التصويت بالبريد يشعل معركة قضائية في الانتخابات النصفية الأميركية

ناخب يضع ورقة الاقتراع في صندوق مخصص للتصويت عبر البريد في مقاطعة لوزيرين بولاية بنسلفانيا الأميركية- 3 نومفبر 2022 - REUTERS
ناخب يضع ورقة الاقتراع في صندوق مخصص للتصويت عبر البريد في مقاطعة لوزيرين بولاية بنسلفانيا الأميركية- 3 نومفبر 2022 - REUTERS
فيلادلفيا (بنسلفانيا)- عزيز عليلو

أشعل التصويت عبر البريد معركة قضائية في الانتخابات النصفية بولاية بنسلفانيا الأميركية التي يرتقب أن يحسم فيها سباق بين المرشحين الجمهوري محمد أوز والديمقراطي جون فيترمان، مصير الأغلبية بمجلس الشيوخ.

وانتصرت المحكمة العليا بولاية بنسلفانيا لدعوى قضائية قدمتها مجموعات حقوقية تابعة للحزب الجمهوري في الولاية بشأن أوراق التصويت الغيابي غير المؤرخة، وأصدرت قراراً مطلع نوفمبر الجاري يقضي بعدم قبول أي أصوات عبر البريد لا تتضمن تاريخ إرسالها أو تواريخ خاطئة.

والأحد الماضي، أصدرت المحكمة قراراً ثانياً توضح فيه أن الأظرف التي تضم أوراق التصويت الغيابية عبر البريد، يجب أن تكون مؤرخة يدوياً بخط الناخبين بين 30 أغسطس (موعد فتح التصويت الغيابي) و8 نوفمبر (آخر أجل للتصويت).

وانضم المرشح الديمقراطي لمقعد مجلس الشيوخ فيترمان إلى المعركة القضائية، إذ قدم فريقه الاثنين، دعوى قضائية أمام محكمة فيدرالية بمدينة بتسبورغ، وطلب صدور قرار قاضي فيدرالي يقضي باحتساب أوراق التصويت عبر البريد سواء كانت الأظرف مؤرخة أم لا ومهما كان التاريخ المكتوب عليها.

واعتبرت الدعوى القضائية أن "وضع تاريخ محدد يفرض عقبات غير ضرورية على سكان بنسلفانيا المؤهلين لممارسة حقوقهم الأساسية (في التصويت)، ما يؤدي إلى رفض الأصوات الصحيحة بشكل تعسفي".

ويأتي ذلك قبل ساعات من بدء فرز الأصوات عقب إغلاق مراكز الاقتراع الحضوري مساء الثلاثاء، فيما رجح مسؤولون من الحزبين في بنسلفانيا لـ"الشرق"، أن تشعل نتائج الانتخابات بالولاية معركة قضائية شرسة مهما كان المرشح الفائز بها.

"كل صوت مهم"

المحامي والمسؤول السابق في الحملات الانتخابية للحزب الديمقراطي بولاية بنسلفانيا، كين سموكلر، قال لـ"الشرق" إن "استطلاعات الرأي ترجح أن تكون نتائج الانتخابات متقاربة جداً، وبالتالي فكل صوت مهم واستبعاد أي صوت قد يؤثر على نتيجة الانتخابات".

واعتبر سموكلر وهو محام أن معظم الأصوات المهددة بقرار المحكمة العليا تتضمن "أخطاء عفوية في التاريخ"، مشدداً على أن الحكم بإبطالها "محاولة للتحكم في نتائج الانتخابات وانتهاك تعسفي لحق المواطنين في التصويت".

ولفت إلى أن "المحكمة العليا بولاية بنسلفانيا حسمت النزاع لصالح الجمهوريين، نظراً لأنها خاضعة لسيطرتهم". ورأى أن "الديمقراطيين قد يلجأون إلى المحكمة العليا الأميركية، بهدف الطعن في القرار عقب صدور النتائج". وقال: "لكن لا أعتقد أنه من المرجح الحصول على قرار في صالح الديمقراطيين نظراً لأن المحكمة الاتحادية بدورها خاضعة لسيطرة الجمهوريين".

لافتة أمام مقر بلدية فيلاديلفيا بولاية بنسلفانيا تدعو للتصويت و
لافتة أمام مقر بلدية فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا تدعو للتصويت و"الدفاع عن الديمقراطية" في الانتخابات النصفية. 7 نوفمبر 2022 - الشرق

وأوضح المتحدث ذاته أن "الجمهوريين يحاولون استبعاد أكبر عدد ممكن من الأصوات عبر البريد، نظراً لأن 70% من الأصوات عبر البريد تكون لناخبين ديمقراطيين. إذ أن الناخبين الجمهوريين لا يثقون في طريقة التصويت عبر البريد وغالباً ما ينتقدونها".

وبلغ عدد الأصوات التي لا تحترم قرار المحكمة العليا أكثر من 3 آلاف و300 ورقة اقتراع، بحسب ما أكدت لجان الانتخابات في فيلادلفيا وأليجيني، أكبر مقاطعتين في ولاية بنسلفانيا.

ووقف المئات من الناخبين عبر البريد في طوابير طويلة أمام بلدية فيلاديلفيا، الاثنين، بهدف تصحيح أوراق الاقتراع، بعد إخطارهم من قبل لجنة الانتخابات بوجود أخطاء فيها.

وبينما ينص قانون ولاية بنسلفانيا على ضرورة "كتابة التاريخ والتوقيع" على الأظرف التي تتضمن أوراق الاقتراع، فإن الولاية كانت تسمح في السابق باحتساب أوراق التصويت غير المؤرخة أو التي تتضم تواريخاً خاطئة.

تاريخ "من التزوير"

في المقابل، يرى جيفري لورد وهو خبير استراتيجي بالحزب الجمهوري في ولاية بنسلفانيا، أن الولاية "لها تاريخ طويل من عمليات التزوير في الانتخابات التي تكون عادة في صالح الديمقراطيين".

ولفت لورد إلى أن "الحزب الجمهوري لا يثق في عملية التصويت عبر البريد، وعلينا الحذر من أي عمليات تزوير محتملة في التصويت الغيابي".

وذكر بأن "عضو الكونجرس الديمقراطي السابق مايكل أوزي مايرز أدين بالسجن، بعدما أظهر تحقيق أنه متورط في دفع رشوى لقضاة في الانتخابات من أجل تزوير النتائج بولاية بنسلفانيا لصالح الديمقراطيين".

مسؤول بلجنة الانتخابات يحمل أوراق الاقتراع عبر البريد بولاية بنسلفانيا- 31 أكتوبر 2022 - REUTERS
مسؤول بلجنة الانتخابات يحمل أوراق الاقتراع عبر البريد بولاية بنسلفانيا- 31 أكتوبر 2022 - REUTERS

وكانت وزارة العدل الأميركية أعلنت في سبتمبر الماضي إدانة مايرز بالسجن 30 شهراً، بعد اعترافه بدفع الرشوة لمسؤولي الانتخابات بولاية بنسلفانيا في مؤامرات لتزوير النتائج وذلك في 2014 و2015 و2016 و2017 و2018.

وأوضح لورد الذي شغل منصب المدير السياسي للبيت الأبيض في عهد الرئيس رونالد ريجان، أن "هناك تاريخاً من تزوير الانتخابات التي قام بها الديمقراطيون في بنسلفانيا. لذلك، لا نستبعد عدم حصول مشاكل في الانتخابات الحالية، ومن المرجح أن يقدم الجمهوريون على نفس الخطوات هذا العام. نحن نراقب عن كثب وحذرون من إزاء ما يمكن أن يحدث عند فرز الأصوات".

تشكيك محتمل في النتائج

ولم يحظ أي سباق انتخابي في مجلس الشيوخ الأميركي بالقدر ذاته من الإنفاق والاهتمام مثل المنافسة الساخنة والمثيرة للانقسام في بعض الأحيان بين المرشحين الجمهوري محمد أوز والديمقراطي جون فيترمان بولاية بنسلفانيا.

وأعار الحزبان اهتماماً كبيراً للانتخابات في ولاية بنسلفانيا، من مؤشراته إنفاقهما ما يقرب من 160 مليون دولار على الدعاية الانتخابية بشكل يفوق أي منافسة انتخابية آخرى في السباق الخاص بتجديد ثلث مقاعد مجلس الشيوخ (35 مقعداً)، وفقًا لموقع AdImpact المتخصص في تتبع الإنفاق الإعلاني.

كما ظهرت أهمية السباق بشكل واضح السبت الماضي، عندما سافر ثلاثة رؤساء، هم: الرئيس جو بايدن والأسبق باراك أوباما (الحزب الديمقراطي) و الرئيس السابق دونالد ترمب (الحزب الجمهوري)، إلى الولاية لحشد أصوات الناخبين.

ووفقاً لاستطلاع أجراه "معهد ماريست" في الفترة الممتدة من أواخر أكتوبر إلى أوائل نوفمبر الحالي، يحظى فيترمان بتأييد 50 في المئة من الناخبين المسجلين، مقارنة بـ 44 في المئة لأوز.

كما وجد استطلاع أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع "سيينا كوليدج" نتيجة مماثلة تقريباً بحصول فيترمان على 49 في المئة في نوايا تصويت الناخبين المسجلين، مقابل 44 في المئة لمنافسه الجمهوري.

وبينما يستبعد تحقيق أي من المرشحين انتصاراً كاسحاً في الانتخابات، تتزايد احتمالات تشكيك الحزبين في النتائج.

وقال المحامي الديمقراطي سموكلر إنه من المرجح أن تكون النتائج متقاربة جداً. وأضاف: "لا نستبعد أن يشكك الجمهوريون في نتائج الاقتراع على مستوى الولاية، لكن ذلك ستحدده النتائج النهائية. ففي حال فوز المرشح الديمقراطي بفارق بسيط، فإن من المرجح أن يتكرر سيناريو 2020 عندما شكك الرئيس السابق دونالد ترمب بنتائج التصويت بالولاية وأثار اتهامات بالتزوير".

وبشأن احتمال اندلاع أعمال عنف في الولاية عقب صدور نتائج الاقتراع، قال سموكلر إنه أمر مستبعد. لكن ما حدث في 20 يناير حين اقتحم أنصار ترمب المشككين في نتائج الانتخابات مبنى الكابيتول لم يكن متوقعاً كذلك، وبالتالي فإن كل شيء ممكن.

وهناك احتمال خروج جمهوريين والقيام بأعمال شغب في المناطق التي تصوت للديمقراطيين، في حالة خسارة المرشح الجمهوري، والاحتجاج ضد ما يسمونه بـ"سرقة الانتخابات"، وفقاً لسموكلر.

وفي السياق، يرجح جيفري لورد كذلك حدوث معارك قضائية عقب صدور نتائج الانتخابات "مهما كان الفائز في هذا السباق، ما دام فارق الأصوات غير كبير".

غير أن لورد استبعد احتمال وقوع عنف "حتى في حال ظهور شبهات تزوير نتائج الانتخابات".

من يحسم السباق؟

ويعتبر مقعد مجلس الشيوخ عن ولاية بنسلفانيا ذو أهمية خاصة بالنسبة للديمقراطيين للحفاظ على الأغلبية الهشة في الوقت الذي يحاولون فيه السيطرة على مجلس الشيوخ وزيادة أغلبيتهم.

ويأمل الديمقراطيون في قلب هذا المقعد، الذي كان يشغله الجمهوري بات تومي المنتهية ولايته، بالنظر إلى قوة فيتيرمان في الولاية ونجاح بايدن هناك في 2020 ضد ترمب.

كين سموكلر قال لـ"الشرق"، إنه "سباق لا يمكننا الخسارة فيه، في حال أردنا الحفاظ على فرصنا في السيطرة على مجلس الشيوخ".

وبشأن الفئة الناخبة التي يعول عليها الديمقراطيون في بنسلفانيا، يقول سموكلر إن حملة فيترمان "ركزت على الأقليات، وخصوصاً الناخبين الأميركيين من أصول إفريقية في فيلاديلفيا. لأنهم في الغالب يصوتون للديمقراطيين، لكن نسبة مشاركتهم في انتخابات 2020 كانت متدنية. وبالتالي، فإننا نأمل في أن يزيد عدد الناخبين من هذه الفئة في الانتخابات الراهنة".

إعلان على اليسار يدعو للتصويت للمرشح الجمهوري محمد أوز، وآخر في اليمين يدعو للتصويت لصالح خصمه الديمقراطي فيترمان، بأحد شوارع فيلاديلفيا- 7 نومفبر 2022 - الشرق
إعلان على يسار الصورة يدعو للتصويت للمرشح الجمهوري محمد أوز، وآخر جهة اليمين يدعو للتصويت لصالح خصمه الديمقراطي جون فيترمان، بأحد شوارع فيلادلفيا- 7 نوفمبر 2022 - الشرق

وأضاف سموكلر : "كذلك نركز على النساء خصوصاً في الضواحي والأرياف بولاية بنسلفانيا، التي تضم عادة الناخبين الجمهوريين، ومن المتوقع أن يشكل تقنين الإجهاض عاملاً محفزاً للنساء الجمهوريات للتصويت لصالح المرشح الديمقراطي".

في المقابل، أقر بأن استخدام الجمهوريين لتدهور الوضع الاقتصادي بالبلاد في هجومهم على الديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، قد يؤثر على الناخبين ويدفعهم للتصويت لصالح الجمهوريين.

وزاد: "هذا مصدرقلق حقيقي، خصوصاً بعد ارتفاع الأسعار نتيجة التضخم. هذه نقطة سلبية بالنسبة للديمقراطيين".

من جانبه، قال جيفري لورد لـ"الشرق"، إن الظروف الحالية التي تُجرى فيها الانتخابات في صالح المرشح الجمهوري، ورجح فوزه في السباق.

وأوضح لورد أن "السكان يعانون ارتفاع الأسعار ويضطرون إلى اللجوء إلى مدخراتهم لتغطية المصاريف. هذا أمر سيساعد بالتأكيد في زيادة عدد الناخبين الراغبين في المشاركة بالانتخابات النصفية، وخصوصاً الراغبين في التصويت لصالح الجمهوريين، لأنهم يلومون إدارة بايدن على الأوضاع الاقتصادية الحالية".

ولفت إلى أن "الزخم في الولايات الأخرى الذي يؤشر إلى موجة حمراء قد يساعد أوز في السباق بولاية بنسلفانيا، لأن التاريخ يبين أنه حين تكون هناك موجة انتصارات لحزب ما في الانتخابات، فإنها تكتسح تقريباً كل الولايات".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات