وجّه الرئيس الصيني شي جين بينج رسالة صريحة إلى قياديّي الحزب الشيوعي الصيني الحاكم، مفادها أن أحداً ليس بمنأى عن المساءلة، كما أوردت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وفي الأسابيع التي سبقت مؤتمراً يعقده الحزب منتصف هذا الشهر، ويُرجّح أن يمنح شي ولاية ثالثة تُعتبر سابقة في الصين، نظمت محاكم سلسلة محاكمات في ملفات فساد على مستوى بارز لقياديين في الشرطة وأجهزة الأمن.
وصدرت الأسبوع الماضي أحكام بالإعدام، يمكن تخفيفها إلى السجن المؤبد بعد عامين، على فو تشينجهوا، وزير العدل السابق في عهد شي، وسون ليجون، النائب السابق لوزير الأمن العام، ووانج ليكي، وهو مسؤول بارز سابق في جيانجسو.
كذلك صدرت أحكام بالسجن لأكثر من 10 سنين على 3 آخرين من قادة الشرطة والأمن السابقين.
وتمحورت غالبية الأحكام حول الفساد، لكن السلطات ربطت هذه الملفات بـ"زمرة سياسية" غير وفية للرئيس الصيني.
"أداة سياسية"
وقال فيكتور شيه، أستاذ الاقتصاد السياسي الصيني بجامعة كاليفورنيا بسان دييجو: "واضح أن ذلك كان تحذيراً... ضد ممارسات فئوية علنية وعصيان إملاءات شي جين بينج في الفترة التي تسبق المؤتمر العشرين للحزب وما بعده".
وخلال الشهرين الماضيين، بدأت "اللجنة المركزية لفحص الانضباط"، وهي جهة رقابية في الحزب ترهب أعضاءه، عشرات التحقيقات وأكدت علناً إجراءات ضد مسؤولين في الحكومة المركزية، بينهم ليو يانبينج، وهو رئيس سابق لجهاز مكافحة الفساد، اتُهم بـ"الانخراط" في زمرة سون ليجون، بحسب وسائل إعلام رسمية.
وأشارت يوين يوين أنج، وهي خبيرة في الاقتصاد السياسي الصيني بجامعة ميشيجان، إلى "صعوبة تصديق" أن الحالات الأخيرة كانت "روتينية"، نظراً إلى حساسية توقيتها.
وقالت: "في بعض الأحيان تتمثل حملات قمع الفساد بالحدّ من الكسب غير المشروع، وفي أحيان أخرى تكون أداة سياسية".
"نمور وذباب"
منذ توليه قيادة الحزب الشيوعي في عام 2012، استهدفت حملة شي على الفساد "نموراً وذباباً"، بمعنى مسؤولين حكوميين بارزين وذوي رتب متدنية.
وخضع 4 ملايين مسؤول لتحقيق، معظمهم من ذوي الرتب المتدنية، ولكن عُزل أيضاً المئات من المسؤولين البارزين، بحسب "فايننشال تايمز".
واعتُقل سون ليجون في أبريل 2020، علماً أنه أُدين بحيازة أسلحة بشكل غير قانوني إضافة إلى الرشوة والتلاعب في سوق الأوراق المالية.
وتزامن سقوطه مع إقصاء مسؤولين أمنيين بارزين. ومكّن ذلك شي جين بينج من توطيد سلطته، من خلال تعيينه وانج شياو هونج، وهو حليف قديم له، وزيراً للأمن العام في يونيو.
واعتبر وو جوجوانج الذي كان مستشاراً لرئيس الوزراء الصيني السابق تشاو زيانج، أن اثنتين من السمات المميزة لحكم شي منذ عقد، تمثلتا في نجاحه في تكديس أنصاره في مناصب مهمة بالحزب الشيوعي والدولة، وتركيز السلطة في يديه.
وو الذي يعمل الآن في جامعة فيكتوريا بكندا، كتب في مقال نُشر حديثاً: "بما أن الأنظمة اللينينية يحكمها الإنسان، لا القوانين، على أي زعيم جديد أن يعتمد غالباً على تطهير خصومه وتعزيز الموالين له داخل النظام، من أجل توطيد السلطة وتنفيذ برامجه".
سياسة "القبضة الحديد"
في إجراءات منفصلة خلال وقت سابق، أقرّ سون ليجان وفو تشينجهوا بذنبهما في تلقي رشاوى مقدارها 646 مليون ين (91 مليون دولار) و117 مليون ين على التوالي. ولدى المحاكم الجنائية الصينية معدل إدانة يتجاوز 99%.
وأشادت وسائل الإعلام الرسمية بهذه الإدانات، معتبرة أنها دليل على سياسة "القبضة الحديد" ضد الفساد.
لكن ملفَي الرجلين ركّزا الانتباه أيضاً على الأخطار والتناقضات التي تميّز حملة شي على الفساد. وقال فيكتور شيه: "إنه عمل قذر جداً. ثمة تداول لأموال كثيرة. عليك أن تدفع للناس، ما يجعلهم يفعلون الأشياء التي تريدهم أن يفعلوها".
وأشارت لينيت أونج، وهي خبيرة في الشؤون الصينية بجامعة تورنتو، إلى أن ثمة اعتقاداً داخل الحزب بأن "المجتمع بأكمله" تحت تصرّف مسؤولي مكافحة الفساد.
وقالت: "يمكن للجنة المركزية لفحص الانضباط أن تحشد... شركة مملوكة للدولة موجودة في بلد أجنبي، من أجل تعقّب أحد الهاربين المختبئين. ثمة الكثير من (الاستعانة بمصادر خارجية) من أجل كيانات الدولة في الداخل والخارج، وحتى الكيانات الخاصة تُستدعى (للتحقيق) إذا كانت الأهداف مهمة بما فيه الكفاية".
"سخط عميق"
من خلال استهداف نخبة الساسة وعائلاتهم ومصالحهم التجارية القوية، فإن مسؤولين جعلوا أنفسهم أهدافاً، مثل فو وسون.
فو عُرف بالتشدد، وبعد فترة وجيزة على تعيينه قائداً للشرطة في بكين عام 2010، أشرف على دهم ملهى ليلي كان يتردّد عليه قادة النظام، بحسب "فايننشال تايمز".
وقال شيه: "تمثلت وظيفتهم في جمع كمية ضخمة من المعلومات الحساسة جداً حول السكان الصينيين وكذلك النخبة الصينية. في حين أن بعض هؤلاء المسؤولين الذين انتهى بهم المطاف في السجن لم يعودوا يشكّلون تهديداً، كان آخرون ينتظرون فقط فرصة للانتقام".
وأشار جون ديلوري، أستاذ الدراسات الصينية بجامعة يونسي بسول، إلى أن شي جين بينج تسلّم السلطة بعد فترة من "سخط عميق" في الحزب الشيوعي، خلال عهد الزعيم السابق هو جينتاو.
وأضاف أن ثمة مَن "سخر علنا من عقد ضائع"، وتابع: "كان هناك شعور واسع بأن الأمور باتت تكنوقراطية أكثر من اللازم، وأن هو جينتاو كان ضعيفاً جداً، ويساهم في مشكلة الفساد".
وزاد: "أراد الحزب رجلاً قوياً وزعيماً أكثر قوة وجاذبية. شي جين بينج أعطى الحزب ما أراده".
اقرأ أيضاً: