
وجدد تراف دعم الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء واستعدادهم الدائم لدعم لبنان في هذه المرحلة المليئة بالتحديات، في سياق برنامج محتمل لصندوق النقد الدولي.
وأعرب الدبلوماسي الأوروبي عن أمله في أن "يتم التوصل لبرنامج خاص بلبنان كفيل بتوفير الدعم الضروري لإعادة بناء المجال الاقتصادي والنقدي والمالي فيه؛ كخطوة أولى لوضع اقتصاده مجدداً على مسار التعافي".
من جهتها، قالت السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن جريو، إن "فرنسا تشدد منذ مؤتمر سيدر على ضرورة اعتماد قواعد جديدة للعمل في لبنان".
وأضافت: "جميعنا نشهد على تراجع المؤسسات اللبنانية، ونحن على تواصل يومي مع الوزارات والوزراء ويتم تسليط الضوء على هذا الأمر، وأعضاء الاتحاد الأوروبي على استعداد لمساعدة لبنان ولعب دورنا في المجتمع الدولي ضمن هذا السياق، إلا أننا في المقابل يجب أن نكون قادرين على إقناع الجهات المعنية بالتزام السلطات اللبنانية بالإصلاحات المطلوبة".
وشددت على ضرورة تنفيذ هذه الإصلاحات والعمل على اعتماد برنامج خاص بصندوق النقد الدولي "الذي يمثل الخيار الوحيد الذي سيسمح بإعادة ضخ الأموال في المؤسسات اللبنانية ويشكل مؤشر ثقة "، حسب قولها.
الحرب السورية
وأكدت السفيرة الفرنسية ضرورة أن "تكون هناك حكومة كاملة الصلاحيات إلى جانب المجلس النيابي وضرورة احترام الاستحقاقات الدستورية وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي".
وعبرّت عن الخشية من أن "يؤدي عدم احترام مواعيد الاستحقاقات إلى مفاقمة الأزمات والانقسامات في البلاد".
وردّ الرئيس عون بالإشارة إلى "تأثر لبنان بالحرب السورية التي أدت الى إغلاق جميع معابره إلى العالم العربي وهو الامتداد الحيوي لاقتصاده، فضلاً عن الأزمة المالية الاقتصادية التي بدأت مطلع العام 2018 وكانت لها جذورها السابقة، ما أوصل البلاد الى ما تشهده حالياً من واقع مالي غير مسبوق للمصرف المركزي والمصارف اللبنانية وخسارة اللبنانيين لجني عمرهم".
كما لفت إلى "المظاهرات التي شهدتها المناطق اللبنانية عام 2019، وصولاً الى تأثير جائحة كورونا وكارثة انفجار مرفأ بيروت وانعكاساتها على الاقتصاد اللبناني ككل".
وإذ اعتبر رئيس الجمهورية أن "الأسباب السياسية والاقتصادية تأتي في مقدم عوامل الأزمة التي يشهدها لبنان حالياً"؛ فإنه أشار إلى ما اعترى "المنظومة" التي كانت حاكمة في السابق "من فساد"، بالإضافة إلى "ارتكاب الأخطاء في إدارة المال في المصرف المركزي".
ولفت إلى "النداء الذي وجهه الى السلطة القضائية التي تواجه صعوبات في عملها"، متحدثاً عن "العرقلة في مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، والتحقيق في مسؤولية مصرف لبنان في الإدارة النقدية الراهنة".
كذلك، تناول وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار ملف "النزوح السوري والعبء الكبير الذي يتحمله لبنان جراء هذا النزوح".
وقال السفير تراف إن "دول الاتحاد الاوروبي تعلم جيداً بأن هناك ثقلاً وعبئاً كبيرين عبر وجود هذا العدد من النازحين السوريين في لبنان، ما يتطلب معالجة بشكل ملح وطارئ، ولكننا في مرحلة حاسمة ودقيقة بالنسبة الى لبنان، وهو ينهار اقتصادياً ومالياً ومؤسساتياً، وهناك أمور يمكن القيام بها في خلال مهل قصيرة".
وأشار إلى أن "صندوق النقد الدولي ساعد من حيث المبدأ في ايجاد التدابير الملائمة التي يمكن اتخاذها لمعالجة بعض الجوانب الملحة"، داعياً إلى "التوافق السياسي لمعالجة المشاكل المطروحة".
وضم الوفد الدبلوماسي الأوروبي إلى جانب السفير تراف، سفراء كل من النمسا، بلجيكا، بلغاريا، قبرص، التشيك، ألمانيا، الدانمارك، اليونان، إسبانيا، فنلندا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، بولندا، رومانيا، السويد، النرويج وسويسرا، والقائمين بأعمال سفارتي المجر وسلوفاكيا ونائب رئيس البعثة في سفارة ايرلندا.
والشهر الماضي، كانت مصادر سياسية لبنانية قالت لـ"الشرق"، إنّ "اللقاء بين عون وميقاتي في 24 أغسطس الماضي، لم يسفر عن نتائج إيجابية بشأن مساعي تشكيل حكومة جديدة".
وجاء اللقاء في وقت تترقب فيه الأوساط السياسية ما إذا كان منصب رئيس الجمهورية سيشهد فراغاً، مع اقتراب موعد نهاية ولاية عون في 31 أكتوبر المقبل، وسط تخوّف من عدم تمكن مجلس النواب من انتخاب خلف له خلال المهلة الدستورية التي بدأت في الأول من سبتمبر الجاري، خاصة أن لبنان يشهد سجالاً دستورياً بشأن إمكانية قيام حكومة تصريف الأعمال بملء الفراغ الرئاسي.