لا يخفي الفلسطينيون قلقهم من فوز بنيامين نتنياهو بالأغلبية في الكنيست الإسرائيلي، فهذا يعني أنه الأوفر حظاً لتشكيل حكومة، يحتمل أن تضم عدداً من أحزاب اليمين التي تطالب بضم الضفة الغربية، وإقامة "الهيكل" مكان المسجد الأقصى، وإقرار حكم الإعدام على منفذي العمليات المسلحة، وتجريد "غير الموالين" من الفلسطينيين في إسرائيل من الجنسية، وإبعادهم خارج البلاد.
ويبلغ عدد الفلسطينيين في إسرائيل حوالي مليوني نسمة، يشكلون حوالي 20 من سكانها ويحملون جنسيتها، فيما يعيش باقي الفلسطينيين (5 ملايين ونصف المليون) في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويكافحون من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.
ويتوقع الفلسطينيون حدوث تغيرات جوهرية في سياسة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، مع دخول اليمين إليها.
وعلى المستوى القصير، يتوقع الفلسطينيون "شرعنة" عشرات البؤر الاستيطانية المنتشرة في الضفة الغربية، وإقامة بؤر جديدة، وتوسيع المستوطنات القائمة، وزيادة أعداد المستوطنين، وزيادة المخصصات الحكومية لمشاريع التوسع الاستيطاني.
كما يتوقع الفلسطينيون حصرهم في تجمعات سكانية تشبه "الكانتونات" المنفصلة عن بعضها، وتجريد الاقتصاد الفلسطيني من فرص التوسع والنمو، عبر السيطرة على كامل الموارد الطبيعية، ما يحول دون إقامة مشروعات زراعية وصناعية وزراعية وسياحية فلسطينية، خارج التجمعات السكانية المكتظة.
وعلى المدى البعيد، هناك قلق فلسطيني من ضم أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية، وإضعاف الدور السياسي للسلطة الفلسطينية، ومحاولة تحويلها إلى سلطة للخدمات البلدية.
وحصل معسكر اليمين وأقصى اليمين على أغلبية مريحة في الانتخابات العامة الأخيرة في إسرائيل، تؤهله تشكيل حكومة مستقرة، وذلك بخلاف الحكومات التي تشكلت في السنوات الـ4 الماضية، عقب سلسلة انتخابات لم يتمكن فيها أي من المعسكرين الكبيرين من تحقيق أغلبية كافية.
التوجهات اليمينة
واللافت في الانتخابات الأخيرة، أن تجمع أحزاب أقصى اليمين الذي حمل اسم "الصهيونية الدينية" وضم حزب "تكوما" (الاتحاد القومي) برئاسة بتسلئيل سموترتيش، و"قوة يهودية" بقيادة إيتمار بن غفير، و"نوعم"، تمكن من مضاعفة قوته، والحصول على 14 مقعداً في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) الذي يضم 120 عضواً.
وتقوم أحزاب "الصهيونية الدينية" على الجمع بين السياسة والدين، وذلك من خلال إقامة وطن قومي لليهود على كامل أرض فلسطين التاريخية، وتطبيق الشريعة اليهودية.
وفي الشأن الداخلي، تطالب أحزاب "الصهيونية الدينية" باعتماد التوراة مصدراً أولاً للتشريع، في حين ترفض الاختلاط بين الجنسين، والمساواة، وقيم الحداثة مثل قبول الآخر وغيرها.
وفي الشأن السياسي، قام البرنامج الانتخابي لهذه الأحزاب على ضم الضفة الغربية لإسرائيل، ومنح الفلسطينيين صفة مقيم داخل التجمعات السكانية، واعتقال أو إبعاد أو قتل وإعدام كل من يقوم بنشاط مناهض ومعادي لـ"الدولة اليهودية"، وذلك حسب درجة عنف هذا النشاط، وفقاً لبرنامجهم.
مديرة مركز الدراسات الإسرائيلية "مدار" هنيدة غانم قالت لـ"الشرق"، إن "نجاح هذه الأحزاب التي ترفع شعار الموت للعرب في مهرجاناتها، وتتبنى سياسات الترحيل والإبعاد، في مضاعفة قوتها يعكس الانزياح المتواصل في المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين وأقصى اليمين والفاشية".
وتابعت: "هذا التحول بدأ منذ منتصف التسعينات، ومعه انتقلت الأحزاب الفاشية التي تسعى لترحيل الفلسطينيين من أرضهم من هامش الحياة السياسية إلى مركزها".
وعرض رئيس حزب "تكوما" بتسلئيل سموتريتش منذ عدة سنوات، خطة لضم الضفة الغربية، وتفكيك السلطة الفلسطينية، أطلق عليها اسم "الحسم".
ونصت الخطة على حل السلطة الفلسطينية، وإقامة مجالس محلية في المدن الرئيسية الكبرى الست وهي الخليل ونابلس ورام الله وأريحا وجنين وطولكرم، ومساعدة المواطنين الفلسطينيين على الهجرة إلى الخارج.
وتقوم عقيدة حزب "قوة يهودية" على اعتبار ما يطلقون عليه "أرض إسرائيل"، وهي فلسطين التاريخية، أرضاً لليهود، يتوارثونها جيلاً بعد جيل، ولا يحق لأي زعيم سياسي التنازل عن أي جزء منها، رافضاً بذلك أي تفاوض مع الفلسطينيين.
وتقود هذه الأحزاب والجمعيات التابعة لها حملات الاقتحام شبه اليومية لباحات المسجد الأقصى، وتطالب بإعادة بناء الهيكل على أنقاضه، وتنظم أيضاً "مسيرات الأعلام" السنوية في البلدة القديمة في القدس، في ذكرى احتلال وضم المدينة، وتستخدمها منصة للمطالبة بطرد الفلسطينيين وإعادة بناء الهيكل.
وبلغ عدد المشاركين في "مسيرة الأعلام" في مايو الماضي حوالي 70 ألفاً، وهو أكبر عدد يشارك في هذه المسيرة منذ احتلال المدينة.
ويطالب قادة هذه الأحزاب بوزارات الجيش والأمن في الحكومة الجديدة، ما يثير قلق الفلسطينيين من قيامهم بتطبيق برامجهم، خاصة القيام بحملات ترحيل للفلسطينيين، وتوسيع الاستيطان على نحو لا يبقي أي أراضٍ فارغة في الضفة الغربية، ما يقضي بصورة كاملة على فرص حل الدولتين.
من المقرر أن تبدأ، الأربعاء، وبصورة رسمية المفاوضات الائتلافية سعياً للتوافق على الخطوط العريضة للحكومة، إلا أن مراقبون يتوقعون أن يواجه رئيس وزراء إسرائيل السابق بنيامين نتنياهو صعوبات في تحقيق مطالب قادة الأحزاب، وعلى رأسها "الصهيونية الدينية"، الأمر الذي قد يدفعه إلى إجراء مناورات مختلفة قبل التوصل إلى تفاهمات حول تشكيل ائتلاف حكومي.
وأكد عضو الفريق المفاوض في حزب "القوة اليهودية" حانا دورفمان في حديث لهيئة البث الإسرائيلي "مكان" أنه "لا خلاف على أن بن غفير سيتولى وزارة الأمن الداخلي، والجميع يرغبون في تشكيل حكومة بسرعة".
شرعنة المستوطنات
وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في عددها الصادر الأحد، أن 9 من أعضاء "الكنيست" الجديد من هذه الأحزاب، يقطنون في بؤر استيطانية غير مرخصة، وأنهم سيعملون على شرعنة أكثر من 100 بؤرة استيطانية غير مرخصة أقيمت في مناطق حيوية في الضفة الغربية، ما يحول دون قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً في المستقبل.
ويقطن عدد آخر من أعضاء "الكنيست" في المستوطنات، بينهم باقي ممثلي "الصهيونية الدينية"، وعدد من زعماء وممثلي أحزاب اليمين القومي، مثل رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان وأعضاء في حزب "الليكود" وغيره.
وتبلغ مساحة الضفة الغربية 6500 كيلومتر مربع، يعيش فيها 3.5 مليون فلسطيني، فيما بلغ عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية 240 مستوطنة وبؤرة، يعيش فيها أكثر من 750 ألف مستوطن.
وتسعى أحزاب "الصهيونية الدينية" إلى الاستيلاء على كامل المنطقة الريفية التي تسمى المنطقة "ج" والتي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية.
ويرى العديد من المراقبين أن قادة "الصهيونية الدينية" سيعملون من اليوم الأول لوجودهم في الحكومة على محاولة تطبيق برامجهم الانتخابية والعقائدية، لكنهم سيواجهون صعوبات كبيرة في تحقيق الكثير منها.
وقال الكاتب المختص في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور لـ"الشرق" إن "التوازنات الداخلية والعلاقات الخارجية لإسرائيل، لن تمكنهم من تطبيق الكثير مما يعملون من أجله".
ولفت إلى أن "تحقيق أهداف (الصهيونية الدينية) سيضع الحكومة الإسرائيلية في مواجهات داخلية وخارجية لذلك سيحاول نتانياهو كبحها من خلال تقييد أيديهم بشكل كبير، أو البحث عن شريك بديل من معسكر التغيير مثل حزب (الدولانية الإسرائيلية) بقيادة وزير الدفاع الحالي بيني جانتس".
ويرى منصور أن هناك فرصة لدخول جانتس إلى الحكومة في مراحل لاحقة، تحت شعار "الحفاظ على المصالح العليا لدولة إسرائيل من تغوّل الأصولية".
وظهرت في الأيام الأخيرة الكثير من التحليلات في الصحافة الإسرائيلية بشأن تأثير تنامي قوة "الصهيونية الدينية" على طبيعية دولة إسرائيل، وعلى وجهها أمام العالم.
وأظهر العديد من اليساريين والعلمانيين رغبتهم في الهجرة من إسرائيل إلى دول أخرى غربية، يمكنهم فيها ممارسة حياتهم وقيمهم بحرية.
ويعد الفلسطينيون لمواجهة سياسية وميدانية قادمة مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة. وقال نائب رئيس حركة "فتح" محمود العالول للإذاعة الرسمية، الثلاثاء: "هذا التحدي يفرض علينا الاستعداد للمواجهة من خلال الوحدة، وإنهاء الانقسام، والتصدي لكل خطوة يقومون بها على الأرض، وعلى المستوى الدولي والإقليمي".





