قد تكون انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي، المقررة في 8 نوفمبر المقبل، الأكثر أهمية منذ عقود، إذ تتزايد المخاوف لدى الحزبين الجمهوري والديمقراطي من نتيجة غير متوقعة تخيب الآمال بالسيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب أو أحدهما على الأقل.
وستنعكس نتيجة الانتخابات على إدارة الرئيس جو بايدن وسياستها خلال العامين المتبقيين لها، قبل موعد الانتخابات الرئاسية في 2024، خصوصاً إذا استعاد الجمهوريون سيطرتهم على أحد المجلسين أو كلاهما، فما هي خريطة الصراع الانتخابي؟، وما اتجاهات التصويت والدوائر الساخنة والولايات المتأرجحة؟.
جبهات متعددة
قبل نحو شهر من بدء التصويت المبكر في بعض الولايات الأميركية، تحتدم المنافسة بين المرشحين على جبهات عدة، وتتصاعد الاتهامات المتبادلة، وتتزايد الحملات الانتخابية "سخونة"، وسط دعوات لمزيد من التبرعات التي تعد بمثابة الوقود الحقيقي لمعركة مستمرة منذ شهور.
ولا تهدف المعركة الانتخابية فقط لدعم المتنافسين على جميع مقاعد مجلس النواب وعددها 435، أو ثلث مقاعد مجلس الشيوخ وعددها 35 في هذه الدورة، وإنما أيضاً تمويل ودعم المتنافسين على 36 من مقاعد حكام الولايات، فضلاً عن متنافسين عدة على مقاعد سكرتير عام الولاية أو المدعي العام أو مقاعد المجالس التشريعية للولايات، والتي سيكون لها تأثيرات واسعة على إدارة الانتخابات الرئاسية في 2024.
وبعد خسارتهم السلطتين التنفيذية والتشريعية في انتخابات 2020، سعى الجمهوريون للسيطرة على مجلسي النواب والشيوخ هذا العام، لكن آمالهم التي بُنيت على ارتفاع معدلات التضخم لأرقام قياسية لم تحدث منذ 40 عاماً، وتراجع شعبية بايدن إلى 39% قبل أسابيع، اهتزت قليلاً خلال الأيام الأخيرة.
وتضاءلت إمكانية حدوث موجة كاسحة حمراء (اللون الأحمر يرمز للحزب الجمهوري والأزرق للديمقراطي)، بسبب قضية الإجهاض التي اكتسبت زخماً كبيراً من وسائل الإعلام الليبرالية وأثرت على آراء المزيد من النساء، فضلاً عن التراجع النسبي في أسعار وقود السيارات والتحسن المحدود في شعبية بايدن.
رهانات ومفاجآت
ومع ذلك لا يزال الجمهوريون في وضع يسمح لهم بالفوز بعدد كافٍ من المقاعد للسيطرة على مجلس النواب، مع استمرار الرهان على الفوز بمقعد إضافي واحد في مجلس الشيوخ للسيطرة عليه أيضاً.
لكن ذلك يظل مجرد رهان غير مضمون، وفقاً لما تشير إليه استطلاعات الرأي ومراكز تحليل الانتخابات مثل تقرير "كوك" السياسي، و"فايف ثرتي إيت" و"إنسايدر إليكشن"، و"ساباتو كريستال بول"، و"سبليت تيكيت".
وتتباين آراء خبراء الانتخابات بشأن النتائج المتوقعة، إذ يميل البعض إلى عدم استباق الأحداث وانتظار ما قد تأتي به الأسابيع المقبلة، خاصة وأن هناك ملفات وتحقيقات عدة مفتوحة، والتي قد تعمل أكثر لصالح الديمقراطيين بما قد يقلب الموازين، ويفقد معها الجمهوريون مزيداً من المقاعد في المجلسين.
ويتوقع البروفيسور روبرت إيركسون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولومبيا الأميركية، حدوث "قنبلة مدوية" من المفاجآت التي تظهر أدلة جديدة ضد الرئيس السابق دونالد ترمب، في ما يتعلق بأحداث اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021، أو اتخاذ إجراءات أخرى من شأنها أن تساعد الديمقراطيين.
وأوضح إيركسون المتخصص في الانتخابات التشريعية والرئاسية الأميركية، لـ"الشرق"، أن أفضل شيء للجمهوريين في هذه المرحلة هو فشل الديمقراطيين في إرسال الرسائل المناسبة، أو التصرف بطريقة تنبئ بعدم إدراكهم أن لديهم فرصة للفوز.
وأشار إلى أن التسليم بخسارة الديمقراطيين السيطرة على مجلس النواب، ليس حكيماً، لأنه يمكن لأي من الحزبين الفوز به نتيجة التقارب في حظوظ المرشحين، وأن الاقتراع العام الحقيقي في نوفمبر هو ما ينبغي مراقبته وليس أي شيء آخر.
غير أن ماثيو كونتينتي كبير الباحثين بمعهد "أميركان إنتربرايز"، يختلف مع هذه الرؤية، مشيراً في حديثه لـ"الشرق"، إلى أن البيئة السياسية حالياً تتجه إلى مكاسب أكثر للجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ، ومع ذلك يمكن أن يتسبب خطأ بعض المرشحين من خلال زلة لسان أو أداء سيئ في المناظرات الانتخابية، أو التعبير عن موقف متطرف، في خيبة أمل كبيرة قد تؤثر على حظوظ الجمهوريين.
لكن كونتينتي المتخصص في تحليل الانتخابات الأميركية، يتوقع أن يخسر الديمقراطيون مجلس النواب أكثر من مجلس الشيوخ، لأن أغلبيتهم في مجلس النواب من بين النسب الضئيلة جداً في تاريخ البلاد، في حين أن المنافسات على المجلس ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى شعبية الرئيس، بينما تركز سباقات مجلس الشيوخ، أكثر على نقاط القوة والضعف لدى المرشحين.
بين "النواب" و"الشيوخ"
لكن في مجلس الشيوخ، يحتاج الجمهوريون إلى مقعد واحد إضافي فقط لقلب السيطرة على الغرفة التشريعية المقسمة بالتساوي (50-50) بين الحزبين، ما يسمح لصوت نائبة الرئيس كامالا هاريس بترجيح كفة الديمقراطيين في التصويت عبر كسر التعادل، بصفتها رئيس مجلس الشيوخ.
لكن من بين المقاعد الـ35، صنفت مراكز مراقبة وتحليل الانتخابات 10 سباقات انتخابية على أنها محتدمة، إذ تتساوى في 4 منها كفة المرشحين، وهي ولايات أريزونا،و جورجيا،و نيفادا وويسكونسن، بينما يميل 3 منهم لصالح المرشح الجمهوري، وهي فلوريدا، ونورث كارولينا وأوهايو، في حين أن 3 ولايات تميل إلى المرشح الديمقراطي، وهي كولورادو، بنسلفانيا ونيوهامبشاير.
ولا تعد جميع مقاعد مجلس النواب الـ435 التي تدخل الانتخابات كل عامين، هي مقاعد تنافسية بقوة، نتيجة لإعادة تقسيم الدوائر الانتخابية والطبيعة الحزبية التي تطبع الكثير من الدوائر، ولهذا يشير تحليل خرائط الكونجرس إلى 81 مقعداً تنافسياً فقط يميل إلى الفوز بها الجمهوريون أو الديمقراطيون بهامش يزيد أو يقل عن 5 نقاط مئوية.
ويحتاج الحزب الجمهوري الذي يشغل 212 مقعداً في مجلس النواب الحالي، إلى 6 مقاعد للوصول إلى الـ218 مقعداً اللازمة للسيطرة على مجلس النواب، ومن ثم التحكم في أحد جناحي السلطة التشريعية التي تضع القوانين الفيدرالية وتمررها.
كما يقوم المجلس بواجبات أخرى، منها عقد جلسات استماع للتحقيق مع المسؤولين الحكوميين وشركات القطاع الخاص، كما يحق له مساءلة الرئيس وأي منصب عام تمهيداً لمحاكمته وعزله من منصبه، لكن ذلك لا يتم إلا بموافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ.
من يفوز بمجلس النواب؟
يشير الاتجاه التاريخي للانتخابات الأميركية إلى خسارة الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس في الانتخابات النصفية من ولايته الأولى.
وفي انتخابات التجديد النصفي لعام 2010، وهي الأولى للرئيس السابق باراك أوباما، خسر الديمقراطيون 63 مقعداً في مجلس النواب، وفي انتخابات 2018، وهي الأولى لترمب خسر الجمهوريون 40 مقعداً.
وكانت فترة الرئيس السابق جورج دبليو بوش الحالة الوحيدة التي كسرت فيها تلك القاعدة قبل 20 عاماً، عندما فاز الجمهوريون بأغلبية 8 مقاعد في مجلس النواب، في وضع استثنائي نتج عن التفاف الأميركيين خلف القيادة السياسية لبلدهم بعد أحداث سبتمبر 2001.
وعلى الرغم من أن معدلات تأييد الرئيس جو بايدن منخفضة، ويشعر الناخبون بالإحباط بشأن الاقتصاد والتضخم المرتفع، إلا أن الديمقراطيين في مجلس النواب شهدوا بعض المؤشرات الإيجابية، منها الزخم المؤيد لمسألة حقوق الإجهاض، عقب إلغاء المحكمة العليا الحق الدستوري السابق في الإجهاض، كما أقروا جوانب من أجندة بايدن ضمن ما يسمى قانون خفض التضخم.
وبالنظر إلى الهامش المحدود الذي يتعين عليهم التغلب عليه، لا يزال من المرجح أن يفوز الجمهوريون بمجلس النواب، لكن الديمقراطيين يشعرون أن لديهم الزخم لتقليص الفارق، على الرغم من النواب الديمقراطيين يدافعون في الدوائر الانتخابية الأكثر سخونة عن عدد مقاعد يشغلونها الآن، أكثر من الجمهوريين.
وعلى سبيل المثال يدافع 3 نواب جمهوريون حاليون هم ديفيد مالادو ومايك جارسيا في كاليفورنيا وإيفيت هيريل في نيومكسيكو عن مقاعدهم، في حين يدافع 6 نواب ديمقراطيون عن مقاعدهم في دوائر تنافسية قتالية، وهم شاريس ديفيس في كانساس، وجاريد جولدن بولاية مين، ومارسي كابتور في أوهايو، وكيرت شريدر في أوريجون، وماتيوس كارترايت ببنسلفانيا، وإيلين لوريا في فيرجينيا.
من يسيطر على مجلس الشيوخ؟
يتساوى الديمقراطيون والجمهوريون في عدد المقاعد بمجلس الشيوخ 05-50، ولذا يحتاج كل منهما إلى الفوز بمقعد إضافي واحد لضمان السيطرة على المجلس العام المقبل، غير أن الجمهوريين يدافعون عن 21 مقعداً من أصل 35 مقعداً يجري عليها التنافس في هذه الانتخابات، مقابل 14 فقط يدافع عنها الديمقراطيون.
وصنفت مراكز تحليل وتوقع الانتخابات ومنها "فايف ثرتي إيت" 11 مقعداً تنافسياً ساخناً، منها 5 يشغلها حالياً أعضاء ديمقراطيون، و3 مقاعد يشغلها جمهوريون و3 مقاعد أخرى كان يشغلها جمهوريون، لكنهم قرروا عدم خوض الانتخابات وهم السيناتور روب بورتمان من أوهايو، وريتشار بار من نورث كارولينا، وباتريك تومي من بنسلفانيا.
ومن هذه السباقات الساخنة، 4 مقاعد تتساوى فيها حظوظ المرشحين الجمهوريين والديمقراطيين، وتوجد في ولايات أريزونا وجورجيا ونيفادا وويسكونسن، بينما تميل ولايات فلوريدا ونورث كارولينا وأوهايو لصالح الجمهوريين، وتميل كولورادو وبنسلفانيا ونيوهامشير إلى الديمقراطيين.
ويتفق بروفيسور روبرت إيركسون مع ماثيو كونتيتي، في أن الرئيس السابق دونالد ترمب ساعد المرشحين الجمهوريين في الفوز بترشيحاتهم الحزبية في الانتخابات التمهيدية، إلا أن دعمه لهم في الولايات المتأرجحة سيكون عائقاً أمامهم، إذا استمروا في ترديد خطابه، لأن أداء المرشحين الأكثر اعتدالاً سيكون أفضل للجمهوريين في الانتخابات العامة.
الأكثر سخونة
في ولاية أريزونا، رأى الجمهوريون السناتور الديمقراطي مارك كيلي، كواحد من أضعف الأعضاء الذين شغلوا المنصب، ومع وجود نسبة كبيرة من الناخبين المستقلين وعدد كبير من السكان المنحدرين من دول أميركا اللاتينية، حيث حقق الحزب الجمهوري تقدماً.
ولكن بعد الانتخابات التمهيدية التنافسية داخل الحزب الجمهوري، يشعر الجمهوريون بالقلق من أن بليك ماسترز المدعوم من ترمب، أصبح على مسافة بعيدة بالنسبة لأولئك الناخبين المستقلين وسكان المدن والضواحي.
ويتقدم المرشح الديمقراطي رافائيل وارنوك في ولاية جورجيا، لإعادة انتخابه بعد عامين فقط من هزيمة السيناتور الجمهوري كيلي لوفلر في انتخابات خاصة، ويواجه الآن خصمه المدعوم من ترمب، هيرشل ووكر، أسطورة كرة القدم الأميركية.
لكن مزاعم الإساءة ضد زوجته السابقة وبعض الزلات السياسية بما في ذلك عدم الكشف عن عدد أطفاله، أثارت تساؤلات بشأن تداعياتها في الانتخابات.
وإذا لم يفز أي من المرشحين بأكثر من 50% من الأصوات، فقد يذهب السباق إلى جولة الإعادة ما قد يؤخر نتيجة سيطرة مجلس الشيوخ لأسابيع.
وفي ولاية نيفادا، ألقى جمهوريون بارزون بمن فيهم ترمب وسناتور تكساس تيد كروز، بدعمهم خلف المدعي العام السابق لولاية نيفادا آدم لاكسالت الذي يسعى للإطاحة بالسناتور الديمقراطية كاثرين كورتيز ماستو التي تعد أول امرأة من نيفادا وأول لاتينية تنتخب لعضوية مجلس الشيوخ، وهي من الديمقراطيين الذين قد يستفيدون من الحافز المتزايد بين الناخبين لحماية حقوق الإجهاض.
أما في ويسكونسن، فيعد السناتور رون جونسون من بين أضعف الجمهوريين في هذه الدورة، إذ كان السناتور الوحيد الذي يترشح لإعادة انتخابه في ولاية فاز بها الرئيس بايدن عام 2020، ويواجه الآن خصمه، الحاكم مانديلا بارنز.
أي ولايات تميل نحو الديمقراطيين؟
في ولاية كولورادو، لم يدعم أو يطلب جو أوديا، الرئيس التنفيذي لشركة بناء، أي طلب بدعم حظوظه الانتخابية من ترمب، وهذا يعطي الحزب الجمهوري الأمل في أن يتمكن الجمهوري المعتدل من التغلب على السيناتور الديمقراطي الوسطي مايكل بينيت، خاصة وأن أوديا غير متناغم مع خطاب معظم الجمهوريين فيما يتعلق بالإجهاض.
وفي نيو هامبشاير، تواجه السيناتور الديمقراطية ماجي حسن خصماً يمينياً متطرفاً، هو الجنرال المتقاعد في الجيش دون بولدوك، وهي تتقدم عليه الآن بمسافة نقطة مئوية في استطلاعات الرأي الأخيرة.
ويحاول طبيب التلفزيون الشهير محمد أوز (وهو من أصل تركي) في بنسلفانيا هزيمة حاكم الولاية جون فيترمان، للاحتفاظ بهذا المقعد في أيدي الجمهوريين بعد تقاعد السناتور بات تومي.
ولا يزال فيترمان يتعافى بعد إصابته بجلطة دماغية في مايو أثرت على كلامه وسمعه. وكافح أوز ضد مزاعم بأنه لا تربطه علاقات تقريباً مع الولاية التي يترشح فيها لعضوية مجلس الشيوخ.
ما التنافسات المتكافئة؟
نالت ولاية فلوريدا دعماً أكبر من الجمهوريين خلال السنوات الأخيرة، مع تحولات ملحوظة بين عدد السكان اللاتينيين الضخم في الولاية، وهو ما يعود بالفائدة على السيناتور الجمهوري من أصل لاتيني، ماركو روبيو الذي شغل المنصب لولايتين.
ومع ذلك ظهر أمامه خصماً عنيداً هي عضوة الكونجرس الديمقراطية فال ديمينجز، التي كانت من بين مديري المساءلة في مجلس النواب خلال محاكمة ترمب بمجلس الشيوخ عام 2020، وكواحدة من النساء التي اعتبرها بايدن أنها من المحتمل أن تفوز.
وفي ولاية كارولينا الشمالية، أدى تقاعد السيناتور الجمهوري ريتشارد بور إلى ترك هذا المقعد مفتوحاً لسباق بين عضو مجلس النواب الجمهوري تيد باد، ورئيسة المحكمة العليا السابقة في الولاية شيري بيسلي، وهي ديمقراطية إذا فازت ستكون أول امرأة من أصوا إفريقية تمثل الولاية بمجلس الشيوخ.
أما في ولاية أوهايو، فيحاول جي دي فانس الذي ساعده تأييد ترمب في الفوز بالانتخابات التمهيدية لخلافة السناتور المتقاعد روب بورتمان، والتغلب على النائب الديمقراطي المعتدل تيم رايان، الذي ينفق أكثر من فانس في جهوده لتحقيق فوز مفاجئ، لكن الجمهوريين يخططون لإغراق موجات الأثير بعشرات الملايين من الدولارات في شراء الإعلانات خلال الأسابيع المقبلة لتعزيز فانس.