حكومة العراق الجديدة.. بين المطالبين بمكافحة الفساد ومرتكبيه

رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد شياع السوداني - واع
رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد شياع السوداني - واع
بيروت- تيما رضا

بعد أشهر من اضطرابات داخلية شهدها العراق، وفراغ دستوري تلى الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2021، جاء انتخاب رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، وتكليف رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، مرشح "الإطار التنسيقي"، كإشارات على انفراجة سياسية، أنهت فراغاً دستورياً لم تشهده الدولة العراقية منذ تأسيسها في عشرينات القرن الماضي.

انتخِب الرئيس العراقي الجديد، عبد اللطيف رشيد، مرشح حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، في الجولة الثانية من التصويت السري بـ162 صوتاً، من مجموع عدد المقترعين البالغ 269 نائباً.

فكيف حصل الانفراج بعد التأزم الذي أحاط بالبلاد لعام كامل؟ وقبلها عامين من التظاهرات.

دور "الاتحاد الوطني الكردستاني"

العضو في الاتحاد الوطني الكردستاني شيرزاد اليزيدي، يشرح في حديث مع "الشرق" الدور الذي لعبه الحزب في الانتخابات الأخيرة.

وقال اليزيدي: "المرشحان الرئيسيان اللذان وصلا إلى الجولة الثانية من انتخاب الرئيس عبر you حصدهما أعلى أصوات تحت قبة البرلمان، هما من حزب الاتحاد الوطني، وهذه خطوة مهمة بالنسبة لنا كحزب وهي محط اعتزاز للعراقيين".

وأضاف مفسراً: "طيلة عام من الانتخابات، كان الحزب مع التوافق بين المكونات الأساسية، ومع وإشراك مكونات الشعب كافة في الحكم، أي الشيعة والسنة والأكراد، وطبعاً مع ضمان حقوق باقي مكونات الشعب العراقي والقومية والإثنية". واعتبر أن "الحزب الذي يمثله لم يكن جزءاً من المشكلة، بل على العكس كان جزءاً من الحل، وعامل خير، ودعوة لوحدة الصف وتوافق العراقيين ككل".

أما الكاتب والإعلامي العراقي مازن الزيدي، فقال لـ"الشرق"، إن "الانفراجة التي حدثت، سببها تمسك الإطار التنسيقي بالإطار الدستوري والحياة الدستورية".

ويضيف: "شهدنا تعطيلاً من قبل التيار الصدري، وقد حاول تجاوز الدستور والثوابت، وهذا كان ينذر بخطر"، مشيراً إلى أن "الإصرار على التمسك بالدستور كمسار أوحد في العراق، هو سر النجاح الذي أعطى مصداقية للعمل، وأدى إلى الانفراج بعد عام.. الأحداث والتدخلات على مستوى دولي كبير، ولكن الالتزام بالدستور والتداول السلمي للسلطة ضروري".

"مسارات محددة لخارطة السياسية"

ويرى رئيس "مركز الأمصار للدراسات" رائد العزاوي، أن "العراق أمام متغير مهم جداً"، مشيراً إلى أن "الانفراجة التي حصلت، سببها أن الإبقاء على حالة الجمود الحاصل وعدم إيجاد حلول للأزمة، كان يعني انهيار الطبقة السياسية الحاكمة منذ 2003، بشكل نهائي".

ويشرح في حديث لـ"الشرق": "استدركت هذه الطبقة الموضوع سريعاً، فاختارت الرئيس الرشيد ومن ثم حصل تسمية رئيس الوزراء". وأضاف: "هذه الانفراجة لن تغير الاصطفافات السياسية كثيراً بمعنى سنية سنية - شيعية شيعية، وكردية كردية، وأكيد هناك اختلاف في وجهات النظر لأنه من الصعب الخروج من الاصطفافات وبوتقات التخندق الطائفي والعرقي والمذهبي وحتى المناطقي".

وتابع: "الشكل العام للخارطة السياسية في العراق سيكون بنفس المنوال وبنفس الطريقة. ولن يخرج عن مسارات محددة".

ولكن للدكتور في جامعة "أهل البيت" غالب الدعمي، رأي آخر في التسمية ولا يعتبره "انفراجاً"، إذ قال لـ"الشرق": "هذا ليس انفراجاً، فالانفراج الحقيقي هو تقديم الخدمات وإقناع الناس أن الحكومة أتت لتعمل لهم وليس ضدهم".

وعما إذا كان يرى أن تشكيل الحكومة يعتبر "بداية مرحلة جديدة"، أو أنه "إعادة إنتاج للطبقة السياسية الحالية"، أجاب الدعمي: "بخروج التيار الصدري، أُطلقت يد الإطار التنسيقي مع حلفائه وأكثريته العددية، وبالتالي سيعمدون إلى تغيير القوانين وتعديلها بما يخدمهم، وبما يريدون ويرغبون".

وتابع الدعمي قائلاً: "الإطار التنسيقي للمرة الأولى سينعم بهذا الأمر منذ 2003، وانسحاب التيار الصدري كان خطأ"، معتبراً أن "التيار الصدري يمكن أن يعود وبقوة مع فشل الإطار التنسيقي".

هل أُطلقت يد إيران؟

في 10 أكتوبر 2021، جرت الانتخابات العراقية، وكشفت النتائج عن فوز التيار الصدري بـ73 مقعداً (عدد مقاعد البرلمان 329)، رفض من بعدها زعيم التيار مقتدى الصدر تشكيل حكومة مع من وصفهم بـ"الفاسدين والتابعيين لإيران"، ما أدخل البلاد في عام من التأزم، لم ينتهِ إلاّ بإعلان الصدر انسحاب تياره من الحياة السياسية.

المقرب من السوادني، مازن الزيدي، قال في تصريح لـ"الشرق": "الحكومة ستعمل لصالح العراق"، معتبراً أن "اتهامات التيار الصدري في موضوع التبعية لإيران، تندرج ضمن إطار التراشق السياسي".

ويشير بما يضعه في إطار كشف المعلومات: "الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان يسعى إلى إبقاء الرئيس العراقي السابق ورئيس حكومة السابق أيضاً، وأجرى اتصالاً مع مسعود بارزاني ومقتدى الصدر لإقناعهما بذلك"، معتبراً أن "التدخل الأوروبي، كان أوضح وأكبر، ولم نشهده من الجانب الإيراني".

ويعتبر الزيدي أن "إيران تهتم لصالحها، وليس من مصلحتها التوتر بالعراق، لأنها تهتم لأمره من جهة، ويتأثرون به من مختلف النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية".

تبعية الحكومات المتعاقبة وامتداداتها الخارجية لطالما شكّلت مادة دسمة للمحللين السياسيين وللمراقبين الدوليين، ولا سيما في العراق، ويطفو إلى السطح مع كل استحقاق داخلي، أسئلة بشأن السياسات الخارجية للبلاد، وفي أي اتجاه تسير، في ظل الكلام عن مدى التأثيرات الدولية على الداخل العراقي. 

ويأمل الكاتب والباحث العراقي علي البيدر أن "يستمر مد جسور العلاقات مع المحيط العربي للعراق، وهو الامتداد الطبيعي"، بحسب وصفه، داعياً "العالم العربي إلى التطلع للعراقيين، ومد يد العون للشعب العراقي، وعدم التضييق عليه".

ولفت إلى أن "إيران تقوم بإعطاء تسهيلات للعراقيين، من دخول أراضيها دون أي صعوبات، إلى فتح جامعاتها لطلاب العراق، أما السفر إلى الدول العربية فيخضع لكثير من التضييق".

"الحكومة ليست إيرانية"

ويرفض الزيدي وصف الحكومة بـ"التابعة إلى إيران"، قائلاً إن "الحكومة ليست إيرانية"، ومؤكداً أن "هناك رغبة بالانفتاح على العالم العربي، ونحن لسنا رقماً هامشياً، ولكن ليس على حساب علاقاتنا بالجانب الآخر". 

وأضاف رائد العزاوي، وهو أيضاً أستاذ في العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في القاهرة : "الدور الإيراني ليس قليلاً في العراق ولا الدور الأميركي أيضاً"، مستدركاً: "لكن واشنطن في إدارة بايدن ابتعدت عن بغداد ولم تعد تعتبرها أولوية، تاركة الساحة لإيران، التي تعتبر العراق حديقتها الخلفية، ولا يمكن أن تتنازل عنه أو عن نفوذها فيه، أو عن أذرعها وقوتها هناك".

ويعتبر العزاوي أن من غير الوارد أن تتخلى الحكومة الجديدة عمّا أسسه رئيس الحكومة المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي لجهة العلاقات مع العالم العربي، قائلاً: "هذا الدور لن تستطيع الحكومة الجديدة أن تتجاهله، ولن يؤثر عليه السوداني"، معتبراً أن "الكاظمي أسّس لعلاقات طويلة واستراتيجية طويلة مع المحيط العربي، وهذا أمر مهم جداً وعلاقته ضرورية مع القيادات العربية".

ولفت إلى أن "العراق بحاجة إلى محيطه العربي.. العراق المتزن والمتوازن والبعيد عن الطائفية والعرقية هكذا تريده الدول العربية، نحن لا مشكلة لدينا مع المنطقة العربية، وقد دعينا خلال فترة الكاظمي إلى علاقات طيبة، والحكومة المقبلة ستسير على نفس النهج ولن تغير شيء".

وانتقد العزاوي "انسحاب التيار الصدري"، قائلاً إن ذلك "غير مقبول لأنه كان من الممكن أن يكون أحد الأدوات الرقابية على عمل الحكومة، وأعطى فرصة للإطار التنسيقي"، مضيفاً: "صحيح كل المؤشرات تقول إن إيران إسماعيل قاآني (قائد فيلق القدس في الحرس الثوري) غير إيران قاسم سليماني (القائد السابق للفيلق)، وإنها حاولت أن تبتعد عن المهاترات، وحاولت في بداية العام التدخل، ولكن الإطار كان مسدوداً".

وتابع: "الصدر أعطى فرصة ذهبية للإطار التنسيقي، ليكون له اليد العليا في تسمية وتشكيل الحكومة، لم يستطع الصدر بسبب ضغوطات معينة أن يشكل حكومة وطنية، ولم يستدرك بأن مسألة تشكيل حكومة وفق الرؤية التي أرادها صعب تحقيقها".

تحديات الحكومة الجديدة

أمام رئيس الحكومة العراقية المكلف محمد السوداني شهر لتشكيل الحكومة، منذ تكليفه من قبل الرئيس رشيد، ولكن هل سينجح السوداني بتشكيل الحكومة؟ أم أن هناك عقبات سترافق عملية تأليف الحكومة؟

الدعمي الذي تنبأ بعودة التيار الصدرى مع فشل الإطار التنسيقي، يرى أن "الأمل الوحيد لرئيس الحكومة المكلف وحكومته بالنجاح، هو الابتعاد عن الإطار والانضواء تحت الفضاء الوطني"، محذراً من "التعامل بقسوة مع التيار الصدري"، ودعا إلى "محاولة احتوائه لأنه إذا تعامل مع التيار بطريقة هادئة ستمضي الأمور بهدوء، وإذا تعامل معه بقسوة فإنه سيخسر"، وفق قوله.

وعمّا يقصده بعبارة التعامل معهم بقسوة، قال الدعمي: "الكاظمي استطاع احتواء التيار الصدري عبر حفظ مراكزهم وخصوصيتهم ومناصبهم، وإذا لم يحاول الرئيس المكلف بعد تشكيل حكومته الإطاحة بهذه المناصب ولم يستفزهم، فإن الأمور ستمضي بهدوء".

ويرى شيرزاد اليزيدي أن رئيس الجمهورية "سيقود البلاد على طريق أول رئيس عراقي منتخب"، وهو جلال طالباني في الفترة من 2006 إلى 2014، "وسيعمل مع رئيس الحكومة عبر هذا المنصب".

وقال اليزيدي: "رئيس الجمهورية حريص على احتواء وجهات النظر كافة، وألوان الطيف العراقي، وتمثيلها وانتهاج سياسات تخدم المصالح الوطنية العليا للعراقيين، باختلاف ألوانهم وتحقيق السلام والديمقراطية والاستقرار والسلام الداخلي بين العراقيين".

ويأمل بأن تكون المرحلة الجديدة "بداية للنهوض بالعراق، ومعالجة الملفات المتراكمة والتحديات السياسية والأمنية الاقتصادية البيئية الصحية وغيرها"، مضيفاً: "نراهن على التوافق والتكليف بأن يكون خيراً للشعب العراقي ولشعبنا الكردي في إقليم كردستان".

"السوداني يعرف العراق جيداً"

ولا يرى الإعلامي على البيدر تأخيراً في تشكيل الحكومة، وقال: "الفرق بين السوداني وغيره ممن توالوا على رئاسة الحكومات المتعاقبة، منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، أن السوداني لم يترك يوماً العراق، وأنه يعرف الشعب عن قرب".

ويرى البيدر أنه "لم يعد هناك حجة من الطبقة الحاكمة للاستمرار بالنهج التي كانت تسير به. ولم يعد هناك من حجة لعدم الإصلاح بعد الخلاص من (تنظيم) داعش و(جائحة) كورونا وانتهاء الاحتلال الأميركي". ولفت إلى أن "المجتمع الدولي يراقب ويتطلع، ولذلك يجب البدء بالإصلاح الحقيقي، بعدما اتخمت الطبقة السياسية نفسها لعقود من الزمن".

من ناحيته، يرى العزاوي أن "الحكومة جاهزة، ولن يأخذ تشكليها وقتاً طويلاً"، ولا يبدو العزاوي متفائلاً بشعارات مكافحة الفساد والبطالة والسلاح المتفلت وتحقيق مطالب الشعب، قائلاً: "الحكومة نتيجة الطبقة السياسية ذاتها، والطريقة الوحيدة ليحقق السوداني مطالب الشعب هو الانسلاخ عن هذه الطبقة"، معتبراً أن البلاد بحاجة إلى "حكومة قوية بعيدة وغير ناتجة عن رحم الطبقة السياسية الحالية، وهذا غير متوفر في هذه الحكومة".

وتابع: "مع كل التقدير للسوداني ولإمكاناته، ولكن النجاح في إدارة الحكومة صعب جداً خصوصاً وأن الشارع العراقي، لم يعد يستطيع الصبر كثيراً على الأوضاع المعيشية المزرية".

ويلخص العزاوي الموقف قائلاً: "أرى أن هذه الحكومة عمرها قصير، رغم أن كل القيادات تدعمها"، مضيفاً: "الشارع غير مستقر، وللتيار الصدري جمهوره الذي يمكن أن يتحرك بأي وقت"، موضحاً -: "أعتقد أن هذه الحكومة ستواجه عقبات كثيرة". 

مكافحة الفساد

بدوره اعتبر الدعمي أن "مكافحة الفساد أمر كبير وخطير، خصوصاً وأن السياسيين هم المتورطين في هذا الملف"، متسائلاً: "من الصعب محاربتهم لأن الطبقة السياسة العليا هي المتورطة في هذا الأمر فمن سيحاكمها؟".

وبشأن تشكيل الحكومة، قال الدعمي: "بالطبع هناك أطراف سياسية ساهمت في تشيل حكومات فاسدة، ونعرف أحد زعماء هذه الكتل السياسية الذي تورط بسرقة 40 مليار دينار من وزارة التربية، وهناك شخصيات متهمة بالفساد وممنوعة من الترشح وشُملت بالعفو، وتم إطلاق سراحها، فهل نعتقد أن هذه الطبقة ستُشكل حكومة من المعصومين؟ أمام الرئيس المكلف تحديات كبيرة والأمل بشخصيته بأن يحد من هذه الصفقات".

وقال مازن الزيدي المقرب من "الإطار التنسيقي" ورئيس الحكومة الملكف: "السوداني لا يمتلك عصا سحرية، ومدة حكومته محكومة بسنة أو سنة ونصف بانتخابات نيابية مبكرة، وبالتالي يجب أن نكون واقعيين". وأضاف: "الحكومة ملزمة بسقوف دستورية، وهناك اتفاق سياسي هو إجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد حوالي سنتين". 

وعن المطالب المعيشية للشعب العراقي والتظاهرات التي عمّت الشارع مطالبة بمكافحة الفساد، قال شيرزاد اليزيدي: "العراق يشهد نمواً اقتصادياً يصل إلى 5% بفضل أسعار النفط وارتفاعها، وهو الأعلى منذ عام 2003، بحسب البنك الدولي".

وأضاف: "يجب توظيف هذا النمو، ومن أجل ذلك نحن بحاجة إلى تشدد بالسياسات الحكومية.. اعتقد أن السوداني يمتلك رؤية موضوعية لمعالجة الأزمات الاقتصادية والخدماتية، لتحظى بالأولية، وهذا ما سمعته منه بشكل مباشر".

ويعتبر الزيدي أنه "على ضوء الحضور في البرلمان لأكثر من النصاب المطلوب 220، يبدو أن هناك إجماعاً وطنياً على الإسراع بتشكيل الحكومة، والتشكيل قد يحصل خلال أسبوعين".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات