بعد تصريحات ترَس.. ما الصهيونية؟ وما معنى الانتماء لها؟

المشاركون في الاحتفال الذي أقيم بمناسبة الذكرى 125 لانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ينشدون النشيد الوطني الإسرائيلي. بازل، سويسرا. 22 أغسطس 2022  - REUTERS
المشاركون في الاحتفال الذي أقيم بمناسبة الذكرى 125 لانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول ينشدون النشيد الوطني الإسرائيلي. بازل، سويسرا. 22 أغسطس 2022 - REUTERS
القاهرة-محمد سعد

في خطابها أمام "جمعية أصدقاء إسرائيل من المحافظين" في برمنجهام قبل أيام، وصفت رئيسة وزراء بريطانيا ليز ترَس نفسها بأنها "صهيونية كبيرة" و"داعمة كبيرة لإسرائيل"، متعهدة بأن تأخذ العلاقات البريطانية الإسرائيلية من "قوة إلى قوة".

انطلاقاً مما تقدم، ما الذي يعنيه مصطلح الصهيونية؟ ومن هو "الصهيوني"؟

أصل المصطلح

وعلى الرغم من أن مصطلح الصهيونية" شائع الاستخدام، إلا أنه يشير لتيارات عدة يناقض بعضها بعضاً أحياناً، ويشمل طيفاً واسعاً غير متجانس من اليهود والإسرائيليين والصهاينة.

ووفقاً لـ"المكتبة اليهودية الافتراضية"، فإن مصطلح الصهيونية تم صكه في 1890 على يد المفكر النمساوي اليهودي نيثان بيرنباوم (1864 - 1937) ، وهو يشير بشكل عام، إلى "الحركة القومية لعودة الشعب اليهودي إلى وطنهم واستئناف السيادة اليهودية على أرض إسرائيل".

وتقول المكتبة إنه منذ إنشاء إسرائيل في 1948 باتت الحركة الصهيونية تشمل "الحركة لتنمية إسرائيل وحماية الدولة اليهودية في إسرائيل عبر دعم جيش الدفاع الإسرائيلي".

وترى المكتبة أن الحركة الصهيونية منذ بدايتها دافعت عن أهداف مادية ومعنوية، وقالت إن اليهود من كل المشارب (اليسار، واليمين، والمتدينين والعلمانيين) كونوا الحركة الصهيونية وعملوا سوياً على تحقيق أهدافها.

لكن المكتبة تشير إلى أن الخلافات الفلسفية بين الحركة الصهيونية أدت إلى شقاقات عبر السنين، ما أدى لبزوغ عدد من الأشكال المنفصلة لتلك الحركة ومنها الصهيونية السياسية، والدينية، والاجتماعية، والصهيونية المناطقية.

ويشار إلى أن المكتبة اليهودية الافتراضية، هي مشروع للمؤسسة الأميركية الإسرائيلية للتعاون والمعروفة اختصاراً باسم (AICE)، وهي منظمة غير ربحية تهدف لـ"تقوية العلاقات الإسرائيلية الأميركية".

"أيديولوجية قومية"

موقع "Vox" الأميركي الذي يقدم نوعاً من الصحافة التفسيرية، يعرف الصهيونية على أنها أيديولوجية إسرائيل القومية، والتي تعتقد بأن اليهودية هي جنسية ودين، وأن اليهود يستحقون دولتهم الخاصة في وطن أجدادهم "إسرائيل"، على غرار ما يستحق الفرنسيون فرنسا والصينيون الصين.

ويشير الموقع إلى أنه كما كانت الصهيونية هي السبب الذي جلب اليهود إلى فلسطين في المقام الأول، فهي أيضاً في قلب المخاوف العربية والفلسطينية بشأن الدولة الإسرائيلية.

العودة إلى صهيون

ووفقاً للمكتبة اليهودية الافتراضية، فإن تصاعد المد الديني والعنصري المناهض للسامية، أدى إلى "عودة المذابح ضد اليهود في روسيا وشرق أوروبا، واختفاء وعود المساواة والتسامح، وبالتزامن مع ذلك بدأت الهجرة إلى فلسطين من أوروبا".

موجات الهجرة تلك لم تقتصر على فلسطين فامتدت إلى اليمن والمغرب والعراق وتركيا، وبحسب المكتبة فإن هؤلاء المهاجرين اليهود "لم يكونوا على علم بالصهيونية السياسية" التي روج لها الصحافي النمساوي اليهودي العلماني، ثيودور هيرتزل أو المذابح في أوروبا، وقالت إنهم كان "مدفوعين بحلم العودة إلى صهيون" والخوف من الغدر بهم في أوروبا.

وأشارت المكتبة الافتراضية إلى "الجذور الدينية" لفكرة العودة إلى إسرائيل، لافتة إلى "ذكر القدس في الصلوات اليهودية وصهيون وأرض إسرائيل". 

وقالت إنه في عام 1897 أسس الزعماء اليهود الحركة الصهيونية رسمياً في المؤتمر اليهودي الأول، داعين إلى استعادة "الوطن اليهودي في فلسطين".

صهيون و"الأمل الصهيوني"

المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري (1938 - 2008)، الذي خصص الجزء السادس من موسوعته "اليهود واليهودية والصهيونية" الصادرة في 1999، للصهيونية، يشير إلى أن كلمة صهيون نفسها تشير في التراث الديني اليهودي إلى "جبل صهيون" والقدس، والأرض المقدسة ككل.

ويقول إن اليهود يشيرون إلى أنفسهم على أنهم "بنت صهيون" كما تستخدم الكلمة للإشارة إلى اليهود كجماعة دينية. 

ويلفت المسيري في موسوعته إلى أن التعريفات الشائعة لكلمة صهيونية تشير إلى "الأمل الصهيوني" وليس الظاهرية الصهيونية. 

وتعني الصهيونية في تلك المعاجم "الحركة الرامية إلى عودة اليهود إلى "وطن أجدادهم" حسبما جاء في "الوعد الإلهي".

تيارات غير متجانسة

ويدلّ المصطلح المذكور أيضاً، بحسب المسيري، إلى نزعات وحركات ومنظمات صهيونية سياسية غير متجانسة وبل متناقضة أحياناً في الأهداف والمصالح ورؤيتها للتاريخ، ففيما يرى البعض أن الصهيونية هي تحقيق الآمال الدينية فإن البعض الآخر يراها "مخطط استعماري استيطاني".

ويلفت المسيري النظر إلى "صهيونية الدياسبورا" أي الشتات وهي لا تتفق مع المعنى الشائع للصهيونية بعودة اليهود إلى وطنهم، إذ ترفض صيهونية الدياسبورا المشاركة في عملية الاستيطان الصهيوني، وإن كانت ترى أنه "الحل الوحيد لمشاكل اليهود".

الصهيونية أيضاً، تطلق على نظرة محددة لليهود ظهرت في أوروبا وخاصة في الأوساط البروتستانتية في إنجلترا القرن السادس عشر، وترى أن اليهود "لا ينتمون عضوياً إلى التشكيل الحضاري الغربي"، وأنهم ينتمون إلى فلسطين "ولذا يجب أن يهاجروا إليها".

ويقول المسيري إن تلك النزعة يطلق عليها "الصهيونية المسيحية" وباتت تلاقي رواجاً كبيراً في الولايات المتحدة.

ما قبل المصطلح

ويقول عبد الوهاب المسيري إن مصطلح الصهيونية كان يُتداول على نطاق واسع بين الفلاسفة والمفكرين والمهووسيين الدينيين حتى قبل سكه، لكن مع تصاعد الفكر المعادي لليهود في الغرب وتصاعد معدلات العلمنة بدأ هذا المفهوم (الصهيونية) في التبلور والتخلص من الأبعاد الغيبية الدينية لينتقل إلى "فضاء السياسة".

ويذكر المسيري أن نابليون بونابرت (1769 - 1821)، استعمل المصطلح ودعا الصهاينة إلى "الاستيطان في بلاد أجدادهم"، كما أصبح المصطلح في عام 1841 مفهوماً أساسياً في الخطاب السياسي الغربي.

تغيير دلالة "الشعب اليهودي"

نيثان بيرنباوم، الرجل الذي سك المصطلح المذكور، قال إن الصهيونية ترى أن القومية والعرق شيء واحد، ليغير من دلالة مصطلح "الشعب اليهودي" والذي كان يشير إلى إثنية معينة في إشارة لجماعة عرقية مستبعداً الجانب الديني.

هكذا، أصبحت الصهيونية هي الدعوة القومية اليهودية التي جعلت من السمات العرقية قيمة مطلقة بدلاً من الدين اليهودي، بحسب موسوعة المسيري.

من هو الصهيوني؟

عقب إقامة المؤتمر الصهيوني الأول في 1897 في بازل، تحدد مصطلح الصهيونية وأصبح يشير إلى الدعوة التي تبشر بها المنظمة الصهيونية والجهود التي تبذله، وأصبح الصهيوني هو من يؤمن ببرنامج بازل.

وأشار  موقع "VOX" إلى أن ثيودور هيرتزل هو أول من جلب القومية اليهودية إلى حركة عالمية في 1896، بعدما شهد عن قرب القسوة الأوروبية المعادية للسامية، وأصبح مقتنعاً بأن الشعب اليهودي لا يمكنه النجاة خارج وطنه. 

وبينما يتفق كل الصهيونيون على أن إسرائيل يجب أن تظل موجودة إلا أن هناك خلافات طويلة بينهم بشأن شكل حكومة تلك الدولة، فاليسار الصهيوني والذي هيمن على البلد حتى نهاية السبعينات، كان راغباً في مقايضة السلام مع الدول العربية مقابل الاحتفاظ بدولة إسرائيلية، وكان يفضل حكومة علمانية على حكومة دينية، بحسب "VOX".

أما اليمين الصهيوني، والذي يهيمن على السياسة في إسرائيل حالياً، ويتمتع بتأييد الرأي العام، فينحو إلى أن يكون أكثر تشككاً في صفقة "الأرض مقابل السلام"، وهو مرتاح بشكل عام لمزج الدين والسياسة.

وفقاً لموقع "آن فرانك"، الذي يحتفي بسيرتها، فإن الصهيوني هو من يسعى لدولة يهودية مستقلة، فبالنسبة للعديد من اليهود المتدينين، فإن إسرائيل هي أرض الميعاد، ولكن العديد من اليهود غير المتدينين، يثمنون حقيقة أن هناك دولة يعيش فيها اليهود في حرية وأمان.

وآن فرانك هي فتاة يهودية احتفظت بيومياتها التي وثقت فيها حياتها أثناء الاختباء من الاضطهاد النازي، قبل أن يعثر عليها جهاز الأمن النازي مع عائلتها أثناء اختبائهم في هولندا، ويحتجزهم في معسكر اعتقال آوشفيتز، حيث توفيت في 1945 بعد انتشار التيفويد في المعسكر، لكن سبب الوفاة لم يتم تحديده بدقة، وأصبحت يومياتها من أشهر الأدبيات التي وثقت جرائم النازية بعد نشرها في 1947.

سُبة الصهيونية

وأشار موقع "آن فرانك" إلى أن كلمة صهيوني تستخدم حالياً كسُبة، وكلفظ سلبي. ولفت إلى أن العديد من الفلسطينيين والداعمين للقضة الفلسطينية لم يعودوا يميزون بين الكلمة "يهودي" و"إسرائيلي" و"صهيوني".

هذا الخلط، هو أمر "خاطئ" في رأي الموقع، الذي قال إن "أغلب اليهود لا يعيشون في إسرائيل، كما أنه ليس كل من يعيش في إسرائيل يهودي، وعلاوة على ذلك، فليس كل اليهود الإسرائيليين مستوطنين يريدون الحصول على المزيد والمزيد من الأراضي الفلسطينية".

وقال موقع آن فرانك": "اختصاراً، رغم أن الكثير من اليهود يتماهون مع الصهيونية، فهناك الكثير من الرؤى المختلفة حيال ذلك، وأن هذا سبب كاف لعدم الخلط بين الكلمات يهودي وإسرائيلي وصهيوني".

تصنيفات