عقدت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات في الصين، اجتماعات طارئة الأسبوع الماضي مع شركات رائدة في قطاع أشباه الموصلات، سعياً إلى تقييم الضرر الناجم عن قيود مشددة فرضتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على تزويد بكين بالرقائق، وتعهّدت بدعم هذا القطاع الحيوي.
وأفادت "بلومبرغ" بأن الوزارة استدعت المديرين التنفيذيين لشركات، بما في ذلك Yangtze Memory Technologies Co، وDawning Information Industry Co المتخصّصة بالكمبيوتر الفائق القوة، للمشاركة في اجتماعات مغلقة، منذ أعلنت الولايات المتحدة عن تدابيرها لاحتواء الطموحات التكنولوجية الصينية.
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن مسؤولي الوزارة بدوا غير متأكدين ممّا يجب أن يفعلونه في هذا الصدد، وبدا أحياناً أن لديهم أسئلة كثيرة لشركات تصنيع الرقائق. وامتنع هؤلاء عن التلويح باتخاذ تدابير مضادة، لكنهم شددوا على أن سوق تكنولوجيا المعلومات المحلّي سيؤمّن طلبات تكفي كي تواصل الشركات المتضررة عملها.
من الريادة إلى الأزمة
اعتبر كثير من المشاركين في الاجتماعات، أن القيود الأميركية تنذر باندثار صناعتهم، فضلاً عن طموحات الصين لفكّ ارتباط اقتصادها بالتكنولوجيا الأميركية. وحذرت Yangtze Memory، التي تُعدّ من أبرز الشركات الصينية التي قد تدخل صناعة الرقائق المتطوّرة، وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات من أن مستقبلها قد يكون في خطر، بحسب "بلومبرغ".
تُعتبر شركة "بيرن" لصناعة الرقائق باستخدام الذكاء الاصطناعي، مثالاً معبّراً عن كيفية انتقال شركات أشباه الموصلات الصينية من الريادة إلى الأزمة في غضون أيام.
وكانت الشركة تتطلّع إلى تقييمها بـ2.7 مليار دولار، وأعلنت في أغسطس الماضي أنها أصدرت أول وحدة معالجة الجرافيكس للأغراض العامة، "مسجّلة رقماً قياسياً جديداً في قوة الحوسبة العالمية".
لكن "بيرن" تعاقدت مع شركة Taiwan Semiconductor Manufacturing Co لإنتاج رقائقها، باستخدام تقنية 7 نانومتر متطوّرة. وقد تُرغَم الشركة التايوانية الآن على وقف العمل مع "بيرن"، بموجب القيود الأميركية، وليست هناك شركة في الصين قادرة على الحلول مكانها.
الشركة الصينية أكدت أنها تعمل بشكل طبيعي، مشددة على أن القيود الأميركية لن تمسّ أعمالها، بعد التحقق مع محامين، بحسب "بلومبرغ".
سحبت شركات أميركية موظفين من شركات ناشئة صينية، بما في ذلك Yangtze Memory، فيما أوقف مورّدون غير أميركيين، مثل ASML Holding NV الهولندية، دعم العملاء المحليين.
وتجهد Dawning Information، الشركة الرائدة في تصنيع أجهزة الكمبيوتر العملاقة في الصين، ووحدتها Hygon، لإيجاد بدائل للرقائق الأميركية، التي تحتاج إليها لمواصلة عملها، علماً أن أعلنت الأسبوع الماضي أنها تقيّم التأثير البعيد المدى للعقوبات.
وكتب جوردان شنايدر، وهو محلل في Rhodium Group للأبحاث، على "تويتر" أن "الضوابط الجديدة (التي فرضها) بايدن لتصدير الرقائق هي ضربة كبرى للطموحات العلمية والتكنولوجية للحزب الشيوعي الصيني". واعتبر أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني شي جين بينج في افتتاح المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الأحد الماضي، "شرح أسباب" ذلك.
الصين والاعتماد على الذات
ليس واضحاً كيف سيكون ردّ فعل بكين على القيود الجديدة، وهي الأكثر عدائية التي تفرضها إدارة بايدن حتى الآن، إذ تحاول منع الصين من تطوير قدرات تعتبر أنها تشكّل تهديداً للولايات المتحدة، بحسب "بلومبرغ".
شي جين بينج تعهّد في خطابه بأن تعتمد الصين على الذات في قطاع التكنولوجيا، كي تنتصر في معركة مع الولايات المتحدة من أجل التفوّق التكنولوجي. ورأى كثيرون في ذلك مؤشراً على أن بكين ستكثف سياستها ودعمها المالي لقطاعات، مثل الذكاء الاصطناعي والرقائق.
وزارة التجارة الأميركية كشفت هذا الشهر قواعد شاملة تحدّ من بيع أشباه الموصلات ومعدات تصنيع الرقائق للعملاء الصينيين، في خطوة تمسّ أساس جهود بكين لبناء صناعة الرقائق الخاصة بها. كذلك أضافت الولايات المتحدة 31 شركة إلى قائمتها، بما في ذلك Yangtze Memory وشركة تصنيع معدات الرقائقNaura Technology Group Co، ممّا قوّض بشدة قدرتها على شراء أجهزة من الخارج.
وكتب محلّلو شركة "بيرنشتاين" للاستشارات المالية الأسبوع الماضي: "وجدنا القيود المعلنة حديثاً، مدروسة جيداً وسدّت ثغرات كثيرة فشلت القيود السابقة في تغطيتها. لن تكون الصين قادرة على التقدّم في تكنولوجيات أشباه الموصلات بالسرعة التي كانت عليها سابقاً، وربما ليس لديها خيار سوى التركيز على الجزء الناضج" من هذه الصناعة.
مشاريع مدعومة من الحكومة
كانت صناعة الرقائق في العالم، التي تعتمد على الصين بوصفها أضخم مستهلك لأشباه الموصلات، تستعد لانتقام من بكين. وحذرت شركة "لام ريسيرش كورب" الأميركية من أن إيراداتها قد تنخفض إلى النصف في الصين، حيث تجني نحو 30% من إجمالي عائداتها. لكن شركة ASML Holding NV أشارت إلى تأثير "محدود إلى حدّ ما" لضوابط التصدير الأميركية.
في غضون ذلك، تعتمد شركات تكنولوجيا كبرى كثيرة في الصين على مشاريع مدعومة من الحكومة، من أجل تحقيق نموّ. وحقّق تشييد شبكة لاسلكية ضخمة في البلاد أرباحاً هائلة لشركتَي "هواوي" و"زد تي إي". ومن المقرر أن يفيد بناء مركز للبيانات في الجزء الغربي الأقلّ تطوّراً من الصين، شركات مصنّعة للخوادم، بما في ذلك Sugon وInspur Group.
وأفادت "بلومبرغ" بأن بكين أمرت هذا العام الوكالات الحكومية والشركات الرسمية بإبدال أجهزة الكمبيوتر الشخصية الأجنبية، ممّا قد يؤدي إلى طلب على 50 مليون جهاز كمبيوتر صينية الصنع.
ولكن اعتماداً على مدى اتساع نطاق تطبيق واشنطن للقيود التي فرضتها، يمكن أن يمتد تأثيرها إلى ما هو أبعد من أشباه الموصلات وإلى صناعات تعتمد على الحوسبة المتطوّرة، مثل السيارات الكهربائية والفضاء والهواتف الذكية.
ووَرَدَ في مذكرة أعدّتها شركة Fathom China للأبحاث: "عندما تكون بكين في وضع صعب، يكون ردّ فعلها الأولي بطيئاً دوماً. الوزراء ليسوا مخوّلين باتخاذ قرارات بأنفسهم، إذ أن القياديين البارزين يتخذون القرار. والآن، ينشغل هؤلاء القياديون بمؤتمر الحزب" الشيوعي.
اقرأ أيضاً: